ما أجملَ وما أعظمَ أن تَجْبُرَ ـ في هذه الأيام ـ نفسا مكسورة، أو قلبا مفطورا؛ فذلك من أعظم ما يتقرب به العبد إلى مولاه؛ كونه من التخلّق بصفات العلوّ الإلهيّ على قدر الطاقة البشرية.
ومما يؤسس لذلك أن إخوة يوسفَ ـ عليه السلام ـ لما اتفقت كلمتُهم على ظلمِه مع حداثة سنِّهِ، جعلوه في غيَابَةِ الجُبِّ.
فما كان من الحق ـ سبحانه ـ إلا أن جَـبَر خاطره المكلوم، وأزال عنه كرْبَه وغمَّه ، وآنسه في وحشة الجب وظلمته بأن بشَّرَهُ وحْيًا: بأنك يا يوسف ناجٍ من هذه الشدة، وأنك ظاهرٌ عليهم ، متمكِّنٌ منهم، وستنبئهم يوما بما فعلوه معك وهم لا يشعرون أنك أخوهم ، بل يحسبون ـ وقتها ـ أنك مُطَّلِعٌ على المُغّيَّبَاتِ. قال تعالى: " فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ"]يوسف : 15[
وتلك أمٌّ فُطِرَ قلبُها الحنونُ على وليدها عندما حكمتْ عليها الأقدارُ أنْ تُرضِعه من صدرها مرة واحدة، ثم تُلقي به في اليم إِنْجاءً له من الهلاك.
فما كان من الحق إلا أن جبر قلبها المفطور ، وأقر عينيها التي أسخنها الحزن بأن رد إليها وليدها .قال تعالى :" فَرَدَدۡنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَ وَلِتَعۡلَمَ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ "]القصص:13[
وهذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخرج من وطنه حزينا باكيا ليهاجر إلى المدينة ، فلما كان في منطقة الجَحْفة ـ بجوار رابغ ـ تَنَزَّى الحنينُ في صدره إلى وطنه ومولده، فبشره الحقُّ ـ جبْراً لخاطره ـ بأنه سيرجعُ يوما إلى وطنه. قال تعالى :"إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ "]القصص: 85[
فتخلَّقُوا وأنتم على مشارف العيد بالأخلاق الإلاهية قدر طاقتكم البشرية.
فتشوا عن اليتامى واجبروا صدع حياتهم.
فتشوا عن الثكالى والأرامل.
فتشوا عن الفقراء الذين تحسبونهم أغنياء من التعفف. فتشوا عن المساكين.
زورا من حبسهم المرض.
ارْقَعُوا فُتُوقَ المجتمع .
وابدؤوا بذوي القربى ، فمواساتُهم تُكْسِبُكُمْ محبَّتَهُم والْتِئامَهم.
هدانا الله وإياكم إلى طيب القول وصالح العمل