الأربعاء 03 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

حاول هذا المقال أن يورد أبرز ما قيل عن أصل   العرب .
أولا :هل اليمن أصل العرب؟
من حيث النَسَب والموطِن الأصلي، لا يُمكِن القول : إن اليمن أصل العرب هكذا مطلقا بلا تفصيل، حيث يُردد كثير من أبناء الوطن العربي عبارة اليمن أصل العرب عن قناعةٍ تامة، لكن ما مدى صِحة هذه العبارة؟و هل اليمن أصل العرب فعلًا؟ وهل هُناك معايير علمية يُمكن الاستناد إليها لتقديم إجابة عن هذه الأسئلة؟ وإن لم يكن اليمن أصل العرب، فمن  أصل العرب إذن؟

ثانياً: من هُم العرب؟

كلمة العرب هي اسم جنس من البشر، تُطلق في الوقت الحالي على عُموم سُكان  الدول العربية .
وتُعتبر اللغة العربية من أهم السِّمات الجامعة المُميِزة لهذه الشعوب، حتى وإن لم تكن اللغة العربية الفصحى هي اللغة المَحْكيّة في الحياة اليومية لهذا الجنس من البشر. 
وفي مُعجم لِسان العرب لابن منظور: كُل من سَكَن بلاد العرب وجزيرتها أي شبه الجزيرة العربية وتحدّث اللغة العربية هو عربي.
كما يُمكن تعريف العرب استنادًا إلى فرعين مُختلفين من العلوم وهما عِلم الأنساب الجيني وعلم الأنساب التقليدي على النحو التالي:

فالعرب بِحَسب علم الأنساب الجيني: وعلم الأنساب الجيني هذا  هو العلم الذي يُعنى ببحث أنساب الأفراد وتتبع شجرة العائلة الخاصة بهم بناءً على تحليل الحمض النووي (DNA) الخاص بهم، حيث اكتشف الباحثون من خلال فحوصات الحمض النووي أن لِكُل عرق من البشر بصمة وراثية مميزة، تتواجد بكثرة في أفراد هذا العرق والذين يسكنون في منطقة مُعينة من العالم، وبِحسب علم الأنساب الجيني هذا، هُناك بصمة وراثية مميزة للعرب تم تسميتها بالمجموعة (J1)، وهي البصمة الأكثر انتشارًا لدى الشعوب العربية، والتي تتجاوز نسبة تواجدها في الحمض النووي للعرب ٤٠%.

وبِحسب عِلم الأنساب التقليدي:  - وهو المعرفة بأنساب الشعوب والقبائل وفُخوذها وبُطونها وعشائرها، وغيرها من التفرّعات والتقسيمات التي تنقسم إليها كل قبيلة، بالإضافة إلى أصل كل قبيلة وإلى من تنتسب، ويُقال للعالم بالأنساب نسّابة، ومما يُروى أن الصحابي الجليل أبو بكر الصديق كان نسّابة، أي مُلمًّا بعلم الأنساب -  وبحسب هذا العلم فإن جميع العرب يرجعون إلى سام بن نوح - عليه السلام-، وقد كانت الجزيرة العربية هي الموطن الأصلي للعرب.

ثالثا: من  أول من تحدث بالعربية؟

هُناك العديد من الأقوال حول أول من تحدّث باللغة العربية، وقد أورد المُؤرخ ابن كثير عددا من هذه الأقوال في المُجلد الأول من كتابه البداية والنهاية، بعد أن ذكر نَسب النبي هود -عليه السلام-، فَذكر أن أول من نطق بالعربية هو النبي هود، وقيل إن والد النبي هود هو أول من تكلم العربية، وفي أقوال أخرى أن أول من تكلم العربية هو آدم عليه السلام، وقيل النبي نوح -عليه السلام-.

وجاء في تفسير القرطبي “ج 1 ص 283” قوله: واختُلف في أوّل من تكلَّم باللسان العربي، فرُوِيَ عن كعب الأحبار أن أولَ من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها وتكلّم بالألسنة كلها آدم عليه السلام، وقاله غير كعب الأحبار.
فإن قيل: قد رُوِيَ عن كعب الأحبار من وجه حسن قال: أولُ من تكلَّم بالعربيّة جبريل عليه السلام ، وهو الذي ألقاها على لسان نوح ـ عليه السلام ـ وألقاها نوح على لسان ابنه سام. ورواه ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن كعب، وروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنّه قال” أولُ مَن فتقَ لسانه بالعربيّة المبينة إسماعيل وهو ابن عشر سنين” وقد روى أيضا: أن أول من تكلَّم بالعربية يَعْرُب بن قحطان، وقد رُوِيَ غير ذلك.
وقيل : الصحيح أن أولَ من تكلَّم اللغات كلها من البشر آدم- عليه السلام-، والقرآن يشهد له، قال الله تعالى: (وعَلَّم آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها) واللّغات كلها أسماء، فهي داخلة تحته، وبهذا جاءت السُّنّة، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : “وعلّم آدمَ الأسماء كلّها حتّى القَصعةَ والقُصيعةَ” وما ذكروه يحتمل أن يكون المُراد به أولَ مَن تكلّم العربيّة من ولد إبراهيم ـ عليه السلام ـ وإسماعيل ـ عليه السلام ـ وكذلك إن صحّ ما سواه فإنّه يكون محمولاً على أن المذكور أول من تكلّم من قبيلته بالعربيّة، بدليل ما ذكر، والله أعلم، وكذلك جبريل أول من تكلم بها من الملائكة وألقاها على لسان نوح بعد أن علَّمها الله آدم، أو جبريل على ما تقدَّم ،والله أعلم.
وإذا كان القرطبي يرجِّح أن أول من تكلم بالعربية هو آدم، فقد ذكر أنه قال الشِّعر العربي الموزون، فنقل عن الثعلبي أنه قال عندما تغيرت الأحوال بسبب قتل قابيل لهابيل.
تَغَيَّرَتِ البِلادُ ومَنْ عَلَيْهَا
                        فَوَجْهُ الأرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي طَعْمٍ ولَوْنٍ
                      وقَلَّ بَشاشةَ الوجْهُ المَليحُ
ثم قال : قال القُشيري وغيره قال ابن عباس: ما قال آدم الشعر، وإن محمّدًا والأنبياء لهم في النهي عن الشعر سواء، لكن لما قُتِل هابيل رَثاه آدم وهو سرياني فهي مرثيّة بلسان السريانيّة أوصى بها إلى ابنه شيث وقال: إّنك وَصيّي فاحفظ مني هذا الكلام ليُتَوارَث ، فحفظت منه إلى زمان يعرُب بن قحطان، فترجَم عنه يعرب وجعله شعرًا. 
وفي التعليق على تفسير القرطبي ، قال الآلوسي: ذكر بعض علماء العربيّة أنه في ذلك الشعر لحنًا، أو إقواء، أو ارتكاب ضرورة. والأولى عدم نِسبته إلى يَعْرُب - أيضا-؛ لما فيه من الرّكاكة الظاهرة، وقال أبو حيّان في “البحر” : ويُروى بنصب “بشاشة” من غير تنوين على التمييز، ورفع “الوجه المليح” وليس بلَحن.
هذا ما قاله العلماء، وليس فيه نص صحيح، إنما هو نقل غير مسنَد، واجتهاد واستنباط، وذلك لا يوصل إلى حقيقة.
إلا أنه يُمكن القول إن الخلاف الكبير حول أول من تحدث بالعربية يخص العربية القديمة وليست العربية الفُصحى. حيث إن العربية الفُصحى وهي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، تُنسَب في كثير من المصادر إلى النبي إسماعيل عليه السلام، وقد كانت هُناك قبائل عربية تتحدث بلغة عربية قديمة، أقدم من العربية الفصحى التي نزل بها القرآن، ومن بينها قبيلة جُرْهُم التي استقرّت في مكة المُكرّمة، وتزوّج منهم النبي إسماعيل عليه السلام، وتعلّم منهم العربية التي كانوا يتحدّثونها، لكنه نطق بالعربية بشكل أكثر فصاحةً وبيانًا.

رابعا: ما قيل في أصل العرب من حيثُ النّسب:

بعد البحث في مسألة أصل العرب من حيث النسب، كان كثير من عُلماء الأنساب والمُؤرخين  على تقسيم العرب عِدة تقسيمات، ويُمكن القول : إن هذه التقسيمات صحيحة وموثوقة ؛ لأن العُلماء المتأخرين أقروا بِصحتها، وقاموا بنقلها في مؤلّفاتهم دون تعديلها، وفيما يلي تقسيم العرب من حيث الأقدمية والنسب:

١-العرب البائدة: وهي القبائل العربية القديمة، التي كانت تتحدث باللغة العربية القديمة، وليس العربية الفُصحى التي استحدثها أو نطق بها النبي إسماعيل -عليه السلام-، وسُميت بالعرب البائدة ؛ لأنهم أقوام بادوا واندثروا ،ولم يَعُد لهم وجود، ولا يوجد في الوقت الحاضر أي إنسان يرجع نَسبه إلى هذه القبائل، ومن بين هذه القبائل عاد، وثمود، وطسم، وجديس، وعمليق، وجُرهُم، وبنو عبد ضخم وغيرهم.  
٢-العرب العارِبة: وهي القبائل العربية التي تنتسب إلى قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن النبي نوح -عليه السلام-، وقد أنجب قحطان هذا عددا من الأبناء، مِنهم يَعْرب، ويَعْرب هو أحد الذين قِيل إنه أول من نطق بالعربية، وقد أنجب يَعْرب ابنه يشجب، و يشجب هذا  أنجب سبأ، ولِسبأ هذا خمسة أبناء، ينتسب إليهم جميع قبائل اليمن في وقتنا الحالي، وأبناء سبأ الخمسة الذين ترجع إليهم  قبائل اليمن هُم: حِمْيَر، وكهلان، وعمرو، وأشعر، وعاملة، ويُطلِق عُلماء الأنساب على العرب العاربة مُسمى "القحطانيون "، نِسبة إلى قحطان بن عامر المذكور أعلاه.
٣-العرب المُستعرِبة: وهي القبائل العربية التي يرجع نَسَبُها إلى النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما -الصلاة والسلام-، ومن نَسل النبي إسماعيل رجل يُدعى عدنان، وبه يُسمى عُموم العرب المُستعرِبة، فيُقال العدنانيون، ومع وجود خِلاف حول نَسَب عدنان بالتفصيل، إلاّ أن جميع عُلماء الأنساب اتفقوا علي أنه من نَسل النبي اسماعيل -عليه السلام-، وإليه يُنسب العرب المُستعرِبة وبه يتم تسميتهم.

ومن ثم  لا يُمكِن القول: إن اليمن أصل العرب هكذا مطلقا ، إذ إن العرب المُعاصرين، ينقسمون إلى العرب العاربة والعرب المُستعربة، أي القحطانيين والعدنانيين، والإجابة تختلف بالنسبة لِكُل قِسم كما يلي:

العرب العاربة: الإجابة هي نعم، اليمن أصل العرب العاربة أي القحطانيين، ويُطلق عليهم اسم العارِبة للدلالة على أنهم كانوا ينطقون العربية مُنذُ الأزل، أي أن العربية هي لُغتُهم الأُم الأصلية، ولم يكتسبونها من قومٍ آخرين، وقد كان موطنهم الأصلي في اليمن بالفعل.
والعرب المُستعرِبة: الإجابة هي لا، حيث لا يُمكن القول: إن اليمن أصل العرب المُستعرِبة أي العدنانيين، على الأقل ليس من حيث النَسب والموطن الأصلي؛ وذلك لأن العدنانيين يرجع نَسَبُهم إلى النبي إسماعيل -عليه السلام-، الذي لم يَكُن يتحدث العربية في أول حياته، وإنما كان يتحدّث لُغة والده النبي إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، ثُم تعلّم العربية من قبيلة جُرهم التي استقرّت في مكة وتزوج النبي اسماعيل مِنهم، كما أن العدنانيين كان موطِنُهم الأصلي في مكة المُكرمة وليس اليمن.

ومع  ذلك، فقد أقرّ الدكتور جواد علي في كِتابه "المُفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" الرأي القائل بأن اليمن أصل العرب، وذلك لأن اليمن هو الموطن الأصلي للقحطانيين، وهُم العرب العارِبة الناطِقون باللغة العربية أصلًا. كما أنه من الجدير بالذكر أن أحد المراجع في علم الأنساب، يذكر أن اليمن أصل قبيلة جُرهم، وهي القبيلة التي اكتسب العرب المُستعرِبة منها اللغة العربية، بداية بجدّهم النبي إسماعيل - عليه السلام-.
نسأل الله أن يجمع العرب علي كلمة سواء

تم نسخ الرابط