لي صديق يمتلك محلاً في محطة الرمل في ممر بين عمارتين كبيرتين، كله محلات وورش، يحصل أصحاب هذه المحلات على الإجازة الأسبوعية يوم الأحد(1) ولأن صديقي هذا لا يستطيع البقاء في البيت مع زوجته طوال اليوم؛ وإلا تشاجر معها وحدثت بينهما مشاكل كثيرة جدا، فكان يأتي إلى بيتي ويقضي الوقت معي، فزوجتي تذهب في هذا اليوم إلى بيت والدها الذي أعتاد أن يجمع ابناءه وبناته في يوم أجازته الأحد.
يقف صديقي معي في المطبخ، فنعد طعام الغداء معا، ونجلس أمام التليفزيون، ونعد المشروبات.
هذه الأوقات هي أسعد أوقات حياتي. فأتنقل في شقتي بحرية، وافتح من النوافذ ما أشاء. وعرف أصحابي أنني أقضي يوم الأحد وحدي في البيت فكانوا يفضلون مقابلتي في هذا اليوم. نجتمع ليحكي كل منا ما يعانيه من زوجته. فالبيت يخلو من صنف الحريم، فنتحدث بصوت مرتفع، ونقول ما نشاء، فأحدنا تهدده زوجته بأنها ستخلعه، لكنها تنتظر أن تتزوج ابنتهما الوحيدة، وآخر تطالبه زوجته بالنقود الكثيرة، ولا يعرف أين يذهب راتبها، ويشك في أنها تخفيه عنه لدي أسرتها.
ندهش مما يحدث في هذه الأيام من تصاعد دور المرأة في المجتمع، فقد قال السيناريست مصطفى محرم إنه بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل "عائلة الحاج متولي"، والذي عُرض خلال موسم رمضان2001، بدأ في التحضير للجزء الثاني من المسلسل، ليتم عرضه في موسم رمضان 2002، ولكنه فوجئ بصفوت الشريف يمنعه من استكمال هذا ويهدده بعدم عرضه على الفضائيات إذا نفذ هذه الفكرة، لأن المسلسل لم ينل رضا وإعجاب سيدة مصر الأولى سوزان مبارك آنذاك، وهو ما جعل محرم يتغاضى عن فكرة عمل جزء ثانٍ للمسلسل إجباريا.
ويحكون إن المجلس القومي للمرأة قد أرسل مذكرة احتجاج إلى رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، لأن التليفزيون عرض مسلسل الحاج متولي الذي يدعو إلى تعدد الزوجات؛ وجعل المهمة سهلة وجميلة أمام الرجال، مما شجع الكثيرين إلى الزواج مرات أخرى، وكان سببا في أن هدد الكثير من الرجال؛ زوجاتهم بأنهم سيتزوجون ثانية وربما ثالثة ورابعة مثلما فعل الحاج متولي.
ويقولون أيضا " إن التليفزيون قد أجاب بأنه قد أدرك خطورة ما حدث، وسوف يصحح المسار الخاطئ بعرض مسلسل تليفزيوني كبير عن قاسم أمين منقذ المرأة ومحررها، وهم يبحثون الآن عن أفضل الكُتاب لكتابة هذا المسلسل، وتم الاتفاق على محمد السيد عيد ".
إنني أكتب هذه الكلمات وأنا خائف من سلطة المجلس القومي للمرأة التي تتزايد وقد تصل إلى حد سن القوانين لمعاقبة كل من تسول له نفسه التعرض للمرأة، فالذي يدعو إلى عودة المرأة إلى البيت يعاقب بكذا سنة سجن، أو الذي يدعو إلى تعدد الزوجات يعاقب بكذا سنة سجن، كما يحدث لمن يرفض الاعتراف بمحارق النازي لليهود.
أو أن تعرض في الشوارع أرقام التليفونات الساخنة التي تلجأ إليها الزوجة التي تحس أن زوجها قد اساء إليها أو سبها أو حمَّلها فوق طاقتها، حتى لو كان هذا في أداء الواجب الزوجي المعتاد.
وقد شكا أحد المتعاملين مع الإذاعة بالقاهرة بأن معظم الإذاعات تسيطر عليها النساء، ولاحظت ولاحظ معي المتعاملون مع أجهزة الثقافة بالإسكندرية بأن مديري القصور ومدير المديرية ورئيس القطاع كلهم من النساء، وظل هذا الوضع سائدا لسنوات كثيرة جدا. فكتبتُ:
هناك مسلمات لا نقاش فيها؛ فوزير الصحة ومديرو المستشفيات لابد أن يكونوا من الأطباء، ووزير العدل لابد أن يكون قانونيا، ومديرو قصور الثقافة والمديرية ورؤساء الثقافة في الإسكندرية لابد أن يكونوا من النساء. وقد أدرك الأستاذ " فلان الفلاني " الموظف بالثقافة وقتذاك؛ أنه لو ظل في الإسكندرية إلى أن يحال إلى المعاش؛ لن يحصل على هذا المنصب وستحصل عليه زميلة من زميلاته؛ ولو كانت أقل منه في الخبرة ومدة العمل. فهو يرى ما تفعله السيدات لكي يحصلن على هذا المنصب، فواحدة جمعت النقود من موظفي الثقافة الغلابة لكي تشتري سلسلة مفاتيح ذهبية للسيد رئيس الهيئة – الموجود وقتذاك – وأخرى – أهدته فستان زفاف ابنته، كما أن المبلغ المخصص للثقافة من محافظة الإسكندرية تنفقنه على سيادته ومن يحضر معه. حتى اضطر المحافظ الموجود في ذلك الوقت أن يلغي هذا الدعم، ولم تسترده الثقافة ثانية إلا في وقت اللواء عبد السلام المحجوب.
بحث فلان الفلاني عن طريقة تجعله يحوز بهذا المنصب الثقافي الرئاسي المهم؛ فتقدم لشغل وظيفة مدير الجمعيات الثقافية التابع للوزارة في القاهرة؛ ليكون قريبا من صنّاع القرار؛ فيختارونه إذا خلا منصب رئاسي في الإسكندرية، وبالفعل نال الأستاذ " فلان الفلاني " المنصب وأصبح رئيسا للقطاع، وللأسف لم يبق في منصبه هذا – رغم تحمله للمشاق، وبعده عن أسرته – سوى شهورا قليلة. وكان المفروض أن يقدروا تضحياته ويجددوا له ولو سنة واحدة.
والنساء في بلادنا يحصلن على مزايا لا يستطيع الرجل أن يحصل عليها، حتى قبل إنشاء المجلس القومي للمرأة. فزميلاتنا في العمل يحصلن على مبالغ أكثر من الرجال الذين يسوونهن في الوظيفة والمدة ونوع العمل، فالتكوين الفسيولوجي للمرأة يجعلها مميزة، فقلما تجد مديرا مصريا لا ينحاز للمرأة التي تعمل في إدارته، فحتى إن كان رجلا مستقيما ولا يقرب الزنا، فيكفيه أن يرى وجهها الجميل ويسمع صوتها العذب، ويشم رائحة عطرها الذي سيعبق حجرته إلى أن يعود إلى بيته.
وفي مجال الأدب، يفضلون نشر قصص أو أشعار أو مقالات النساء. وقد كتب زميلنا " محمد عباس علي " في شهادته في مؤتمر إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي، فقال يحكي عن نشر أول قصة له في مجلة إبداع، فقد أرسل إليهم دون جدوى، فهمس أحدهم في أذنه:
إنهم يهتمون بالجنس اللطيف أكثر.
فما كان منه إلا أن استعار اسم ابنة عمه ( حنان فتح الله) وأرسل قصته باسمها، وفوجئ بنشر القصة في عدد يناير 1987 (2).
فرؤساء التحرير يرون أن نشر قصص أو أشعار أو مقالات النساء يطري المجلة، ويجلب البهجة لقرائها، ويجعل الجو معطرا ومنعشا. وأعرف واحدا كان في حاجة ملحة إلى المال، فاشترك في مسابقة في بلد عربي غني، تشترط أن يتقدم إليها بقصة واحدة، فأرسل قصتين من تأليفه واحدة باسمه والأخرى باسم زوجته، وفازت المرسلة باسم زوجته.
الغريب في الأمر أن تخصص اللجنة المشرفة على القراءة للجميع ( مكتبة الأسرة ) سلسلة لأدب المرأة. والكتاب الرجال، خاصة الذين يعيشون بعيدا عن القاهرة، والذين لا يسأل عنهم أحد؛ ماذا يفعلون؟!
لذا أدعو مسئول كبير له شأن يتولى تكوين المجلس القومي للرجل، فحتما سيتمكن هذا المجلس من رد حقوقنا السليبة، وستكون لنا سلسلة خاصة بإبداع الرجل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) أسر كثيرة في الإسكندرية؛ مازالت تحتفل بيوم الأحد، وذلك لأن الكثير من الأوربيين كانوا يعيشون في الإسكندرية، وكانت إجازتهم في يوم الأحد، والآلاف من سكان الإسكندرية كانوا يعملون عندهم ومعهم.
(2) كتاب أبحاث المؤتمر الأدبي العاشر لإقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي صـ 339