الأربعاء 03 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

يروي عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ : قُلْتُ : يَارَسُولَ اللهِ ، مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ.  وفي رواية:  "أَمْسِكْ عليك لِسَانَكَ" 
أخرجه الإمام أحمد والترمذي.
(معني الرويبضة: الرجل التافه الذي يتكلم في أمور العامة)
الدُّنيا دارُ ابتِلاءاتٍ ومِحَنٍ، والحَصيفُ مَن تَحرَّز لنَفسِه ولدِينِه؛ حتَّى لا يقَعَ في الفِتَنِ، ولِيَنجُوَ مِنها، وقد علَّمَنا النَّبيُّ -صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم- سُبلَ النَّجاةِ مِن هذه الفتنِ.
"وكان الصَّحابةُ -رضِيَ اللهُ عَنهم - يَحرِصون حِرصًا شَديدًا على النَّجاةِ في الدُّنيا والآخِرةِ؛ فكانوا يَسأَلون النَّبيَّ- صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم- عن أسبابِ النَّجاةِ والفَلاحِ في الدُّنيا والآخِرَةِ، وكان النَّبيُّ - صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم -يُرشِدُهم ويَدُلُّهم إلى طريقِ الخيرِ والنَّجاةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عُقبةُ بنُ عامرٍ- رضِيَ اللهُ عَنه- : "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما النَّجاةُ.؟ "قال"، أي: النَّبيُّ - صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم- : "أمسِكْ عليك لِسانَك"، أي: كُفَّ لِسانَك واحْبِسْه واحْفَظْه عن قولِ كلِّ شرٍّ، ولا تَنطِقْ إلَّا بخيرٍ، وقد قال اللهُ - تعالى -: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]؛ وذلك لِما للِّسانِ مِن خُطورةٍ، وفي صحيحِ البخاريِّ: "إنَّ العبدَ ليَتكلَّمُ بالكلمةِ مِن سَخطِ اللهِ لا يُلْقي لها بالًا يَهوي بِها في جهَنَّمَ"، وقد يَخرُجُ الإنسانُ مِن الدِّينِ بكَلمةٍ وهو لا يَدْري.
"وَلْيَسَعْك بيتُك"، أي: لِيَكُنْ في بيتِك سَعَتُك والْزَمْ بيتَك لِتَعبُدَ اللهَ في الخَلَواتِ، واشتَغِلْ بطاعةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، واعتَزِلْ في بَيتِك عن الفِتَنِ، ‏وقيل في مَعْناه: ارْضَ بما قسَم اللهُ لك مِن الزَّوجةِ والولَدِ والرِّزقِ والسَّكنِ، وغَيرِ ذلك مِن مَتاعِ الدُّنيا، وانظُرْ إلى مَن هو أعلى مِنك في أمرِ الدِّينِ، وإلى مَن هو أدنى مِنك في أمرِ الدُّنيا؛ لئلَّا تَزدَرِيَ نعمةَ اللهِ عليك، فهذا أسلَمُ لك.
"وابْكِ على خَطيئتِك"، أي: واندَمْ على ما ارتكَبتَ مِن ذنوبٍ، وابكِ بكاءً حقيقيًّا؛ تصديقًا لتوبتِك وإنابتِك، ثمَّ اشتَغِلْ بإصلاحِ نفسِك وتَهذيبِها.
وفي الحديثِ: بيانُ أسبابِ النَّجاةِ والفلاحِ في الدُّنيا والآخرةِ".
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: إذا أصبح ابنُ آدمَ فإنَّ أعضاءَه تُكَفِّرُ اللسانَ؛ تقول: اتقِ اللهَ فينا؛ فإنكَ إنِ استقمتَ استقمنا، وإنِ اعوججتَ اعوججنا.
ويقول الإمام الشافعي - رحمه الله-:
قالوا سَكَتَّ وَقَد خُوصِمتَ قُلتُ لَهُم
                          إِنَّ الجَوابَ لِبابِ الشَرِّ مِفتاحُ
والصمَّتُ عَن جاهِلٍ أَو أَحمَقٍ شَرَفٌ
                   وَفيهِ أَيضاً لِصَونِ العِرضِ إِصلاحُ
أَما تَرى الأُسدَ تُخشى وَهِيَ صامِتَةٌ
                   وَالكَلبُ يخسى لَعَمري وَهوَ نَبّاحُ

وقال نبي الله عيسى -عليه السلام - : العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت وجزء في الفرار من الناس ، وقيل للقمان الحكيم :اذبح هذه الشاة وأطعمنا أطيب ما فيها فجاء بقلبها ولسانها ثم قيل له: اذبح شاة وأطعمنا أخبث ما فيها فجاء بقلبها ولسانها ،فسئل عن ذلك فقال ليس في الجسد مضغتان أخبث منهما إذا خبثا ولا أطيب منهما إذا طابا .
ولله در القائل:
اِحفَظ لِسانَكَ أَيُّها الإِنسانُ
                                  لا يَلدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعبانُ
كَم في المَقابِرِ مِن قَتيلِ لِسانِهِ
                           كانَت تَهابُ لِقاءَهُ الأَقرانُ

نسأل الله- تعالى -أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه

تم نسخ الرابط