الأحد 29 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي


 يشعر الإنسان ذكرا كان أم أنثى صغيرا كان أم كبيرا بقدره، وإنسانيته، عندما يُخَاطَبُ بأسلوب يحترمُ عقلَه وملكاتِه، عندها يثق بنفسه، ويشعر بذاته، ويعتز بوجوده.
 ويتضاعف هذا الشعور إذا كان الخطاب ممن يعلوك قدرا ومكانة؛ لأنه يُشْعِرًك بأنه مفتقِرٌ لرأيك، وأنك لست كمًّا مهملا أو صفرا على يسار العدد.
  ويصل هذا الشعور ذروته بحيث تجد نفسك مفتقرا للتواضع، عندما يكون المتحدث معك هو ربُّ العالمين . 
 يتضح ذلك عندما تمنحُ نفسك فرصةً للتفاعل مع جَدَلِيَّةِ سَرْمَدَيةِ الليلِ وتعني: دوامَه بلا انقطاع إلى يوم القيامة بأن تُجْعَلَ الأرضُ منبسطة غير كروية فينتشر على كامل أجزائها الليل، وكذلك النهار.
وهي جدليةٌ طرحَها القرآنُ لتُفَكِّرَ ثم تدلي برأيِك للوصول إلى الثوابتِ التي خُلِق وبني عليها صلاحُ العالمِ وانتظامُه.يقول الحق:" قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلَّيۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ" القصص/71وقال:"قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ"القصص/72
وهو أسلوبُ استنطاقٍ بالحقائقِ يُسَمِّيهِ التربويُّون"العصْفُ الذِّهْني"ليصلَ المخاطبُ بنفسه إلى الثوابت التي بُنِيَ عليها استقرار نظام العالم وصلاحُه،فيكون إيمانه بها أرْسخُ وأوْثَقُ.
  وبعد التأمل تدركُ أنَّ سرمدية الليل تعني: ذَهَابَ البصر، وانعدامَ القدرة على الرؤية،وموتَ الزرعِ وهلاكَ الضرعِ فلا يجدُ الانسانُ ما يقتات عليه،كما تعني ضعْفَ العظام حتى الليونة،واصفرار الجلد وانتشار الديدان.
  وسرمدية النهار تعني انتشارَ السرطان، والحرمانَ من السكونِ والراحةِ وعدمَ استرجاعِ القوى المنهكة وصولا إلى حد الجنون .
  فإذا أدرك الإنسان ذلك وأقر بحاجة العالم إلى الضوء مع فرْضِيَّةِ سرمدةِ الليل، يسْألُ:"مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِضِيَآءٍۚ "؟القصص/71
 وإذا أدرك حاجة العالم إلى الليل مع فرضية سرمدة النهار يُسْألُ:"مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِلَيۡلٖ تَسۡكُنُونَ فِيهِۚ"؟القصص/72
 وقياسا على ذلك،أطرح جدليةَ وجود الذُّكُورةِ دون الأنوثة، ووجود الأنوثة دون الذكورة بحيث لا يكون في العالم إلا جنس واحدٌ، خاصة مع تصاعد الدعوات المدافعة عن المِثْلية وتسرُّبِ أفكارها بين الفينة والأخرى إلى مجتمعاتنا مع يقيني بأنها ممْجُوجةٌ عندنا؛لكن الأشجار الراسيات قد يؤثر عليها توالي العواصف وتسلط الأرضَة.
 كما أن لإعمال العقل فيها فوائدَ جمَّةً تعود بالنفع على المجتمع من جهة أن رسوخَ الإيمان بأن العالمَ لا يستمر بالذكورة دون الأنوثة ولا بالأنوثة دون الذكورة، كعدم انتظامه بالليل دون النهار أو النهار دون الليل يعينُ على اجتماع الجنسين بالزواج؛كونُ الاختلافِ بينهما اختلافَ تكاملٍ لا اختلافَ شقاقٍ وتنافر.
  وهو قياس لم أقف عليه في كتب التفسير عندما استوقفني قول الحق "وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ.وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ.وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ" بسورة الليل لأبحث عن مناسبة واضحةٍ تجمع الليلَ والنهارَ مع الذكرِ والأنثى في أسلوبِ قَسَمِ واحد، كالتي جمعت بين: التين والزيتون وطور سنين والبلد الأمين في صدر سورة التين فلم أجدْ .
   لذا قلتُ: إن ما يشركان فيه هو الضدية، فالليل ضدُّ النهار والذكر ضد الأنثى،غير أنها ضِدِّيةُ تكامل.فالليل يأتي على النهار فيغشاه ويستر محاسنه،والرجل يصون الأنثى زوجَه،ابنتَه أمَّه... وبالنهار ينكشف حسنُ الكون وجمالُه.فلا سِتْر بدون رجال ولا حسن بدون النساء .
  لذا أطرح تلك الجدلية قائلا أيها الرجال:ماذا لو خلا العالم من النساء؟ من يأتيكم بنساء تأنسون بهن؟ وأيُّها النساء: ماذا لو خلا العالم من الرجال؟ من يأتيكم برجال تتدللون عليهم وتأنسون بهم؟
  فاعلموا أن للأنوثة مكانةً وقدْرا ودوْرا في استقرار واستمرار العالم لا يقل عن مكانة وقدر ودور الذكو، وأن الاختلاف بينهما اختلافُ تكامل يقتضيه استمرار العالم .
          حفظ الله بناتِنا وأبنائَنا، وأحسن إلى أمهاتنا وآبائنا كما أحسنوا إلينا.


 

تم نسخ الرابط