ads
الجمعة 22 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

أستاذنا الدكتور احمد شاهين نموذج للعالم والداعية الأزهري الرشيد، وهو أستاذي في الجامعة درس لي مادتي الدعوة ومقارنة الأديان في كلية أصول الدين. 
فكان دوما على عهدته سوي النفس رحيب الأفق، متسع الصدر، لا يضيق أبدا بحواري حينما أختلف معه في بعض الأمور وأباينه في بعض الرؤى.
واختلافي معه لا ينبع من وقاحة تلميذ يخيل إليه أنه يناطح أعلامه، أو يظن نفسه ترقى لبعض ما استوت عليه عقولهم، وإنما ينبع هذا الخلاف من تلك الروح المثالية والتواضع الجم الذي تحلت به نفس الأستاذ وطبعت عليه وسمح به.
بل هناك عجيبة أكثر من هذا وهو أنني أجده دوما في حوارنا، يجنح إلى تلك المواطن التي ربما يعلم أنني سأختلف معه فيها، فلا أعلم هل يفعلها حتى يختبرني في طريقة الاختلاف معه، أم أنه يفعلها حتى يؤكد لنفسه أنه على هذا الخلق القويم من التبسط والتواضع وسماحة الذات، والذي يضرب فيه المثل الأوفى للعالم والداعية الجليل الذي تشبع بالصفاء أمام طلب الحق، فلا يسمح أن تأخذه العزة بالاثم، أو يقفز إلى ذهنه وقت الحوار أنه الأستاذ وأنا التلميذ، وأنه المعلم وأنا المتعلم.. فلله دره من مثال رائق يشرف به الأزهر، ويعتز بأمثاله من علماء تجملوا بالخلق الرفيع.
وحينما يقدم لنا الدكتور شاهين هذا السمو، يجبرنا بحسن ما قدم أن ننظر إلى الصورة المقابلة لعلماء أكاديميين وربما للأسف أزهريين يعدون مجرد النقاش معهم من تلامذتهم سوء أدب وتطاول، ناهيك عن الاعتراض عليهم ومخالفتهم.
بل ألمح فيه ومعه ما هو أعجب وأعجب، فإنه يتعمد أن يصدر إلى نفسي إحساسا بأنه السائل الذي يريد يتعلم ويعرف الجديد، نعم يصدر هذا الإحساس بصورة واضحة وناجحة، وأعرف بيقين أن الدافع إليه خلقه الرفيع، كما أنني حينما تأخذني الحماسة فأعترض عليه وهو يتكلم، إذا به يصمت ويتيح لي الحديث، ويرضى أن أقطع حديثه ليسمع ما لدي، وتلك مزية لا أراها في غيره، ولا يضارعه فيها سواه، حتى يتركني وأنا شاعر بخجل كبير وحرج باهظ.
الدكتور شاهين لا يتضجر أبدا إن أقدمت حتى على نقده أو نقد فكرته، وفي كثير من أحواله إذا استخبأ عليه أمر يسارع أن يستفسر عنه، حتى يبني أحكامه على صحة وإجاده، ومن شمائله إذا لمح فيك بما يشي بعيبك، يسوقه لك بطريقة تجمع بين اللين والصراحة، ولا يحرمك أن تدافع عن نفسك وتجد المبرر، وتلك أخلاق القادة، وطبائع المصلحين.
الدكتور أحمد شاهين يعيد أخلاق الإمام محمد زاهد الكوثري علامة زمانه ومحقق عصره، والذي أنشأ مدرسته وخرج فيها تلامذة حاذوا السبق والعلا في تحقيق التراث، وكان يفسح لهم الميدان أن يختلفوا معه، ويردوه أو يعترضوا عليه، ولا يضيق بذلك أبدا رغم فارق العلم والانجاز بينه وبينهم، بل كان لا يرى حرجا من نشر خلاف تلاميذه معه واعتراضهم عليه، لأنه رجل لم يكن يقدس إلا الحق وحده، وكان يعلم طلابه أن يكون ولاءهم لهذا الحق، وإن كان في هذا مخالفته هو نفسه، وقد قيل: إن هذا من أعظم مآثره.
كان رحمه الله قد الف كتابه (تأنيب الخطيب)، فانتقده أحدهم ورد عليه، فكتب كتابا آخر تحت عنوان (الترحيب بنقد التأنيب).
وقد صرح الإمام الكوثرى في غير موضع بقبوله للنقد شريطة أن يكون قائمًا على الحجة وليس عن اتباعا للهوى، ومن ذلك قوله " فمن يشتبه في شيء مما سطرناه، فله أن يرد بالحجة ما ذكرناه، بل نرحب بذلك كل ترحيب، خاضعين لحكم الدليل القائم، وأما من يتجنى على مدلولات الألفاظ ونصوص النقول الماثلة أمامه، ويقول لنا مالم نقله، فإنما يكون مقرا بضيق أفق اطلاعه."
وكان يسره كذلك أن يتعقبه العلماء في طرحه وتصنيفه، وقد ظل يذكر السيد أحمد رافع الطهطاوي بخير دائما، مع أنه قد رد عليه في كتابه ذيول طبقات الحفظ.. وما هذا إلا لطهارة نفسه من الأنا والكبر والإعجاب بالنفس.
فما أحوج العلم وأهله إلى هذه النفوس الرفيعة.

تم نسخ الرابط