الأحد 29 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

مِن أبغضِ الصفات التي تكون في الإنسان إلى نفسي؛ أن يعرفني لمصلحة، فإذا قضاها أو لم يجدها عندي؛ فكأنه لا يعرفني ولا أعرفه!

إن معرفة الناس - كما يقول العامة - كنوز!

وربما عرفتَ إنسانا لله، فجاءك مِن ورائه من الخير فوق ما لو عرفتَه لمصلحة!

عرفنا شيوخنا لله، فجاءنا مِن ورائهم من الخير ما لا يعلمه إلا الله!

ولو عرفناهم لمصلحة لم نكن لننال هذا الخير العظيم، والفضل العميم!

واليوم ترى أكثر الناس لا يعرف بعضهم بعضا إلا لمصلحة، وقد عانيت منهم كثيرا، ورأيت منهم أصنافا وألوانا!

فبعضهم يلازمني لأكتب له خطة بحثية، أو لأشرف عليه في رسالة علمية، فإذا قضى مصلحته ذاب كما يذوب الملح في الماء!

وأذكر أن أحدهم كان مستواه العلمي متواضعا جدا، لا يصلح للبحث العلمي، رغم تعاليه، وحرصه على أن يناديه أقرانه بالدكتور، فلازمني ملازمة الظل، حتى سجلت له رسالة - من فكرتي وإعدادي - في تلك المعاهد التي تقبل الحاصلين على تقدير (مقبول)، فكتب رسالة هزيلة، لا تصلح للمناقشة، فامتنعت عن إجازتها، حتى أتاني بطوب الأرض للتوصية عليه، فأجزتها على مضض، وأوصيت لجنة المناقشة أن تتصرف معه دون مراعاة كوني مشرفا عليه، ففعلوا، وإكراما لي منحوه الدرجة بتقدير متدنٍ، وطلبوا منه عمل إصلاحات تعدل رسالة جديدة، فلم يستطع عملها، وفي النهاية مَشَّيْناه لعجزه!

وبعد هذا كله انقلب عليَّ، وصار من أعدائي، وصار يصف اللجنة بالجهل، وبأن اللجنة تحقد عليه، وصار يذكرني بالسوء في كل مجلس!

وبعضهم يعرفني لا ليستفيد، بل ليستشرف أحوالي، ويقارنها بأحوال غيري، أو ينقلها لغيري، ثم يجلس يقارن بيننا، ويحكم علينا!

وبعضهم يعرفني لأوصله بفلان المسؤول، وبعضهم يعرفني ليأخذ مني إجازة يتفاخر بها، كما حضر بعضهم عندي مجلسا واحدا للإجازة، ثم في اليوم الثاني طبعها - وفيها اسمي - وأجاز بها الناس عبر التليجرام، وعمره ستة عشر عاما، والناس تظنه شيخا كبيرا!

وبعضهم يلازمني لأعطيه العهد، وألقنه الورد، ليعمل شيخا على المريدين، وبعضهم يحب أن يُعرف بأنه مريد عندي ليستفيد - مع أني كررت أكثر من مرة بأنني لست شيخا لطريقة، ولا أعطي عهودا، ولا عندي أتباع ولا مريدون، زهدت فيما يتنافس الناس فيه -!

وبعضهم حضر عندي مرة أو مرتين؛ ليستفيد من أحوالي، ثم انقطع، وعمل شيخا، وقلَّد بعض أحوالي، وانقلب عليَّ!

وهذا من لؤم الأصل، ودناءة الطبع؛ فإن أقل أحوال ابن الأصول أن يسكت عن الإساءة إلى من أحسن إليه!

ولا أقول هذا منًّا ولا تفاخرًا، معاذ الله، بل بيانا للحال، ونصيحة للمسلمين، أما أنا فبابي مفتوح لكل أحد - ولو جاءنا لغير الله - والله حسيبه على نيته، ولا ندخر وسعا في خدمة المسلمين، بل في خدمة الناس أجمعين، ويشهد على ذلك كل من عرفني وخالطني، ومع ذلك لا نسلم من ألسنتهم، ولا ننجو من أذاهم، والله سميع عليم!

تم نسخ الرابط