استوقفتني ظاهرة ممقوتة بغيضة وهي ذكر محاسن الرجال بعد موتهم و( مصمصة الشفاه ) علي فراقهم وفقدهم.
يا سادة يا كرام ، إكرام الرجال وبخاصة العلماء منهم و إنزالهم منازلهم في حياتهم وبعد موتهم واجب شرعي قبل أن يكون عرفا.
والله لا أدري لماذا هذه الظاهرة ، أكان ذلك ضنَّا بالاعتراف بفضل أهل الفضل ، أم حسدا لمنازلهم ، أم خوفا من إلصاق تهمة النفاق بالمادح إن كان الممدوح ذا منصب ،أم ماذا ؟!!!
إن إكرام المتميز وبخاصة إن كان من أهل العلم والاعتراف بفضله لهو تشجيع له علي الاستزادة ، وإغراء غيره بتميزه.
فمما جاء في باب إكرام العلماء وأهل الفضل عن السلف ما جاء عن أبي الحسن بن العطار قال: رأيت أحمد بن حنبل يأخذ لداود بن عمرو بالركاب، تواضعاً وتأدبًا معه وإكراماً وإجلالاً.
وغير ذلك كثير علي الحصر .
هل أصبح ميزان التكريم ،وذكر محاسن الرجال وآثارهم في عالمنا الآن ملتصقا بكلمة (رحمه الله)؟ وكأنَّ من شروط التكريم - غير المعلنة- غياب المُكرَّم، لا أعرف مجتمعاً تخصص في تكريم الأموات دون غيرهم مثل المجتمع العربي، فهل نحن لا نثق بالأحياء قبل الموت؟ أم أن (اللستة) العربية مليئة بالأموات رحمهم الله، هكذا لن يصل الدور للمُبدع الحي إلا وقد ودع الدنيا، من أشهر الكلمات التي قالها وزير سابق قبل وفاته (الحمد لله إن أنا اتكرمت وأنا لسه عايش.. عشان أفرح بالتكريم وأنا في وسط الناس) ذلك الوزير لا يتحدث عن نفسه بقدر ما يعكس حالة مجتمعية يشعر بها كل المبدعين والمتميزين الأحياء ممَّن يستحقون التكريم في مجتمعاتنا العربية.
فالتكريم قيمة إنسانية تدل على وفاء المجتمع ورقيه، بدليل أن العالم المُتقدم منشغل بتكريم رواده ليشكلوا نماذج وقدوات لأجيال تقاسمهم حياة الإبداع، علمياً يُقال عندما تكرم مبدعاً تصنع في المجتمع مُبدعاً آخر، لأن التكريم حالة من (التحريض الإيجابي) على الإبداع والبذل والعطاء والتفاني.
ينبغي أن ننتبه جميعاً - كل في موقعه -إلي هذه اللفتة الطيبة التي لها أثر كبير ومردود إيجابي علي الفرد و المجتمع
نسأل الله التوفيق والسداد