ads
الأحد 22 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

يتزوج الرجال والنساء ويريد كلاهما إنجاب أطفال يشبهن ؛ يريد بعض الرجال خلق الصورة التي يريدها ويحلم بها في ابنه وتريد النساء أيضاً في خلق نسخة شبيهة لها في ابنتها ؛ ولا يعلم كلاهما أن الأطفال أبناء الحياة ليس معنى انجابهم لهم أن يتحكموا بهم ؛ أو خلق شخصية لهم كما يريدون فهم ليسوا صلصال يتشكل كما يريدون بل هم روح لهم شخصيتهم المستقلة وطباعهم التي تتشكل عبر الحياة ؛ فخلال عمل احصائيات للعديد من الشباب وجدت أن أغلبهم يعانوا من عقد نفسية منذ الطفولة والسبب فيها آبائهم! ولا يستطيع الزمن محوها ! ولا يعلم الكثير من الآباء أن الزواج منفصل عن الإنجاب ؛ فالانجاب لمن هو آهل له ومستعد نفسيا للتعامل مع روح متمثلة في طفل ؛ فالبعض لا يجيد التعامل مع الاطفال ويعتبر أن الإنجاب واجب وطني والبعض يتعامل مع الإنجاب على أنه عزوة ويريد من يحمل اسمه وهذه عادات وتقاليد خاطئة اكتسبها جيل عقب جيل بلا وعي أو فكر ؛ فمهما سعى الآباء إلى زرع شخصية لأطفالهم لن ولم يستطيعوا فالطفل تتشكل شخصية عبر مراحل حياته وتتشكل من تلقاء نفسه ومعظم من نجحوا وتركوا بصمة في الحياة واجهوا الحياة بمفردهم وتشكلت طباعهم وشخصياتهم من خلال أحداث الحياة ومن خلال مساعدة نفسه في تغيير طباعه التي يعتقد أنها سيئة ويعمل على نفسه في تطويرها ومعظم من أثبتوا فشلهم في الحياة وفشلهم في تحقيق أهدافهم وتدمرت شخصيتهم كان ورائهم آباء زرعوا فيهم عقد نفسية وساهموا في تدمير حياتهم ؛ كما أن بعض الآباء يستخدمن سلاح عقوق الوالدين ولا يعلموا أن هناك ما يسمى بعقوق الآباء! جاء رجلاً إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد، ليؤنبه على عقوقه لأبيه ونسيانه حقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوقٌ على أبيه؟ قال بلى، قال فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمَّه ويحسن اسمَـه ويعلمه الكتاب، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئًا من ذلك؛ أمّا أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعَلاً ـ أي خنفساء، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحــداً، فالتفت عمر إلى الرجل و قال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقـــك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك!
تعلمنا منذ الصغر، بر الوالدين وحدثنا القرآن الكريم عن عقوق الوالدين ولكن أين حق الأبناء الذي هو في القرآن أيضًا؟
فالله "سبحانه وتعالى" قال: "يوصيكم الله في أولادكم" ؛ فهذه آية واضحة وصريحة في مراعاة الآباء لأولادهم ؛ فالدعم النفسي من الآباء له تأثير على الأبناء ؛ فمن لديهم ابنة ليست جميلة، ودائما تسمع منهم كلمات تؤذي النفس! هذه الابنة التي تخشى عليها الأم بأن تصبح "عانس" وتزوجها رغمًا عنها لتدفع الابنة الثمن بأن تعيش طيلة حياتها في جحيم!.وهذه الام التي تجاوزت ابنتها مرحلة الزواج، فتبدأ بمعاملتها معاملة سيئة وكأنها يجب ان تموت خوفًا من العار، ولا تعلم الأم أنها ترتكب ذنبًا باعتراضها خلق الله!.
هناك العديد من الأبناء مظلومون من والديهم، وهناك من لا يستطيع التحدث خوفًا من عقوق الوالدين ودائمًا الآباء يسترشدون بالدين عندما يصدر من أحد الأبناء شكوى أو ضيق نفس من سوء المعاملة،  دائمًا ما يحدوثنا عن عقوق الوالدين، ولكن لم يتحدثوا قط عن عقوق الأبناء، وكأن الأبناء أصبحوا حيوانات لا تشعر، وكأن الأبناء جمادات لا تشعر بالإساءة والمهانة؛ من يدفع ثمن تلك الجريمة التي تنشيء جيلًا معقدًا نفسيًا! وكأن الأبناء يدفعون ثمن عدم إيمان آبائهم!.
فسبب ما يحدث هو نقص الدين وعدم فهمه، وعدم اتباع القرآن الكريم والسنة، فالكثير من الأبناء يشتكون من عدم حث أبنائهم على الصلاة والدين، بل بالعكس يحثونهم على العري، وسمعت قصصًا كثيرة عن ذلك وشاهدت نماذج أمامي من الواقع كذلك، فشاهدت الأم التي تترك ابنتها تدخن شيشية وسجائر على سبيل أنها لارج وبنت ناس!
وهذا الابن الذي يشرب المخدارات هروبًا من حياته بسبب إهمال أبويه له، وشاهدت قصصًا كثيرة تدعو للحزن، فالعديد من الآباء فاهمين أن الحياة الحرة الكريمة التي يمنحونها لأبنائهم تتمثل في الأكل والشرب والعربية والمنزل، لكن لا يعلمون أن الأبناء بحاجة إلى حنان وعطف، يحتاجون من يأخذ بإيديهم لبر الأمان، محتاجين من ينصحهم نصيحة أمينة حتى لا يلجأون إلى أصدقاء السوء، تذكرت حديث سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام (يأتي زمان على أمتي القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار)، وأعتقد أننا بصدد هذا الزمان الذي غابت عنه الأئمة، ولم يناقشوا المسائل التي تؤرق مجتمعنا، بل تؤثر على الدولة بأكملها، فما ينتج عن عقوق الآباء للأبناء جيل معقد نفسيًا وينتقل التعقيد من جيل لجيل، ثم نتساءل بعد ذلك لما يبدو البعض معقدين؟!

تم نسخ الرابط