ولأنه قاض، ولأنه من "مصر"، ولأننا لم نعتد الأمر منهم، ولأنهم مجبورون على التقوقع في محاريب مهنتهم، ولأنهم لا يتحدثون ولا يكتبون ولا ينشرون شيئا عن أنفسهم، فكان الأمر حريا بأن أقرأ للرجل، انتابني شغف لا حد له، عندما قرأت عنوانه، سائلا نفسي، "وهل هناك قاضيا من بينهم يملك جرأة تتيح له أن يكتب عن نفسه سيرة ذاتية، متمردا على تلك الهالة من الخصوصية و الانتحاء المجتمعي لفصيل مجتمعي يُفرض عليه الأمر فرضا ؟"..
وبعد أن أتممت قراءة هذا المحتوى، تيقنت بعدها بأن كل "قاض من مصر"، هو قبل كل شيء، وبعد كل شيء، هو ليس إلا، "رجل من مصر" وحسب، هو في نهاية الأمر انسان من إنسي هذا الشعب، يُولدون ويكبرون، يُحبون ويكرهون، يتحدثون ويصمتون، يُصيبون ويخطئون، يتكبرون ويتواضعون، هم في النهاية بشر مثلنا، أتعستهم أقدارهم، فأمهنتهم مهنة لا خير فيها لا في الدنيا ولا في الآخرة، إلا من رحم ربي !!
في الدنيا، فالقاض في أوطاننا حبيس مهنته، كل شيء محسوب عليه، لا يرتاد المقاهي، ولا المسارح ، لا يستطيع أن يتقافز كالطفل فوق مدارج الملاعب عندما يسجل فريقا يشجعه هدفا في خصمه، لا يستطيع أن يقف على "عربة فول" ليتلذذ بطعم "طلب بالزيت الحار"، ومتعة أن يجرش "فحل بصل"، ثم يرفع طبقه المملوء ب "ماء السلطة" إلي فيه ليرشفه بصوت موسيقي رائع، لم يجربوا الأمر من قبل، ولا يستطيعون، ولا يستطيعون، ولا يستطيعون !!
في النهاية تعاسة مهنتهم، تحرمهم من سعادة الحياة، في النهاية هم رهن الحبس الانفرادي بحكم من فوقِ منصة مهنة امتهنوها ظنا منهم بأنها هى البراء من كل سقام المجتمع !!
أما في الآخرة، فعلى قدر ظني، دعوة من مظلوم أخطأ قاض رغما عنه، فظلمه، ربما تُورد ربها قاع جهنم، لكن في النهاية يعلم رب الأرباب، العادل بلا منتهى، أنهم بشر يصيبون ويخطئون، ولكنني أرى الأمر ليس مخاطرة وحسب، ولكنها مهنة ترقى إلى المقامرة مع غضبة الله وحدوده !!
ماذا فعل "بهاء المري"؟؟
خرج عن المألوف، وكسر الحواجز، وحطم السياج، ناسيا أو متناسيا بأنه محسوب على شطرِ مجتمعي لا يعرف الناس عنهم شيئا، ولا عن أباءهم، ولا أمهاتهم، ولا أبناءهم، ولا زوجاتهم، ولا عن أعمالهم ولا أحكامهم، لا يعرف الناس عنهم أي شيء سوى هذا الرجل الذي يسير في ردهة المحكمة، فيشطر ازدحامهم شطرين، بأمر هذا الجندي ذي الغلظة الذي يصرخ فيهم، يأمرهم بأن يلتصقوا بالجدران لأنه الآن سوف يمر!!
وهذا الآخر القابع فوق منصته، تجلجل القاعة بصوت حاجبه، "محكمة"، فيقف الجميع رهبة وتقديرا !!
فعلها "بهاء المري"، حرر معصميه من قيود تلك التقاليد، أمسك قلمه ولوحه، وراح يُخبرنا في تماه رائع، عن قاض من مصر، عن طفولته وذويه، عن أمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تأويه، دون خوف أو حرج، يزن كل منهم بموازينه، بجرأة يُحسد عليها، واصفا كل منهم بوصفه وسمته، لا يعنيه كونه من يكون، يُمجد من يستحق المجد، ويفضح من يستحق الفضح، دون تستر تُمليه عليه كرامة القربى، أو حقوق جار، أو ملامة ربما يُلام عليها من أحدهم يوما ما !!
وفي نهاية هذه المقدمة، نستطيع أن نقول بأن هذا الرجل يملك جرأة قاض لم يملك مثلها أحد منهم من قبل، لقد أستطاع أن يقفز إلينا نحن معشر الناس من فوق أسوارهم العالية الشائكة، ليخبرنا في منجزه هذا، بأن القاضي، هو ليس إلا بشر مثلنا يعيش بيننا مسجونا في غياهب مهنته !!
"بهاء المري"، رجل مع كل ما يملك من مقومات الكِبرِ، تجده متواضع تواضع الكبار، رأيته في أوساطنا كذلك، لكن لكي أكون منصفا، لم أجلس معه وهو يمارس مهنة القضاء !!!
قارئ جيد، ومثقف محيط، ولغوي مُجيد، لكن في النهاية يجب أن نؤمن بأن لكل جواد كبوة، والكمال لا يتفرد به إلا رب العباد عز وجل !!
"قاض من مصر"، أهداني الرجل إياه، قرأته من قبل، أعجبني كثيرا، وأنا بطبيعتي لا أبالغ في المدح، وأملك جرأة النقد، وأراه هو الطريق القصير لنجاح المرء، تحدثت معه بقدر ما سمح لي وله الوقت، تقبل الرجل حديثي بصدر رحب، بل ووعد بأن يهتم بما لاحظت، فعرفت حينها بأنني بين يدى رجل عظيم !!!
ولنذهب إلى محتواه الذي يتجاوز ستمائة صفحة، بما يربو عن مائة الف كلمة أو يزيد، ولنبدأ من الغلاف:-
غلاف أنيق بزرقة أعماق البحار، يشي بإيحائية بأنك سوف تلجُ داخل محتواه نحو أعماق بحاره التي لا تعرف شيئا عنها، سوف يريك وأنت في رفقته، دره وصدفه، شِعبِه وشعابه، وأيضا سطحه وقاعه !!
تتوسط زرقته مساحة صفراء مُسجل عليها اسمه وكينونته، ليذكرك بأن الكاتب أولا وأخيرا هو رجل قضاء، لا بد أن يكون عادلا، ليس خلف منصته وحسب، ولكن فوق أوراقه حين يكتب.
ثم "سيرة ذاتية" كُتبت على استحياء في جانبه الأيمن، لأن الأمر في النهاية كما يروه الرفاق خروج عن المألوف، ففضل الرجل أن يتجنبه بهذه الزاوية الصغيرة من العرض ..
ثم عنوان الكتاب باتساع عرضه، باللون الأبيض، ليخبرك الأمر بأنهم أهل العدل الذين يملكون أكف و ضمائر بيضاء بما يليق بمهنتهم وقدرها وكرامتها ..
"قاض من مصر"
وهنا نتأمل العنوان الذي يطرح كثيرا من التساؤلات، أولها : (لماذا لم يذكر اسمه؟ فالأمر يخصه قبل مهنته)، (ولماذا نكر قاض؟، ولم يكتبها القاضي بهاء المري)، (ولماذا ربط بين القاضي ومصر؟)
لم يذكر اسمه لأنه أراد أن يُسبغ شرف مهنته على كينونته، ليخبرك بأن الكاتب يحمل شرف الكلمة قبل السرد، فوجوب عليك ألا تراجعه، فهو الذي لا يُراجع كلماته فوق منصته أحد غير الله من فوق سبع سموات !!
ونكر قاض، منتزعا منها "ال" وكينونته معها، ليُعلمك بأن كل قاض في هذا البلد "علم" بقدره ومكانته، يعلو بمهنته فوق التعريف وفوق المُسمى، أراد أن يقول، أن سرده هو بعض من كل حيوات قضاة مصر، تحدثوا أو صمتوا، أراد أن يُخبرك بأنه يتحدث عن جمعهم، لا عن ذاته وحده، تقديرا لهم، وإكراما لمنزلتهم !!
أما إقرانه مصر مع قاض، فهو أمر شديد الذكاء، يريد به أن يخبرك بأن القضاء في هذا البلد هو عماد من أعمدتها، تقوم قوائم الدولة عليه، وربما يُريد أمرا آخر، يريد أن يخبرك بأن قضاة هذا الوطن، مختلفون عن كل قضاة الدنيا، خصوصيتهم، وخصوصية مهنتهم، تجعل منهم فصيل حَكم على نفسه بالحبس في زنازين مهنة يراها الناس مذهبا للفخر والفرد، ويراها أصحابها بأنها قيد لا يستطيع أحد منهم الفكاك منه إلا بأراذل الفعال، وهذا نادر جدا، لما يُلحقه الأمر بربه من عار عليه وعلى من أنجبه!!
والآن نذهب إلى المحتوى، لنقرأ كيف كتب الرجل، و كيف أبدع !!!
الإهداء:
أهدى السيرة لأمه، ومن في الدنيا كلها حقيق بأن نهدي له كل شيء غير امهاتنا، فهن كما وصف أمه، نبراس "الرشد نحو الفضيلة"، و "معين" العطاء الذي لا ينضب!!..
ورغم من ذكرهم بعدها، فبعد أن تُتمَ منجزه، سوف تكتشف أن "بهاء المري" لم يُهدي منجزه إلى أمه وحسب، بل لم يكتبه إلا لها ومن أجلها، ليُقبل قلمه كفها وحدها دون غيرها، شاء "بهاء المري" أن يكتب سيرة أمه، وليست سيرته، انتوى الأمر من بعد رحليها حصرا، ولم يكن ينتظر من السيد "سلامة" تشجيعا، كان يُمهد للأمر وحسب!!! لم يكن الرجل صادقا في ما أهدى لمن أهدى، كانت هى المُبتغى، وكان بقيتهم أدبا منه!!
ولسوف تكتشفون الأمر من بعد ذلك، أتقن صنعة سيرة عشيرته، وطفولته، وصباه ورجولته، بما لم يحط به غيره، ودثر جل سرده كرامة أمه عنده، وكأن السيرة سيرتها، وليست سيرته، ودونه كان سردا يأتي خلف ما أبدع قلمه فيه !!!
ثم تأتي رؤية تقديم للعمل، يتبناها الأستاذ "حاتم سلامة"، يتحدث فيها عن مناقب الرجل وقيمته وقامته، بسلاسة لفظية وجمل بارعة تليق بمهنته كصحفي، ممتننا لنفسه بأنه شجع الرجل على أن يستخرج من أغوار ذاته هذا العمل الذي ظن أنه وليد نصحه، عذرا سيدي، هذا العمل مُختمرُ في ذهن ربه منذ طفولته، وربما من قبل أن يعرفك، لقد رتب أحداثه منذ عقود طويله، كتبه في مخيلته، وسطره، بل و مطبوع في ذاكرته، عذرا سيدي، لقد خدعك "بهاء المري"، حين أخبرك بأنك صاحب فضل في إخراجه من رحم إبداعه، هو كان يريد بهذا أمرا آخر، القضاة يا سيدي أذكياء حد المكر !!
ثم توالت رؤية نقدية لأبن العم الحبيب معالي دكتور "حسن المغازي"، كنت أعلم ماذا سوف يكتب، بل وأسمع صوته حين أقرأ، أنا أكثر الناس فهما له، وقراءة لقلبه الطفل، أعرف ما يحبه، وما يمقته، أكثر من معرفة نفسه بنفسه !!
أعرف أطر نقده، وماهية قراءته، هو عالم محيط، ومثقف كبير، وأيضا طفل صغير جميل، يضحك إن داعبته، ويصرخ إن أغضبته!!
بدأ نقده كما أعتاد أن يَمهد له، بفُرشِ من مدارس الأدب سردا أو شعرا، هو يخبرك أول ما يخبرك به، بأنه عالم شئت أم أبيت، ثم ينتقل بعد ذلك إلى النص، مُتيم بطبعه بالنصوص التي تذكر العوائل والبيوتات، يعشق الأصول في كل شيء ويدافع عنها ما أستطاع، ناقد حصيف، وقارئ محيط، لا ينازعه في الأمر منازع، إلا إذا ..!!!
ثم تأتي المقدمة، فتخون الرجل ذاكرته، و يفضح قلمه ما سبق ذكره، وكعادة القضاة في مسودات أحكامهم، يبدأ بمقدمة شديدة الثراء لفظا وصورا، أسمعه يتحدث فيها وكأنه قرر الاعتراف من بعد مناورة مخادعة ألصق فيها التهمة بغيره، يقول فيها بطريقة العامة: " بصراحه يا جماعه الموضوع كله أمي وحسب" !!!
كانت البداية تشي بأديب قدير على تمييع الكلمات وتخليصها من صلادتها، ليصبها باقتدار في قوالب جديدة تتشكل معه فيها لتؤدي معناها دون زيادة أو نقص، لتبهرك قدرته تلك على التطويع، وعلى سبيل المثال :
-"من صنعتني بفكر سبق العصر" ..يتحدث عن امه، نحن نعلم بأن الاقتران الأقرب بين الأم ووليدها، الحمل ثم المخاض ثم الولادة ثم الرضاع، ثم الفطام، ثم النشأة، حذف كل هذا، وأستخدم لفظة "صنعتني"، لينسب إليها كل شيء، والأجمل من هذا في لفظته، أسبغ عليها صفة الحياة (الصانع)، وأسبغ على نفسه صفة الجمود (المادة)، فرسم صورة رائعة قال فيها بأنه لم يكن إلا مادة خام، لا تملك من أمرها شيئا، شكلها الصانع كما يشاء، وها أنا الآن كنت من كنت، لست إلا صنعة أمي، فإن كنت عظيما فالفضل إليها يعود !!!
-( حنان تدثر)..استعارة آخاذة مبهرة
- (عبرات لمحتها في مآقيها) تشي بالتصلد المصطنع رغم عن أنف رقتها ..
- (يؤخذ على الكاتب "ذات سنين" ثم "ذات سنين"، فالعواطف الصادقة ليست موسمية بكل هذا الابتعاد)
- (أواسط الناس)، هنا أمران، أولهما جملة خبرية ماكرة متعمدة بدأ بها، يريد أن يخبر القارئ بها بأنه واحد من عامة الناس، يشبهك ويشبه غيرك، لا متعاليا بمهنته، ولا وظيفته، ولن يدعي بأنه حفيدا ل "بطرس باشا غالي"، ولا قريبا ل "مصطفى كامل باشا"، هو منكم، هو مثلكم، هو من بيوتاتكم، كل شيئ فيه يشبهكم، كان ماكرا حقا، لقد حطم كل الحواجز بينه وبين من يقرأ له، وأمسك بتلابيب قلبه، وأسر مشاعره وتعاطفه، وأجبره على أن ينسى أنه قاض، حدث هذا رغم أنف القارئ والقاض معا !!
- ((صبيا شاخ)، رائعة، تحكي كل عصور عمره، أضعفها ما تلاها (شابا شب شيخا)، ظنا منه بأن السجع أكثر بلاغة من الإطناب )
يبدأ السارد في أحداث سيرته، و بمشهدية رائعة ينتقل بك إلى طفولته في بيت جده لأمه، الشيخ الأزهري محمد شبل، يصفه الرجل وكأنه أمام نواظرنا، وعلى استحياء يمرر يُتمه ويُتم شقيقاته علينا في هذا البيت، ذكر وفاة أبيه، وأخذه الحياء أن يذكر ترمل أمه، إكراما وتقديسا لها، أراد أن يمهد لقوتها بهذا، أراد أن يخبرنا بأن الأمر لن يعنيها كثيرا في القادم!!
ألم أقل لكم بأن القضاة ماكرون!!!
ثم وصفه بكل جميل من الوصف، ملمحه وقلبه ودينه، نقاؤه وطيبته، محبته وعطفه، لقد شرح جده أكثر مما شرح أمه، هو يريد أن يخفيها عنك عمدا مع سبق الإصرار والترصد !!
ثم أنتقل لجدته التي لم تشفع لها شافعة عنده، من أول السيرة حتى رحليها، هذه السيدة التي تشبه كل سيدات مصر في تلك الحقب، اللآتي يُدرن بيوتهن بالوعيد وبالحديد، ليستقيم أمرها!!
مع هذه السيدة طغت براءة طفولة "بهاء المري"، وظمأ يتمه وحاجيته للحب، على حكمته بعد ستة عقود من الحكمة!!!
ولكن الرجل في النهاية أراد أن يخبرنا كيف كانت كما رآها في عمره هذا، وليس كما يراها الآن، لا أستطيع أن أستعتب الرجل على أمر فعلتُه مثله، أعلم جيدا بأن مشاعر الأطفال، لا تُمحى، ولا نستطيع تجميلها مهما مرت بنا سنون العمر!!
الجدة الحاكمة بأمر صلاح البيت وإدارته، تري أنها القديرة وحدها على قيادة دفته، والوصول به وبهم إلى بر الأمان، على حساب كل شيء، حتى هذا الطفل اليتيم الذي يتوق لمحنة حتى من قوالب جدار البيت، وذرات أديمه !!!
رأيتها "فاطمة تعلبة"، تجلس فوق أوراق سيرته، فَهْبْتُها من أول حديثه عنها !!
أما الجملة التي وقفتُ أمامها أياما وأيام، ولا تغادر ذهني إلى الآن، فهى عن جدته " كانت تعرف الحق، ولكنها لا تعرف الفضل" !!!
ظللت أسأل نفسي، "أليس الفضل هو أول مبادئ الحق؟"، و أقول أيضا "من لا يعرف الفضل فهو جاهل بالحق"، وفي نفس الوقت، تذكرت مهنة القاضي، وقلت لنفسي "عقاب السارق حق، والعفو عنه فضل"، ولا يستقيم هذا مع ذاك، ولا زلت لا أصل إلى رؤية شافية للأمر، ولا زلت حائرا فيها، ولم أجد أحدا منهم يدلني على الأمر!!
ثم يكمل في سرد آخاذ الحديث عنها، فيذكر "روبها المشجر" في المساء، وحديث القرآن، ورؤيتها في صوت عبد الباسط، والحلوى التي توزعها عليهم، ليؤكد لك، أنها أهل للحق كما تقدم ذكره، فهى لا تقصر في شيء، بدأ من "روبها المشجر"، حتى حلواها وفاكهتها التي تُسري بها عليهم كبارا وصغارا، تؤثر الذكور على الإناث، وفي لفظ رائع قال فيه "تلكمهن" بنصيبهن من فاكهتها وحلواها، فشعرت بالكلمة تُقذف كحجر نحو عظام صدري، كان اختيار الكلمة رائعا حقا !!
لم يترك الرجل شيئا إلا وأخبرنا به !!!
ثم تسيل عواطفه، وتفضحه شجونه، وعلى لسان جده يحكي يتمه، ويسرد لواعجه، بدهاء كاتب قدير، فيسم جده بالخلاق وبالتدين والرقة والبهاء، "كان يعرف حق يتمي، ويتم شقيقاتي، كان يعرف فجيعة امي، وظلمة دربها، كان يعرف حاجتي وحاجتهم، وكان و كان و كان"، لم تكن تحكي يا سيدي القاضي عن جدك أبدا، لقد كنت تحكي عن "بهاء المري" وحده، لقد وصل الأمر إلى قلوبنا من بعد قلب جدك !!!
لقد رفع قدره حد الكرامة، ثم انتقل لقضية مجتمعية تخصه وتخص من مثله، ليس لتداول الأمر كما أراد أن يوضحه، ولكن ليستعتب عليه من فعله معه، فنراه يسأل فجأة خارجا عن سياق الحكي وماهيته، "لماذا يا ذوي القربي، تستعبدون أيتامكم، ولا ترقون لجزعة قلوبهم ؟؟؟
للدراسة بقية !!!