الأزمان لا تتفاضلُ بطولها أو قصرها، ولا بما يكون فيها من حرارة أو برودة ، بل بما يحصل فيها للناس من صلاحِ أحوالٍ ، وما يُعِين على نشر الخير والهدى، والحب والوِئام.
يكون التفاضلُ بما يُنجزُ فيها من أعمال جليلة ، وما يحصل فيها من عبادة وطاعة.
بدليل أن الحق ـ سبحانه ـ لما أمر رسولَه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقيام نصف الليل ، ويكونَ نصفُه الآخرُ لراحته، جُعِلَ النصفُ المخصصُ للراحة أقلَّ من النصف العامر بالقيام ، قال تعالى:" يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ . قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا . نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلٗا "، فـ : " نِّصۡفَهُۥٓ" بدلٌ مطابقٌ من :" قَلِيلٗا " ـ لبيان إجماله ـ جعلَ النصفَ المخصصَ لراحتِه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قليلا.
وخيْرِيَّةُ ليلةِ القدرِ،أي: ليلةِ الفضلِ والشرفِ ترجعُ إلى: تضعيفِ الحقِّ ـ سبحانه ـ ثوابَ ما يحصلُ فيها من أعمالِ صالحة ، واستجابةِ الدعاء ، ووفْرةِ ثوابِ الصدقات.
ترجع خيْرِيَّتُها إلى تَنزُّلِ الملائكةِ والروحِ فيها جماعاتٍ فيهم أشرفُهم وهو جبريل ـ عليه السلام ـ ليحصل لكل ليلة توافق تلك الليلةَ من كل عام من الفضل، والشرف، والبركة مثلُ الذي حصلَ في ليلة نزولِه في غار جبلِ حراء.
يحصُلُ ذلك القدرُ وتلك البركةُ وهذا الشرفُ؛ كرامةً للقرآن ، وكرامةً لمن أُنزلَ عليه القرآن، وكرامةً للأمَّةِ التي تهتدي بهدي القرآن . قال تعالى: " تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ"]القدر:4[
ترجع خيْرِيَّتُها إلى كونِها ليست زمَنًا للسلام فحسب، بل إلى صيرورةِ زمنِها عينُ السلامِ ، فيصيرُ الزمنُ سلاما، ويصير السلام زمَناً.
ترجع خيْرِيَّتُها إلى أنَّ جميع أوقاتِها معمورةٌ بنزول الملائكة، معمورة بالخير والبركة، معمورة بغفران الذنوب، وإجزال الثواب، واستجابة الدعاء . قال تعالى :" سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ".
فعظموا أيام نعم الله عليكم ، واغتنموا ما تبقى من ليالي هذا الشهر في الاستغفار والطاعة والعمل الصالح.
رزقنا الله وإياكم فيها دعوة لا ترد.