تأثرتُ كثيراً بحياةِ الإمامِ الغزاليِّ، حُجَّةِ الإسلامِ، وأوحد الأئمة، وبمنهجِهِ في الفكرِ والسلوكِ، والإصلاح والتجديد، وأكادُ أحفظُ كتابَهُ (الإحياءَ) عن ظهرِ قلبٍ، وأعرِفُ مواضِعَ الجُمَلِ منه في أيِّ بابٍ، ولا أدري لماذا أبكي دائماً عندما أقرأُ هذه القصَّةَ، التي أوردَها ابنُ العِمَادِ الحنبليُّ في (شذَراتِ الذَّهَبِ) في ترجمةِ الغزاليِّ، إذ يقولُ:
"وذكرَ الشيخُ علاءُ الدِّين عليُّ بنُ الصَّيْرَفِيِّ في كتابِه (زادِ السَّالكينَ) أنَّ القاضيَ أبا بكرٍ بنَ العربيِّ قالَ: رأيتُ الإمامَ الغزاليَّ في الْبَرِّيةِ، وبيدِه عُكَّازةٌ، وعليه مُرَقَّعَةٌ، وعلى عاتقِه رِكْوَةٌ!
وقد كنتُ رأيتُه ببغدادَ يحضُر مجلسَ درسِه نحوُ أربعِمِائةِ عمامةٍ؛ من أكابرِ الناسِ وأفاضِلهم، يأخذون عنه العلمَ!
قال: فدنوتُ منه، وسلَّمْتُ عليه، وقلتُ له: يا إمامُ، أليسَ تدريسُ العلمِ ببغدادَ خيرًا من هذا؟!
قال: فنظرَ إليَّ شزَراً! وقالَ: لمَّا طلَعَ بدْرُ السعادةِ؛ في فلَكِ الإرادةِ - أوْ قالَ: سماءِ الإرادةِ - وجنَحتْ شمسُ الوصولِ، في مغاربِ الأُصولِ:
تركْتُ هَوَى لَيْلَى وَسُعْدَى بمَعْزِلِ
وعُدْتُ إلى تصحيحِ أوَّلِ مَنْزِلِ!
ونادَتْ بِيَ الأشواقُ: مَهْلًا فهذِهِ
مَنازِلُ مَنْ تَهْوَى رُوَيْــدَكَ فَانْزِلِ!
غَزلْتُ لَهُمْ غَزْلًا دَقِيقًا فَلَمْ أَجِدْ
لِغَزْلِيَ نسَّاجًا فكسَّرْتُ مِغْزَلي!
رضي الله عن حجة الإسلام الإمام الغزالي، ونفعنا بذكره، ولا حرمنا من بركاته .. آمين.
اللهم إن أحيا غيرنا ذكر الفاسدين؛ فأحيي بنا ذكر الصالحين.