الأحد 29 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

متعةُ العطاء شعورٌ بالرضا يملأ القلب، شعورٌ بالسلام مع الذات يغمرُ النفسَ ، متعة تنشأ من شعور الإنسان بقدرته على نفعِ وإدخالِ السرور على الغير .
   تلك المتعة التي كان يفتقدها فقراء المسلمين عندما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ" صحيح البخاري/843
 وهي متعة لا يدرك حلاوتَها بحقٍّ إلا من ذاقَ مرارةَ المنِّ، وقساوةَ المنْعِ. وقديما قالوا: " طعمً الآلاءِ أحْلَى منَ المَنِّ، وهو أمَرُّ من الآلاء عند المَنِّ " أي أن طعم النِّعَمِ أحْلى من المَنِّ الذي يشبه العسل في حلاوتِه، وهذا المَنُّ مع حلاوتِه يكون طعمُه أشدَّ مرارةً من شجرِ الآلاءِ إذا أتْبَعه المتصدقُ بالمنِّ والأذى.
 أليس للفقراء حقُّ في هذه المتعة ؟ أليس لهم حق في أن يشعروا بهذا الإحساس الذي يشعر به أصحاب الأموالِ عنما ينفقون ؟... لذا لم ينكرْ عليهم رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقالتَهم تلك، بل دلَّهم على المنافسة في التسبيح والذكر والتهليل .
 ولعل من فلسفة زكاة الفطر التي أوجبها الإسلام: إشراكُ الفقراء في تلك المتعة بعدمِ اشتراطِ امتلاكِ نصابٍ مُعيَّنٍ لإيجابها، بل أوْجبَها على مَن يجد زيادةً عن قوته وقوت من تلزمه نفقتُه يومَ العيدِ وليلتِه وما يليقُ بهم، فضلا عن عدم تفاوتِ مقدارِها، بخلاف زكاة المال: يَزِيدُ نصابُها بزيادة رأس المال .
 وهو ما يفتح الباب على مصراعية للجميع ليشعروا بمتعة العطاء ، ولذة التصدُّق، ويشاركوا في إدخال البهجة والسرور على من أقْعدتهُم الشدائدُ حتى عن امتلاك قوتهم ومن يعولون يوم العيد وليلته.
 وهو جانبٌ لَطُفَ واختفى في زحام الخلاف بين من يقول بإخراجها طعاما ومن يقول بإخراجها نقدا.
ويبقى من الناس من لا تجبُ له، ولا تجبُ عليه تلك الزكاة وهو: من ملك قوتَه وقوتَ من تلزمه نفقته يوم العيد وليلته وما يليق بهم دون زيادة ، فحظُّهم من تلك المتعة: جمالُ التعفف، وإظهارُ التَّجمُّلِ، والشعورُ بنزاهةِ النفسِ وعزَّتِها عندما يأتيه المُزَكِّي فيردُّ زكاتَه قائلا : بارك الله لك، لستُ من مُسْتحقِّيها . 
 إن زكاة الفطر قبل أن تكون سببا لإغناء المعدَمِين يوماً، فهي بابٌ لإغنائهم عاماً عندما يشعرُ الجميعُ بمتعةَ العطاء، وعندما يتذوق الجميعُ طعمَ إدخالِ البهجة والسرورِ على الغير، ويجدون حلاوةَ ذلك، فستراهم بعد العيد يجتهدون ليمتلكوا حلالاً ما يستحقون به متعة الإنفاق، أو ما يكفيهم مما يُعِينُ على التَّحَلِّي  بجمال التعفف، وشموخِ النفس.
زكاة الفطر سبيل لنشر الفرح الممزوج بمتعة العطاء، والمتوج بجمال التعفف
      أسعد الله قلوبكم وعيدكم وأدام على بلادنا نعمة الأمن والاستقرار

تم نسخ الرابط