الجمعة 05 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

نص مذكرة الطعن بالنقض في قضية الإعلامية شيماء جمال

خلف الحدث

حصل موقع خلف الحدث على مذكرة الدفاع مع المتهم الثاني حسين الغرابلي في الطعن أمام محكمة النقض، على الحكم الصادر من محكمة جنايات الجيزة بإعدامه لقيامه بالاشتراك مع أيمن حجاج نائب رئيس مجلس الدولة السابق في قتل زوجة الأخير الإعلامية شيماء جمال. 

تضمنت المذكرة التي قدمها الدكتور إبراهيم طنطاوي و المستشار محمود طاهر والأستاذ الدكتور عادل حمزة شيبه، الحديث عن جريمة القتل المعنوي والذي ارتكبته المجني عليها قبل اقدام المتهم الأول على ارتكاب جريمته.

نحيل بشأنها إلى ما ورد بالأوراق ومذكرة أسباب الطعن فوقت عدلكم أثمن من أن نضيعه في تكرار.

وإذ يعتصم الطاعن، ويركن إلى مبادئ قضائية راسخة، أرستها محكمة النقض على مدار عقود، سراجاً منيراً، تحول بين أن يقوم قائم يعترض طريق العدالة، أو يمنع أن تجري في مجراها الصحيح، واستسمح ان أذكر نفسى في محراب عدلكم أن المسئولية الجنائية شخصية لا تحتمل الاستنابة سواء عند توقيع العقوبة أو تنفيذها وانه لا تزر وازرة وزر اخرى ، وأنه لا يمكن تكليف احد بما لا يستطاع، ولا يكلف الشخص بتوقع ما ليس متوقعاً او أن يدرأ ما لا يستطاع درؤه، وأن مشاركة شخص ما شخصاً آخر بقدر ما في واقعة آتاها، لا يعني بالضرورة اعتباره مساهماً بالكلية في الجريمة الناجمة عن هذه الواقعة بكافة أركانها وكيوفها، وأنه باستقراء الواقعة موضوع الحكم المطعون فيه، واستنطاق حقيقتها الواقعية، يتكشف موقف الطاعن الثاني/حسين محمد ابراهيم الغرابلي منها، وحقيق أن يكون مسئولا وفقط عن جريمة إخفاء جثة، لا عن القتل، الذي لم تتجه إليه إرادته ولا نيته، كل ما آراده هو المساهمة في التستر على صديقه بإخفاء جثة القتيلة، وهو نفسه من وجه وجهه تلقاء العدالة ليكشف طواعية عن خبيئة الواقعة، وليشهد على ما اقترفه صديقه تحت تأثير الخوف من المجني عليها، وتحت وطئة القهر الذي مارسته عليه، إمعاناً منها في إذلاله وإخضاعه، تحت سطوة ضعف وشهوة تملكته، وسبيل موصوف بالسوء سلكه، فألجمته به وابتزته، وأدخلت في نفسه الخوف الدائم من الافتضاح المفضي إلى ضياع سمعته ومستقبله، وهو ما أثبته الحكم ولم يدحضه أو ينفيه، ولو أن الحكم الطعين تبين الصورة الحقيقة للواقعة، لكانت هذه النتيجة هي ما سيرد بمنطوقه حكمه، وهو ما ينتفي به بل وينعدم معه نية القتل في حق الطاعن، سيما لا يقوم قائم صحيح يمكن استظهار هذه النية وذلك القصد الخاص منه على وجه صحيح، كما يبطل قالة الحكم الطعين بتوافر ظرف سبق الاصرار، ذلك لأن ما اعتمده الحكم دليلاً على قيام ذلك الظرف، هو هو الهادم الماحي لمظنة توافر ظرف سبق الإصرار بالواقعة  (العنصر النفسي)، فقد ركن الحكم إلى أن هذا الظرف توافر  بدلالة باعث الطاعن الأول من الخلاص من المجني عليها، ليتخلص من تهديدها له، وهو ما يعني أن الحكم قد أثبت قيام التهديد المتلبس بنفس الطاعن الأول، ولم يورد مبلغ أثر هذا التهديد على هدوء نفسه ورويته، وهل كان من شأن هذا التهديد أن يحول دون التفكير في عواقب الأمر بتؤده؟! أم ليس بحائل؟ وإذ أثبت الحكم الباعث الدال على أن النفس نفس يتملكها الخوف من مصير يتهددها، والخوف شعور قاهر للنفس لا ريب، أفلم يكن الخوف هو الذي أفرغ قلب أم موسى عليه السلام  حتى كادت لتبدي به لولا أن ربط الله على قلبها لتكون من المؤمنين، فما مبلغ هذا الخوف في نفس الطاعن الأول؟ ذلك ما لم يجب عليه الحكم الطعين بما ينهدم معه العماد الذي ظنه يشيد عليه توافر ظرف سبق الإصرار، وما يكشف عن أن الطاعن الأول كانت يتملكه شعور قاهر في الخلاص مما يهدده أنه لم يكتف بأن أحدث منية المجني عليها، بل كبلها وأحكم قيدها رغم كونها ميته، بما يفصح عما في نفسه تجاهها وأنها شيطانته التي يخشاها حية وميتة.

ومن جانب آخر فإن الطاعن لم يثبت في حقه فعلاً مادياً واحداً يقطع بأنه انتوى القتل أو شارك فيه، ولا يثبت ذلك لا في إقراره ولا في إقرار المحكوم ضده الأول، بل ما في الواقعة من بينات وثوابت قاطعة بأن للطاعن نفس لا تجترئ على مثل هذا الفعل، وقلب لم يستبد به الإثم المؤدي لاستمراء هذا الذنب، وأن ما تضمنه إقراره أن سبب الإبلاغ عن الجريمة هو حسب ما ورد نصاً "لأن ضميره كان يعذبه وخوفاً على أولاده.."

حتى أنه لم يحتمل رؤية وجه القتيلة، ولم يقوى في المشاركة في حملها ومواراتها، إلا من وراء حجاب يسترها عنه، ومن بعد أمر صادر له من المحكوم ضده الأول بأن يعاونه في ذلك، وكل ما يمكن إثباته في حق الطاعن أنه اتفق مع المحكوم ضده الأول على استئجار مزرعه لحساب الأخير ولصالحه، وذلك ما لا ينهض دليلاً على اتجاه إرادته نحو إزهاق روح المجني عليها، بل ما آتاه لا يؤدي بالضرورة أو بطريق مباشر إلى هذه النتيجة، والطاعن ليس هناك ما يدفعه إلى أن تقوم في نفسه، هذه النية، ولا تحت مظنة الأمل في أن يتقاضى مبلغاً مالية من المحكوم ضده الأول، لأنه وعلى فرض صحة هذه المظنة فالمقابل المالي هذا الموعود به، لا يفجر بالضرورة إرادة القتل في نفس الطاعن، وإنما كل ما هنالك يولد الرغبة في أن يتخلص صديقه الواعد مما يهدده، وذلك الخلاص لا يكون بالضرورة بالقتل، وإنما قد يتحقق بالإرغام والإكراه دون القتل، وإذ قام المحكوم ضده الأول بكل الأفعال المادية والتنفيذية المؤدية لوفاة المجني عليها، دون تدخل من الطاعن، حتى أن الصورة التي اعتنقها الحكم  لتدخل الطاعن لا يستقيم تصورها عقلاً، ومغايرة لصورة الواقعة كما ارتسمت في وجدان المحكمة، إذ صورة الواقعة كما أفصح عنها الحكم أن المحكوم ضده الاول من بعد أن اجلس المجني عليها على الكنبة، باغتها بضربات ثلاث على رأسها بمؤخرة سلاحها فأفقدها وعيها، ثم جثم عليها – ولازالت على جلستها – وأطبق الخناق عليها، بما يعني أن ظهرها مسند بكامله على ظهر الكنبة ومعه يستحيل عقلاً أن يتدخل الطاعن ويمسك ويكبل ذراعيها، والطاعن الأول جاثم عليها بكامل قوته، وهي على جلستها محجوب ظهرها وذراعيها بالكنبة، كما وقد صادر الحكم الطعين على دفاع الطاعن  قبل أن ينحسم أمره، ورد رداً لا يصح فى منطق العقل والبداهة على دفع الطاعن ببطلان الاعتراف الحاصل أمام جهات التحقيق، لأنه كان وليد الإكراه، إذ لم تحقق محكمة الموضوع هذا الدفع، واكتفت بقالة " وكان اعتراف المتهم أمام جهات التحقيق قد جاء صريحا واضحا لا غموض فيه.."  اذ لا يصلح ذلك القول ردا على الدفع، ولا تنهض قالة " .. أن سلطان الوظيفة في ذاته لا يعد إكراها.." رداً على دفع الاكراه المعنوي المتحقق من تعمد استطالة أمد التحقيق، وتعمد حجب حضور محامي مع الطاعن، ومحاولة جعل حضوره حضوراً شكلياً لا تتحقق به الغاية التشريعية المرجوة.

وإذ اعتنق الحكم المطعون فيه أكثر من صورة حول الواقعة، وركن إلى أدلة متنافرة غير متسقة واعنتقها جميعها دون أن يزيل ما بينها من تعارض وتناقض، في اضراب مسفر عن عدم استقرار أسلمه للفساد في الاستدلال انتهى إلى ما انتهى اليه دون أن يحقق واقعات الدعوى التحقيق الوافي المفضي لاستجلاء الحقيقة، كي ينطق منطوق حكمة عن بينة وعلى هدى وكتاب منير.  

لذا لامناص من تقديم هذا المذكرة بياناً وإيضاحاً

ولسنا نبغي إثقالاً على شريف عدلكم بقدر ما نبتغي إحقاق حق

ابتداء نقول أنه:- لو نطقت جوارح الطاعن لأسمعتنا في يقين :- "هذا الوجع تكفير، هذا الدمع تطهير،  هذا البلاء خير لا يعلمه إلا العليم الخبير، موقناً أن الإنصاف من عدلكم هو المصير، وأن عدلكم لن يُحمله أوزاراً لم يأتها، أسندها إليه الحكم الطعين بغير دليل!»

ولسان حال المدافع عنه يقول: "منيتي أن أقارب الوصف لكن المعنى الذي يتلجلج في نفسي أكبر من ذلك كله" وحسبنا أننا في محرابكم المقدس نفوسنا آمنة، قلوبنا مطمئنة، مشاعرنا  نتمثل في قوله تعالى " فلما جاؤه وقصص عليه القصص قال لا تخف نجوت.."

ونحمد الله أن هيئ لنا قضاء لا يبتغي إلا العدل، ولا يستهدف إلا الحقيقة،  ليس عنده إلا الإنصاف ولا في أوعيته إلا الحق،  والله تعالى نسأل أن نكون لعدلكم عوناً، ومصباحاً ينير درب السالكين للعدالة سبيلاً، ولا يغيب عن شريف عدلكم أن التثبت قبل إنزال العقوبة شريعة محكمة ودأب استقر عليه قضاء محكمتنا العليا..

والواقعة بظروفها وملابساتها الحقيقية جديرة بمعاودة طرحها على بساط المحاكمة المنصفة، فقد موهت حقائقها، وأرغم الطاعن على حمل أوزارها كاملة، بما يجافي القدر الذي آتاه منها ولقد احتمل الطاعن التهمة كاملة، رغم عدم استقرار بل انعدام الدليل الذي استقى منه الحكم الطعين، صورة الأفعال المادية التي قيل أن الطاعن قد آتاها، وكون الحكم قد استخلصها استخلاصاً غير سائغ يكشف عن اضطراب وعدم ثبوت، ويكفي أن المطلع على الحكم لا يتحقق له ماهية دور الطاعن في الواقعة، وما هي دلائل ما نسبه الحكم إليه، ولا يتحقق للمطلع على الحكم إذا كانت هذه الأفعال المسندة إليه، سابقة ومعاصرة، لوفاة المجني عليها، أم لاحقة عليها، إذ أورد الحكم الطعين صور متناقضة في مدوناته دون أن يزيل ما بينها من تعارض، كما اعتكز على دلائل متنافرة، بل استقى واستخلص دوراً للطاعن بغير ما يكون لهذا الاستخلاص معين بالأوراق، سيما وقد أول اعتراف الطاعن على غير فحواه ومؤداه، واستنتج منه نتيجة لا عماد لها، وأضحى المطلع على الحكم في حيرة من أمره من أي صورة استخلص الحكم الطعين عقيدته؟ من أي معين على نحو ما سيأتي بيانه وتفصيله تباعاً.  

لذلك

نقرر في محرابكم أن الدفاع سطر طعنه مدركاً حجم الجرم المنسوب للطاعن، وخطر الفعل المسند إليه، والذي يقع تحت طائلة الجرائم المعاقب عنها وفقاً للشرع حداً لا ينبغي لعاقل أن يتعداه أو يتحداه، كما لا ينبغي لعاقل ألا يدرؤه حال قيام الشبهة، لذا فسعيه في المقام الأول هو بلوغ الحقيقة وإنارة طريق العدالة توسداً للعدل الذي هو انعكاس لصوت العقل، والرحمة التي هى انعكاس صوت الضمير، ويقينا منصتكم العالية يصغي للصوتين معاً بلوغاً لدرجة الإنصاف.

وما نحن إلا كبائع الماء لأهل زمزم، والمعلوم من أحكامكم بالضرورة أن القول الفصل لمحكمتنا العليا،  ولا يعدو رأي نيابة النقض على توقيرها وتقديرها إلا رأياً استشارياً، والكلمة العليا هى لما ينطق به قضاؤكم العلْي، وما نقوله ليس بدعة بل هو صورة من الاستخلاص السليم في أحكام لحضراتكم خطت بأيدي كريمة طيلة عقود وعقود حتى صارت نبراساً يحتذى به، فزادنا وعمدة ما نعرض له هو مبادئ قضائية خطت بيمينكم في أحكام متواترة تصون الحق وتتوسد العدالة...

لأجل ذلك نؤكد لعدلكم جدية المطاعن التي وصمنا بها الحكم، ونشرف أن نقدم بين يدي عدلكم هذه المذكرة تلخيصاً وشرحاً لبعض أسباب الطعن المقدم من الطاعن، نسأل الله أن يخرجها خالصة نقية وان يجعل ما فيها قليل المباني كثير المعاني، وأن يجعلنا ممن أسهب وأطيب، وأطال بغير إملال في بيان ما ران على الحكم من أوجه للنقض، ذلك لأن الحكم الطعين إذ دان الطاعن وآخر بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والسرقة،  إلى آخر ما دانهم بشأنه قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك لأن ما أورده بياناً لنية القتل وظرف سبق الإصرار لا يكفي لاستظهارهما والاستدلال على توافرهما في حقهما، هذا كما أنه لم يستظهر قيام اتفاق بينهما على القتل ولم يبين الأدلة على ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه

أولاً:- فيما يتعلق بإضطراب صورة الواقعة لدى الحكم الطعين وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة على نحو أسلس إلى الفساد في الاستدلال.  

واقعة المحاكمة تنازعتها صور عدة ولقد اعتنق الحكم الطعين جميع هذه الصورالمتناقضة، دون ملائمة واستند عليها في تكوين عقيدته، وأوردها جميعها بما يفيد عدم إطراحه لهذه التفصيلات المتعارضة بما يعيبه ويوجب نقضه.

وأنه ولئن كان من المقرر في قضاء محكمة النقض أن فهم صورة الدعوى، وتحصيل تصويرها ملاك الامر فيه موكول إلى محكمة الموضوع تحصلها، مما يطمئن له ضميرها، ويرتاح إليه وجدانها، ولا سلطان لأحد عليها فيه، لأنه من إطلاقاتها ولا جناح عليها فيما تورده ما دام أن له أصله الصحيح من الأوراق ومعين ثابت فيها.

إلا أن حد ذلك

أن تكون المحكمة قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة، وناقشت الأدلة القائمة فيها، إثباتاً ونفياً، وازالت التعارض بين ما اوردته من اسباب واستخلصت مضمون تلك الادلة من اصل ثابت له معيين فى الاوراق ولم تبتر ولم تحرف ولم تتعسف فى التأويل.

والمطلع على الحكم الطعين يتبين أنه أورد كل الصور والتفصيلات، الواردة فيها واعتنقها جميعها، دون أن يقف عند الحد الفاصل الموجب لازالة التعارض فيما بين هذه الصورالمتناقضة والنتائج المترتبة على هذه التفصيلات من اعتراف منسوب للطاعن الأول، واعتراف منسوب للطاعن الثاني، وشهادات من عدتهم المحكمة شهود الإثبات، والمأخوذة نقلاً عن المحكوم ضده الاول، والتي جاءت متضمنة لثلاث صور كل منها مؤدي لنتيجة خلاف الأخرى المفضية لصور عدة لواقعة المحاكمة، سيما إقرار الطاعن الثانى– إن صح - والذي استنطقه الحكم الطعين بما لم ينطق به..

والثابت أن ما ورد بإقرارهما من تصويرهما لكيفية الاعتداء على المجني عليها، مغاير للصورة التي أوردها الحكم في تحصيله للواقعة، وأخذه بهما يدل على اختلال فكرته عن عناصر الواقعة وعدم استقراراها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذي يجعلها، في حكم الوقائع الثابتة، فضلا عن أن ذكر الحكم لكل هذا الذي أورده يجعله متخاذلا في أسبابه متناقضا بعضه مع بعض، سيما وأن لكل صورة دلالتها وأثرها في عقيدة المحكمة ووزنها للأمور، مما يعجز محكمة النقض عن تفهم مراميه والاستيثاق من أن القانون قد طبق تطبيقا صحيحا على واقعة الدعوى، مما يعيب الحكم بالقصور، الذي يتسع له وجه الطعن.

كما أن ما أورده الحكم وفقا للصورة التي حصلها لدى بيانه للواقعة وتللك الواردة بإقرار الطاعنين وإن كان يدل على التوافق بين الطاعنين فهو لا يفيد الاتفاق بينهما على القتل، و مجرد التوافق لا يرتب في صحيح القانون تضامنا بين المتهمين في المسئولية الجنائية، بل يجعل كل منهما مسئولا عن نتيجة فعله الذي ارتكبه، وهو ما يصم الحكم الطعين بالقصور الذي يعيبه ويوفر سبباً آخر لنقضه..، فجميع ما رفعه الحكم المطعون فيه لمرتبة الدليل لايؤدي بطريق سائغوبمنطق قضائي سديد إلى ما انتهى اليه منطوق حكمه، وحسبنا أن نتتبع بوصلة الحكم، والعلامات التي جعلها هادية له في طريقه إلى الإدانة، ابتداء من صورة الواقعة كما أفصح أنها ارتسمت في وجدانه واستقرت وأبانها الحكم في الصفحة الثالثة منه، و الثابت أنها مستخلصة من إقرار الطاعن، من بعد تحميله ما لا يحتمله واستنطاقه بغير الثابت بالاوراق معللا الحكم ذلم بان مرامى الاعتراف مؤدية الى النتيجة التى استخلصها ، وقد جاء تدخل الطاعن وفقا لها تدخل لحظي، إذ طلب المحكوم ضده الأول مساعدته بعدما بدأ فعلا وأوقع التعدي على المجني عليها، ضرباً على رأسها وخنقاً، ثم النظر في المعطيات التي بنى عليها استخلاص هذه الصورة، وهل هذه المعطيات وما اشتملت عليه توافق حقاً ما ارتسم في وجدانه عن الواقعة؟ وهل هي دالة بجزم ويقين على إدانة الطاعن؟، وإنه ليستبين من هذا التتبع وذلك النظر، أن الحكم اعتنق سبيل الإدانة بناء على ما حسبه دالاً على صحة اسناد التهمة أخذا بما جاء في:-  1- بمحضر ضبط المتهم (شهادة العميد عمرو محمد السعيد) 2- ما شهد به القاضي/إيهاب تمام  3- اعتراف المتهمين – حسب تعبير الحكم- بالتحقيقات 3- إعتراف المحكوم ضده الأول أمام المحكمة متعللاً بقتل المجني عليها دفاعاً عن نفسه.

تلك هي الأدلة المباشرة التي تساند عليها الحكم الطعين وقد أورد جميعها، ونجمل ايضاح ذلك في الآتي:- إقرار الطاعن فالنتيجة المستخلصة من مدونات الحكم من إقرار الطاعن سواء في تحصيل الحكم لوقائع الدعوي او في إيراد الإقرار ذاته كدعامة للحكم تتفق مع بعضها البعض من حيث ان المحكوم ضده الأول فور دلوفه إلي الحجرة داخل المزرعة المستأجرة لصالحه ولحسابه قام بضرب المجني بمؤخرة سلاحه فأفقدها توازنها وتمكن منها وحينما لاحظ الطاعن الأول أن الطاعن الثاني شاهده طلب منه إمساك ساقيها فأجابه لذلك راضخاً له .. بما يخالف الصورة المستخلصة من شهادة الشاهد الأول المسطرة بمحضر الضبط

فمحضر ضبط المتهم الأول قدمت فيه الواقعة، على صورة مفادها أن المحكوم ضده الاول قد أقر للقائم بالضبط أنه ارتكب الواقعة وقتل زوجته متعللاً بأن زوجته المجني عليها مثيرة للمشاكل – كثيرة الطلبات – دائمة التهديد له .. مما وضعه – أي المحكوم ضده الأول- تحت ضغط نفسي .. وإزاء خوفه على منصبه – ومركزه الإجتماعي – ومحاولة الحفاظ على كيانه الوظيفي والأسري قرر وعقد العزم.. لانهاء تلك المأساة، ففضلاً عن أن ذلك الذي أثبته الحكم ينفي عن الواقعة برمتها ظرف سبق الإصرار، فإنه وفيما يتعلق بالطاعن نجد أن دوره وفقا لهذه الشهادة قد انصب على استئجار المزرعة، وأن المحكوم ضده الاول وبمجرد أن دخل رفقة المجني عليها لغرفة الإستراحة باغت المجني عليها وضربها على رأسها بجانب الطبنجة أكثر من ضربة، وادعى الطاعن الأول على الطاعن الثاني أنه قد تولى تقييدها وشل حركتها -من بعد ضربها على رأسها عدة ضربات من قبل المحكوم ضده الأول! ، في حين هو – أى المحكوم ضده الأول-  قائم على خنقها والضغط على رقبتها حتى لفظت انفاسها.

وهذه الرواية يستخلص منها ثابت وحيد هو رغبة المحكوم ضده الأول في الخلاص من تهديدات المجني عليها، ويعزز هذا الثابت ما شهد به شاهد الإثبات الثاني وهو القاضي/ إيهاب تمام من حيث كون شهادته التى مصدرها ما ابلغه به الطاعن الاول لا تفيد اشتراك الطاعن الثانى مع قاتل زوجته (الطاعن الاول).

ثم إن هذا الإدعاء الذي عول عليه الحكم الطعين الوادر بمحضر ضبط المحكوم ضده الاول، ينهدم بما جاء بأقوال المحكوم ضده الأول نفسه بالتحقيقات، والذي يمثل صورة ثالثة للواقعة، قد اعتد بها الحكم واعتنقها أيضاً، متحصله من الدليل المتمثل في اقرار المحكوم ضده الأول في حق نفسه وقرينة في حق غيره لابد ان تكون معززة بدليل، وتخلص صورتها الثالثة هذه في أن المحكوم ضده الأول بعد قيامه بذات الأفعال التي نسبها الحكم إليه وهو يمعن في خنق معذبته هم اليه الطاعن الثاني (وقال له نصاً الست ديه لو عاشت هتودينا في داهيه) وذهب الحكم مذهباً يوحي بأن لهذه القالة الاثر الذي حرك المحكوم ضده الاول فصمم على القتل، وهو مضطرب بناءً علي ما حثه الطاعن به وطلب منه ان ينفذه (ومن ثم وفقا لهذا فإن هذا الحث والتشجيع كان له الأثر في نفس المحكوم ضده الأول فارتكب الجريمة كأثر لذلك، ثم يتبعها الحكم بصورة رابعة مستخصلة من اعتراف المحكوم ضده الأول أمام المحكمة ذلك الإعتراف المؤدي إلى إثبات حقيقة انتفاء ونفي أي دور للطاعن في القتل، وهو اعتراف المحكوم ضده الاول  في المحكمة بأنه قتل المجني عليها دفاعاً عن نفسه، وقد أقره الحكم وركن اليه، في استظهار نية القتل، فضلاً عن أقوال الطاعن، الثابت منها أنه لم يكن له دور يذكر في إيقاع القتل على المجني عليها، بما يثب أن ذلك الزعم الذي جئ به بمحضر ضبط المحكوم ضده الأول إنما جاء فرية من المحكوم ضده الأول كيداً بالطاعن لأنه ابتدر الإبلاغ عن الواقعة تحت سطوة ضميره، ومن عجب أن الحكم قد جعل من كل هذه الروايات المتناقضة عماد حكمه، وبنى عليها إدانة الطاعن جنبا إلى جنب مع المحكوم ضده الأول، وعاملهما معاملة واحدة، بغير أن يستقيم دليل صحيح على إتفاق إرادتيهما على إزهاق روح المجني عليها، ودون أن يستظهر باستنباط سائغ وجود هذا الإتفاق، وذلك وفقاَ لما استقر عليه قضاء النقض خطأ موجب لنقضه، ذلك لأنه إنه كان لا يعيب الحكم أن يستخلص صورة الواقعة من أي معين بالأوراق وله أن يأخذ من اعتراف المتهم ما يطمئن إليه ويطرح ما عداه من أقوال، إلا أنه يضحى معيباً إن أورد هذه  التفصيلات المختلفة واستند اليها جميعها رغم تعارضها في تكوين عقيدته.

يراجع:- بشأن إن ما أوردته المحكمة في أسباب حكمها على الصورة المتقدمة يناقض بعضه البعض بحيث لا تستطيع محكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القانون على حقيقة الواقعة لإضطراب العناصر التي أوردها عنه وعدم استقرارها الاستقرار الذي يجعلها في حكم الوقائع الثابتة، مما يستحيل عليها معه أن تتعرف على أي أساس كونت محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى وهو ما يتسع له وجه الطعن من تناقض ويجعل محكمة النقض تتصدى له من تلقاء نفسها.

الطعن رقم 11812 لسنة 84 ق جلسة 11/12/2004 لم ينشر الأجندة القضائية

وخلاصة القول أن صورة الواقعة كما أبانها الحكم بصدر أسبابه، تغاير الصور المستخلصة من الأدلة التي جعلها عماداً للإدانة، وكل دليل من هذه الأدلة مفضي لصورة تخالف الصورة المستخلصة من الدليل الآخر، بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه لقصوره.

وصفوة القول أن الحكم لم يكن به إلا هذه الثوابت دون سواها وهي أن الطاعن هو من بادر بالكشف عن خبيئة الواقعة، وأن المحكوم ضده الأول هو من اقترف كل الأفعال المؤدية لمقتل المجني عليها، وأنه فعل الذي فعله جزاء ما تسلطت عليه به من تخويف وتهديد، وأنه راغب في إتمام ذلك بنفسه ولنفسه شفاءً لصدره وفراراً من قهره، وأن ليس للطاعن من الأمر شئ، سوى مشاركة في الإعمال التحضيرية لصالح وحساب المحكوم ضده الأول..

ليضحى حقاً مقضياً أن الحكم يتأرجح بين ثوابت لا مراء فيها لا تنبئ البتة عن قيامالطاعن بعمل تنفيذي وإنحصار دوره حسب الاتفاق المعقود على استئجار المزرعة لصالح وحساب المحكوم ضده الأول، ويقابل ذلك باعث واضح للمحكوم ضده الاول، لا يتوافر في حق الطاعن وظروف شخصيةلا تصلح أن تكون لغيره.

وعليه قد اشتملت أسباب الحكم الطعين على تناقض صارخ من حيث الأفعال التي اتاها الطاعن، بما يعني أن الحكم قد جمع ما بين أدلة يكمن التعارض بينهما في الفعل المعزو إلى الطاعن واعتنقها جميعها على تناقضها، وفى المواد الجنائية يبرز مبدأ هام يعرف بتساند الأدلة وهو يعنى أن كل دليل يقدم فى الدعوى الجنائية يسند غيره من الأدلة المقدمة فيها «كل يشد عضد أخيه » وعلى القاضى أن يستمد اقتناعه منها مجتمعة ، ومن ثم بات واجبا عليه أن ينسق فيما بين الأدلة التى يعول عليها فى قضائه، حرصا على خلوها من التناقض والتهاتر، فقيام أى تناقض بينها يهدمها، وإذا ما اعترى أحدها الخلل أو الفساد انصرف اثره إلى عقيدة القاضى التى تكونت من مجموع هذه الأدلة، وصار الحكم بالإدانة المعتمد عليها حكما باطلا، حتى وإن صحت باقى الأدلة..

وهو ما يفصح عن اضطراب الحكم المطعون فيه حول الأفعال المادية التي آتاها الطاعن وبالأحرى حول صورة الواقعة، إذ تارة يقرر أن الأفعال المادية التي آتاها الطاعن هيالإمساك بقدم المجني عليها وربطها بقماش حتى يتمكن المحكوم عليه الآخر من قتلها، وأخرى يقرر الحكم أخذاً من أقوال المحكوم عليه الآخر في تحقيقات النيابة العامة أن الطاعن جلس خلف المجني عليها وكبل ذراعيها لشل مقاومتها حتى يتمكن الآخر من قتلها وتارة ثالثة يورد الحكم اعتراف الطاعن في تحقيقات النيابة بأنه مسك المجني عليها من ساقيها حتى يتمكن الآخر من قتلها، ثم يعاود الحكم حال محاولته استظهار نية القتل أن يسند للطاعن أنه امسك المجنى عليها من يديها من الخلف..والثابت أن الحكم المطعون فيه حال تحصيله لاعتراف المحكوم عليه الآخر ذكر أنه شهد بأن المجني عليها حين فارقت الحياة قام الطاعن بربط ساقيها ووجهها.

وعلى هذا جاء الحكم الطعين على غير دعامة ثابتة، وبصور متنازعة متنافرة، مستندا لوقائع متناقضة كمصدر للاستنباط دون رفع هذا التناقض، على نحو يجعل الدليل متهاويا متساقطا لا شئ فيه باقيا يمكن أن يعد قواما لنتيجة سليمة يصح معه الاعتماد عليها والأخذ بها، فليس من الميسور على مطالع الحكم الطعين أن يتبين حقيقة ما آتاه الطاعن من أفعال مادية دانه بسببها الحكم، أوقعت هذه الأفعال قبل وفاة المجني عليها أم بعدها؟ مع ما في ذلك من أثر بالغ في التطبيق الصحيح للقانون

والواضح مما اعتنقه الحكم بشأن اقرار المحكوم عليه الآخر أن دور الطاعن جاء عقب وفاة المجني عليها، بما يعني أن المجني عليها قد فارقت روحها الحياة قبل تدخل الطاعن بامساك قدمها، بما ينفي مساهمته في القتل،

كما كشفت مدونات الحكم عن صورتين متضادتين لدور الطاعن في الواقعة وتداخله فيها، فبينما ذهب في بعض ما أفصح عنه أن اتفاقا قام فيما بين الطاعن والمحكوم عليه الآخر للخلاص من المجني عليها وأن هذا الاتفاق دام لمدة ثلاثة أشهر سابقة على التنفيذ وقد ذكر ذلك الحكم عند محاولته اسباغ  ظرف سبق الاصرار واسناد نية القتل، في حين أنه حين ايراده لصورة الواقعة كما استقرت في وجدانه وحال ايراده أدلة الثبوت التي ركن إليها وعليها، فإن تدخل الطاعن في القتل لحظي ساعة التنفيذ، وهو ما يهدم قالته بأن الطاعن شارك المحكوم عليه الآخر في التخطيط والتنفيذ، وهو ما يكشف عن أن الحكم قد اعتنق صور متعارضة للاتفاق الذي افترضه فيما بين الطاعن والمحكوم عليه الآخر بما يحيله متخاذلاً في أسبابه مشوباً بالقصور المعيب.

ثانياً:- فيما يتعلق باستظهار نية القتل   

كان الطاعن قد نعي علي الحكم المطعون فيه انه خالف القانون وأخطأ  في الاسناد  بشأن  استظهار نية القتل وذلك في مذكرة اسباب الطعن وإيضاحاً لهذا النعي فإنه:-

ما أورده الحكم سواء في صورة الواقعة أو عند التدليل علي توافر نية القتل لا يكفي لاستظهار تلك النية، ، كما أن ما انتهت إليه الحكم في هذا الخصوص استنتجته من معطيات خاطئة، مبنية على عسف في التأويل وتعسف فى الاستنتاج والاستدلال فدور الطاعن حسب الصورة التي أعلن الحكم عنها أنه تم استدعاؤه من قبل المحكوم ضده الأول، الذي طلب منه أن يساعده ما إن شاهده وهو جاثم على المجني عليها ضاغطا بركبته ويده على وجهها معتليها بعدما أسقطها أرضاً بعدما ضربها على مقدمة رأسها، استقدام واستدعاء فجائي بعدما استنفد المحكوم ضده الاول ما انتوى القيام به وخطط له بنفسه ولنفسه، وكتم أنفاس المجني عليها، إذا وفقاً لهذه الصورة لا يمكن استظهار نية القتل في حق الطاعن، بل هي صورة نافية لهذه النية، وقد شهد الطاعن أنه قد طلب منه المحكوم ضده الأول عمل كوبيتين شاي اى انه يريد ان يستقل هو بما انتواه ان صح الاستدلال فى حقه كونها زوجته وان النخوة لمن هو مثله تابى على نفسه غير ذلك ، بما يكشف عن أنه – أي الطاعن- ليس له دور في إحداث النتيجة، او كان متوقع فعلياً حدوثها لان مظاهر افتراس المجنى عليها للطاعن الاول التى تكشفت بعد حدوث الجريمة لم يكن الطاعن الثانى يعلم عنها الا شىء يسيير فقد غاب عنه وهو صديقه منذ عشرون عام طوال فترة زواجه ولم يلتقى به الا مرات قليلة فكيف يتوقع مافى نفس الطاعن الاول من انه وصل به الاستبداد والقهر النفسى الذى تعرض له ان ينفذ ما اضمره فى نفسه او ابلغه به فكم من قول يصدر عن صاحبه اثناء انفعاله ولا يسفر عن شىء فى الواقع انما هى همهمة عاجز يحتاج الى من يستقوى امامه بالقول دائماً وابداً وأن مراد المحكوم ضده الأول إنفاذها بنفسه والخلاص من زوجته بنفسه، وما الطاعن إلا شاهد على الواقعة، مثله مثل الشاهد الثاني/ القاضي: ايهاب تمام.. كلاهما أورطهما المحكوم ضده في واقعته بأن جعلهم شهوداً عليها، وأشهدهم على ما آتاه، فأصاب الطاعن ما أصابه من إقحامه متهماً وصرف إرادة المحكوم ضده الاول إليه، ليكون معه في ذات الكفة، بغير سند صحيح، ودون وجود إتفاق يسمح بنشأة المسئولية التضامنية فيما بينهما، ولا تنهض الأعمال التحضيرية التي انصب عليها الاتفاق إثباتاً لنية القتل في حقه، ولم يأت الحكم الطعين بأمارة واحدة يمكن استظهار هذه النية منها، بل جاء بعبارة واهنة واهية قالة:- " ولما كانت نية المتهم الثاني – الطاعن- واضحة في موافقته المتهم الأول على قيامه بالتخلص من زوجته المجني عليها وإن كان هو نفسه ليس صاحب مصلحة خاصة في قتل المجني عليها إنما أراد أن يساير المتهم الأول في شعوره وأن يمد له يد العون والمساعدة في خلاصه مما يشعر به من قهر وتهديد.." وتلك العبارات لا تصلح وفقا للمستقر عليه بأحكام محكمة النقض استظهاراً لنية إزهاق الروح، بل إنها لا تعدو من الحكم سوى استدلال على نية باطنة مضمرة، من نية أخرى باطنة مظنونة، وهو ما لا يصح في المنطق القضائي السديد، وإذا كانت نية القتل قد نشأت إنطلاقا من هذا الباعث فلا يسوغ ذلك في الطاعن الذي لم يرد بإقراره أنه ارتكب الجريمة خلافاً لما نسب إليه، ولا يقدح في ذلك ما رردده الحكم الطعين من ماديات لا ترقى تدليلاً على قيام هذا القصد الخاص، فضلاً عن أن ما استدل به الحكم لاستظهار هذه النية يغاير الصورة التي أوردها في تحصيله للواقعة في أن المحكوم ضده الأول بعد قيامه بذات الأفعال التي نسبها الحكم إليه وهو يمعن في خنق معذبته هم اليه الطاعن الثاني (وقال له نصاً الست ديه لو عاشت هتودينا في داهيه) وذهب الحكم مذهباً يوحي بأن لهذه القالة الاثر الذي حرك المحكوم ضده الاول فصمم على القتل بما يعنى ان استخلاص نية القتل بالنسبة للمحكوم عليه الاول انها وليدة اللحظة خلاف لما اعلن الحكم وانه لولا هذا الحث لما قتلها وتصديق ذلك بات مستحيل على اولى البصائر لان الخوف المصاحب للطاعن الاول حتى بعد خلاصه من المجنى عليها لم ينتهى ومظاهر ذلك فى تكبيلها بالسلسة الحديدة والقفل فكيف لهذه النفس ان يكون لقالة الطاعن الاول المفتراه اثر عليها ويستخلص من ذلك نية قتل محمولة بخبايا نفس معذبة ذليلة كيف استطاع الحكم ان يدلل على ان قصد الطاعن الثانى هو قصد الطاعن الاول والحدث جلل والايذاء المعنوى محجوب وان يدلل الحكم على ذلك تارة بان الطاعن يحنو عليه ويشعر بما يشعر به فعقد العزم معه شفقة على حاله يا لتلك الانسانية المفضية الى القتل التى استخلص منها الحكم نية القتل فى حق الطاعن،  نعم ان الطاعن رقيق القلب مع صاحبه ولكنه يقتل ولا يبالى وامارة ذلك انه هو من ابلغ عن الافعال التى اتاها الطاعن الاول قبل القبض عليه  ومفاد ذلك ان ما أورده الحكم استدلالا على توافر نية القتل لدى الطاعن لم يكن سوى مجرد رأي استناجي لا يفيد العلم الحقيقي ، يضاف إلى ذلك أن باقي ما أورده الحكم في هذا الشأن لا يفيد سوى الحديث عن الفعل المادي – غير الثابت بالأساس- وهو مال لا يكفي بذاته لثبوت نية القتل في حقه. ليكون خلاصة القول ظروف الدعوى مفضية الى انتفاء نية القتل فى حق الطاعن ومرد ذلك كله أن تناقضت وتخاذلت صورة الواقعة لديها بحيث لا يمكن للمطلع على الحكم أن يتعرف كنهها وحقيقتها و ملابساتها وظروفها.

فالطاعن لم يثبت في حقه فعلاً مادياً واحداً يقطع بأنه انتوى القتل أو شارك فيه، ولا يثبت ذلك لا في إقراره ولا في إقرار المحكوم ضده الأول، سواء الرواية المنقولة عنه بطريق الشاهد الأول أو المنقولة عنه بطريق الشاهد الثاني، أو حتى روايته هو بتحقيقات النيابة، وكل ما يمكن أن يكون ثابتاً في حق الطاعن هو قيام الاتفاق فيما بينه وبين المحكوم ضده الأول على استئجار المزرعة، كما أن ما أورده الحكم وفقاً للصورة التي حصلها لدى بيانه للواقعة وتلك الواردة بإقرار الطاعنين وإن كان يدل على التوافق بينهما، فهو لا يفيد الاتفاق على القتل، ومجرد التوافق – إن وجد- لا يرتب في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية.

(الطعن رقم 9501 لسنة 80 ق جلسة 3مايو 2012)

وقد قضت محكمة النقض بأنه:- تميز القتل العمد والشروع فيه – نية خاصة هي قصد إزهاق الروح – وجوب استظهار الحكم له وإيرادها ما يدل على توافره والحديث عن الأفعال المادية لا ينبئ عن توافره وصعود المتهم بالسيارة على افريز الطريق ومداهمة المجنى عليه ومعاودة ذلك لا تنبئ بذاتها على توافر قصد إزهاق الروح "

نقض 12/6/1987 – س 29 – 115 – 598

فالعبرة في النهاية بنية القتل عند المتهم لا بمكان الإصابة أو خطورتها أو نوع السلاح المستعمل، وظروف الدعوى وملابساتها لا يستنبط منها قيام هذه النية لدى المتهم، بل هي مفضية إلى نفي هذه النية وانعدامها.  

وقضت محكمة النقض بأنه:-"جرائم القتل والشروع فيه تتميز قانوناً بنية خاصة هي انتواء القتل وإزهاق الروح ولا يكفى بذاته استعمال سلاح قاتل بطبيعته وتعدد الضربات لثبوت نية القتل "

نقض 17/11/1958 س 9 – 227 – 930

فإذا كان الحكم على نحو ما أورده لا يكفي لاستظهار نية القتل خاصة وأن أفعال الاعتداء على المجني عليها، وفقا للاقرارات المنسوبة للمحكوم عليهما أو اعترافاتهما التفصيلية في جميع مراحل الدعوى - كما سماها الحكم الطعين – بدون بيان واضح منه لفحوى هذه الاعترافات ومؤداها، لا تؤدي لهذه النتيجة، وإن صح ذلك في حق المحكوم عليه الأول  ركونا للباعث الذي عزاه الحكم اليه، فلا يسوغ ذلك في حق المحكوم عليه الثاني – الطاعن- الذي لم يرد عنه أنه ارتكب الواقعة أو كان له دور تنفيذي فيها، سابق على اعتداء المحكوم عليه الأول على المجنى عليها إذ ضربها ثلاث ضربات على رأسها، كما أن الحكم ذاته أثبت أنه ليس للطاعن مصلحة تذكر، فقط برر ما نسبه اليه بقالة أن الطاعن أراد مسايرة صديقه، كما نسب الحكم الطعين للطاعن إقراراً لا أصل له بالأوراق، بل تدحضه ماديات الدعوى، وما ركن اليه الحكم ذاته على أنها أدلته نحو الإدانة، وعليه فإنه لا ينهض ذلك الذي اعتكز عليه الحكم مسوغاً لاستظهار نية القتل والتدليل على وجودها فى نفس الطاعن من الناحية القانونية والقضائية، وينبئ عن أن هذه النية المنسوبة للمتهم قد اختلقها الحكم الطعين إختلاقاً وأوجدها من حيث لا مصدر لها، حتى في إعترافات المتهم التي وصفها الحكم أنها مفصلة وعول عليها لا قيام لهذه النية ولا مرتكز.

ويكون ما جاء به الحكم في هذا السياق لا يبلغ حد الكفاية ولا يغني عن ذلك قالة الحكم من أن الطاعن قصد قتل المجني عليها، إذ أن إزهاق الروح إنما هو القصد الخاص المطلوب إظهاره بايراد الأدلة والمظاهر الخارجية التي رأت المحكمة أنها تدل عليه، بما يشوبه بعيب القصور في التسبيب والفساد في الإستدلال بما يبطله

الطعن رقم 22875 لسنة 85 ق  جلسة 1فبراير 2018

وهو ما اقرته نيابة النقض الموقرة  بأن أوردت فى ردها الاستشارى الحكم تالى البيان:-  

ولقد خلط الحكم المطعون فيه في الاستدلال على تلك النية، بين القصد الجنائي المباشر، والذي يفترض أن نتيجة الاعتداء مرغوباً فيه، على نحو يقيني متلازم، وبين القصد الجنائي الإحتمالي الذي يقوم مقام القصد الأصيل في تكوين ركن العمد، وهو نية ثانوية غير مؤكدة تختلج بها نفس الجاني الذي يتوقع أنه قد يتعدى فعله الغرض المنوي عليه بالذات إلى غرض آخر لم ينوه من قبل أصلاً وهو سبب موجب لنقض الحكم حسب ما ذهبت غليه محكمة النقض

الطعن رقم 38340 لسنة 67 ق جلسة 7/6/2000

نقض جنائي س 67 جلسة 3/3/2016 ص 276/2

سيما وأنه لا يثبت في حقه فعلاً مادياً يجعله شريكاً أو فاعلاً في الجريمة، وفي إحداث الوفاة، حتى أن تقرير الطب الشرعي عزا الوفاة إلى الخنق، وهو الفعل الحاصل من المحكوم ضده الأول دون تداخل من الطاعن، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويصمه بالقصور والخطأ في تطبيق القانون الموجب لنفضه..

ثالثا:- فيما يتعلق ببطلان الاعتراف وبطلان التعويل عليه في الإدانة  

إن ما نعاه الطاعن بشأن بطلان إعترافاته بالتحقيقات قد وافق صحيح القانون والتطبيق القضائي السديد،فمن المستقر عليه أن الأدلة الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة بحيث إذا اسقط أو استبعد دليل منها تعذر الوقوف على مدى تقدير المحكمة للأدلة الأخرى، والدليل هنا دليل ساقط لا يعتد به فهو اعتراف المكره.

وإن اعترافات الطاعن التي نطق بها من بعد تخويفه بأولاده، الذين قد تم احتجازهما، ثم الحيلولة بينه وبين محاميه، وهو الذي ذهب طواعية لساحة العدالة، ولجأ للنيابة العامة لإبلاغها عن الواقعة التي كان شاهداً عليها، بادر هو بالإبلاغ في حين لم يقدم على هذه الخطوة شهود أخرين، كأن أولى بهم ألا يلتزموا الصمت والتستر، فقوبل الطاعن بأن أسند اليه إتهام كفاعل مع المحكوم ضده الأول، في حين انه ليس هناك في العقل المنطق أن يتخذ المرء مثل هذه المبادرة من تلقاء بوازع من ضميره، ويفصح عن تفاصيل الواقعة أمام النيابة العامة (نيابة جنوب الجيزة الكلية) بتاريخ 26/6/2022 ويسرد بأقواله حقيقة الواقعة كما عاينها، ثم في اليوم الثالث من التحقيقات ينسج رواية تدينه يتطوع بالاعتراف بها، دون أن يتكشف دليل واحد يناقض ما رواه في اليوم الأول من التحقيقات، وليس لذلك من تبرير سوى صدق دفع الطاعن من كونه قد تعرض لإكراه معنوي عن طريق الضغط عليه باولاده، وثابت في أوراق الدعوى سؤال ابنه محمد حسين بالتحقيقات، وكذلك ابن زوجته، ويؤكد ذلك ما شهد به المحامي/ ابراهيم طنطاوي والثابت شهادته بمحضر جلسات المحاكمة، ومن عجب أن النيابة العامة الموقرة قد رتبت أوراق الدعوى فيما يتعلق بأقوال حسين على عكس ترتيبها الزمني، إذ بدأت الترتيب بما انتهت اليه التحقيقات لا ما ابتدأت به، وهو ما يحول دون الوقوف على تسلسل الأحداث الحقيقي من حيث ترتيب الأقوال، ومن حيث تمكينه من حضور محاميه معه، وهو ما جعل الحكم المطعون فيه يظن في الطاعن أنه حاول في بعض  أقواله أن يذهب بعيداً عن مرمى ومقصود أقواله واعترافاته، واسقاط هذه الاعترافات يتساند على القاعدة الشرعية المستخلصة من الحديث الشريف المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :- "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه" ) حديث حسن رواه ابن ماجة والبيهقي)

وعلى المستقر عليه في قضاء محكمة النقض بأنه " لا يكفى لسلامة الحكم أن يكون الدليل صادقاً متى كان وليد إجراء غير مشروع "

نقض 11/6/ 1972 س 23 – 203 -906

نقض 12/5/1975 س 26

وقد قضت محكمة النقض بأنه:-"وكان الذي أورده الحكم المطعون فيه تبريرا لاستناده إلى الدليل المستمد من اعتراف المتهم بتحقيق النيابة، ليس من شأنه أن يؤدي إلى إهدار ما دفع به الطاعن من بطلان هذا الاعتراف لصدور وليد إكراه، لما يمثله من مصادرة لدفاع الطاعن قبل أن ينحسم أمره، لأنه ليس من العقل والمنطق أن يرد الحكم على الدفع ببطلان الاعتراف الحاصل أمام جهة من جهات التحقيق، لأنه كان وليد الإكراه، بإطمئنانه إلى هذا الاعتراف لحصوله أمام تلك الجهة ..."

نقض 28551 لسنة  ق جلسة 23/4/2000

وقد قضت محكمة النقض في حكم رائد لها وانتهت فيه إلى بطلان الاستجواب بسبب طول مدته، واستخلصت من طول المدة أن ارادة المتهم لدى استجوابه لم تكن حرة بريئة من كل تأثير، مما ينبئ عن إجراءات التحقيق قد شابها الخروج عن مبدأ حياد النيابة العامة والثقة في إجراءاتها، مما يبطل استجواب المتهم وكل ما ترتب عليه.."

نقض رقم 30639 لسنة 72 ق جلسة 23/4/2003

وكل اعتراف مرده خوف، على النفس أو الغير على أي صورة كانت، أو وليد حالة نفسية مصدرها هذا الخوف هو اعتراف لا يسوغ الاعتداد به، ويتوجب ابطاله، حتى أن محكمة النقض قضت بأن:- "الاعتراف الذي يصدر من المتهمين في أعقاب تعرف الكلب البوليسي عليهم عادة ما يكون وليد حالة نفسية مصدرها هذا التعرف سواء أهجم الكلب البلويسي عليهم، وسواء أحدث بهم إصابات أم لم يحدث من ذلك كله شئ"

نقض جلسة 22/11/1949 س1 ق 32 ص 87

وإن كان الإعتراف من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها، فإن هذه الحرية المخولة لها ليس طليقة من رقابة محكمة النقض فالثابت من استقراء مبادىء المحكمة الموقرة أنها تفرض رقابتها على قاضي الموضوع فيما ينتهي اليه اقتناعه، بحيث إذا أعلن أنه يعتقد صدق دليل فتقدير ذلك مطلق له، لكنه حين يعلن أن عقيدته في هذا الدليل انتهت به إدانة المتهم، فهنا حق لمحكمة النقض أن تتدخل لمشاركته التقدير في هذا الاستنتاج أيا كان موضوعه ونطاقه.

(د.رؤوف عبيد ، ضوابط تسبيب الأحكام الجنائية صــ 445)

وانطلاقاً من أن اليقين القضائي يتمثل في ضرورة وجود أقوى مصدر إثبات ممكن لتقرير الإدانة، وإن حرية القاضي في تكوين عقيدته من الأدلة القائمة في الدعوى تتحدد بضرورة مراعاة توافر شروط وضمانات معينة في الدليل قبل أن يدخله معه قاعة المداولة.

وأهم هذه الضمانات مشروعية الدليل ولا يكون الدليل مشروعاً طالما تولد عن إكراه كائنا ما كان قدره.

(نقض 15 أكتوبر سنة 1972 مجموعة أحكام محكمة النقض س 23 ص 1049 رقم 234)

ويهدر الدليل غير المشروع ولو كان هذا الدليل صادقاً

(نقض 15 مارس سنة 1990  مج احكام النقض س 41 ص 530 رقم 88)

ولا يكفي إطلاع المحكمة وحدها على أوراق الدعوى بل يجب عرض الدليل على بساط البحث والمناقشة بالجلسة في حضور الخصوم ليبدي كل منهم رأيه فيه حسب ما تقضي به المادة 332/2 من قانون الإجراءات الجنائية.

هذا وقد تمسك الطاعن باعترافه الحاصل منه بالتحقيقات قد خيم عليه البطلان اذ انتزع منه كرهاً وإكراهاً وقع على نفسه إذ تم احتجاز أولاده، وايصالهم به تليفونيا من مقر احتجازهم، ولقد طالت مدة استجوابه على نحو أسلمه للإرهاق والإعياء، ولم يأخذ الحكم الطعين ذلك الدفع مأخذ الجد، مع جوهريته ولزوم تحقيقه لاتصاله الوثيق بشرعية الحكم وردت على الدفع ردا مقتضباً لا يرقى إلى مقاصد القانون والتشريع، معتكزة على ما زعمته في هذا الاعتراف من صراحة وصحة، وكأن العبرة بصحة الدليل لا بشرعيته، في مخالفة صارخة لما هو ثابت ثبوت لزوم، من وجوب بحث شرعية الدليل قبل بحث صدقه أو كذبه.    

ذلك لأنه أنه  "لا يصح تأثيم إنسان ولو بناءً على إعترافه بلسانه أو بكتابته متى كان هذا مخالفاً للواقع لأن العبره بحقيقه الواقع ."

نقض 19/3/1981 – س 32 – 45 – 268

نقض 8/6/1975 – س 28 – 166 – 497

فقوام القضاء الجنائى هو حقيقه الواقع، فلا تبنى القرارات الجنائيه ألا على الواقع الفعلى الثابت على وجه الجزم واليقين، وهو ما يجعل على المحكمة واجب تحقيق الدعوى تحقيقاً وافياً في حضور الخصوم بلوغاً للحقيقة التي بنشدها.

إعمالا لما هو مقرر من "أن تحقيق الأدلة فى المواد الجنائية هو واجب المحكمة فى المقام الأول وواجب المحكمة تحقيق الدليل ما دام ممكنا، والتحقيقات الأولية لا تصلح أساسا تبنى عليه الأحكام "      

نقض 24/4/78 – س 29 – 84 – 442

نقض 21/2/72 – س 23 -53 – 214

وقد قضت محكمة النقض بأنه:- " من المقرر أنه ينبغي في الإعتراف لكي يكون صحيحا ويمكن الاستناد إليه كدليل في الحكم أن يكون المتهم أدلى به وهو في كامل إرادته ووعيه، فلا يجوز الاستناد إلى الاعتراف الذي يصدر من المتهم في حالة فقدان الإرادة، ذلك أن الإعتراف هو سلوك إنساني، والقاعدة أنه لا يعتبر سلوكا إلا ما كان يجد مصدراً في الإرادة هو دفاع جوهري – في خصوصية هذه الدعوى وفق الصورة التي اعتنقتها المحكمة – يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه ما دام الحكم قد عول في قضائه بالإدانة على هذا الإعتراف، ولما كان الحكم قد عول على اعترافه بتحقيقات النيابة العامة.. بغير أن يرد على هذا الدفاع الجوهري ويقول كلمته فيه، فإنه يكون معيبا بالقصور في التسبيب، ولا يغني عن ذلك ما أوردته المحكمة من أدلة أخرى، وذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاَ ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي ولما كان ما تقدم فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه.."

الطعن رقم 6757 لسنة 83 ق جلسة 5/12/2015

ولقد وقع الطاعن تحت وطاة الإكراه المعنوي، الذي جعل اعترافاته تخرج على غير إرادة واعية، وهو ما عناه الطاعن وقصده من وراء دفعه، وكان لزاماً على محكمة الموضوع أن تعرض له برد سائغ سديد، لا أن تصادر على المطلوب فيه وتقطع بصحته من قبل تدقيقه وتحقيقه.

وقد قضت محكمة النقض واستقرت أحكامها وتواترت على أنه "فالغلبة للشرعية الإجرائية ولو أدى إعمالها لإفلات مجرم من العقاب وذلك لاعتبارات أسمى تغياها الدستور والقانون"

الطعن رقم 30342 لسنة 70 جلسة 2004/04/28 س 55 ص454 ق 61

وذلك ما لم تفطن إليه محكمة الموضوع ولم تتبين وجه الإكراه الذي عناه الطاعن، فذهبت مذهبها الذي دونته، بعيداً عن جوهر الطعن وحقيقة المطعن، ولا ريب في أنه وباستقراء أحكام محكمة النقض فإن ما بينه الطاعن يقوم به الإكراه الذي يبطل معه الإعتراف.

والمتتبع لأحكام ومبادئ محمتنا العليا – محكمة النقض – يتيقن من أن العدل لا يدرك من ظاهر النص بل بروح النص و أن طريق البحث عن الحقيقة لا يكون فقط عبر كلمات من حروف جوفاء وأن المحقق والقاضى لابد وأن يدركا أشياءً كثيرة إلي جانب نصوص القانون، بما يستلزم القول أنه ليس عملا عظيما أن يقضي القاضي بالبراءة في قضية تنطق أوراقها بها، لكن العمل ينال هذا الوصف عندما يتجاوز القاضى حدود الأوراق التى تشبر إلي الإدانة ثم يقضي ببصره و بصيرته وعقله وضميره بالبراءة، هنا تتجلي عظمة القاضى وهنا يصير العدل إنصافا وهنا يصبح الإنسان بملكاته أقوي مما تحتويه الأوراق مهما كان الدليل الظاهر فيها.

رابعاً:- فيما يتعلق ببطلان الاستجواب وبالتبعية بطلان الاعتراف المنسوب للطاعن نتيجة لاستجوابه الباطل الحاصل بالمخالفة لنص المادة 54 من الدستور والناسخة ضمناً لنص المادة 124 إجراءات.  

تمسك الطاعن ببطلان الحكم لابتنائه على اعتراف منسوب للطاعن مأخوذ منه فى استجواب تم في غيبة محاميه، اعتصاماً ببطلان هذا الاستجواب لحصوله مخالفاً لنص المادة 54 من الدستور، وتمسك الطاعن بكون هذه المادة ناسخة لحكم المادة 124 من قانون الاجراءات الجنائية.

قد قضت محكمة النقض " لما كان قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد جرىعلى أنه لما كان الدستور هو القانون الوضعي الأسمى صاحب الصدارة على ما دونه منتشريعات يجب أن تنزل على أحكامه فإذا تعارضت هذه مع تلك وجب التزام أحكامالدستور وإهدار ما سواها يستوي في ذلك أن يكون التعارض سابقاً أم لاحقاً علىالعمل بالدستور . لما هو مقرر من أنه لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغىأو تعدل أو تخالف تشريعاً صادراً من سلطة أعلى فإذا فعلت السلطة الأدنى ذلك تعينعلى المحكمة أن تلتزم تطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور وإهدارما عداه من أحكام متعارضة معه أو مخالفة له إذ تعتبر منسوخة بقوة الدستور ذاته . هذاوقد أيدت المحكمة الدستورية العليا هذا الاتجاه بطريق غير مباشر وذلك عندما قضتمحكمة النقض بتاريخ 24 من مارس سنة 1975 باعتبار المادة 47 من قانون الإجراءاتالجنائية تخالف نص المادة 44 من الدستور واعتبرتها منسوخة بقوة الدستور ثم جاءتالمحكمة الدستورية العليا بتاريخ 2 من يونيو سنة 1984 وقضت بعدم دستورية المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية في القضية رقم 5 لسنة 4 قضائية دستورية ولم تذهبالمحكمة الدستورية العليا إلى القول بأن قضاء محكمة النقض السابق جاوز اختصاصهأو فيه اعتداء على سلطة المحكمة العليا التي كانت قائمة قبل المحكمة الدستورية العلياوبذات الاختصاص 0 كما صدر بتاريخ 15 من سبتمبر سنة 1993 حكم آخر لمحكمةالنقض باعتبار المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية منسوخة بقوة الدستور لمخالفتهاالمادة 41 منه ولم يصدر حكم للمحكمة الدستورية العليا بعد في هذا الشأن، وخلاصة ماسلف إيراده أنه في الأحوال التي يرى فيها القضاء العادي أن القانون قد نسخهالدستور بنص صريح ، لا يعتبر حكمه فاصلاً في مسألة دستورية، ولا يحوز هذا الحكمبذلك سوى حجية نسبية في مواجهة الخصوم دون الكافة ".

الطعن رقم 30342 لسنة 70 جلسة 2004/04/28 س 55 ص454 ق

ومن ثم فمحكمة النقض الموقرة تقر الإلغاء الضمني لنصوص القانون بموجب مواد الدستور واجبة التطبيق والإعمال اللاحقة على النص التشريعي ويكون ما نحت اليه  نيابة النقض جدير بالإعراض عنه، ولما كان الحكم الطعين قد ركن في قضائه على ذلك الإعتراف الباطل فإنه يكون شابه الفساد الموجب للنقض.

خامساً:- الإخلال بحق الدفاع.  

الثابت أن الطاعن قد ذهب طواعية من تلقاء نفسه، رفقة محاميه، الأستاذ إبراهيم طنطاوي إلى النيابة العامة للإبلاغ عن الواقعة، والإدلاء بشاهدته حولها، وذلك بتاريخ 26/6/2022 وذكر معلوماته عن الواقعة، غير أن الطاعن استطال أمد التحقيق معه على نحو أسلمه لأن يكون تحت ضغط نفسي، كما تم استدعاء أولاده وكان ذلك سبيل ممارسة نوع من الإكراه النفسي عليه، وما إن تبين المحامي الحاضر معه أن الطاعن نزولاً على ذلك الإكراه ينسج للواقعة إعترافاً يغاير حقيقتها ويتطوع في إلقاء مظنة التهمة على نفسه، بادر في حضرة النيابة العامة وأثناء التحقيق إلى طمئنة الطاعن في محاولة منه إلى ألا يقول غير الحقيقة ولا يتطوع تحت وطئة إكراه في رواية تضره، وذلك حق سيما وأنه – أي المحامي – وفي خصوصية هذه الدعوى يعد شاهد إذ يتماثل موقفه مع من عدتهم النيابة العامة ومحكمة الموضوع من بعده شهود إثبات الواقعة، فالقائم بالضبط اعتدت محكمة الموضوع بقالته التي قال أنها مروية عما أخبره به المحكوم ضده الأول حال ضبطه، وكذا شهادة القاضي/ إيهاب تمام وهي أيضا مأخذها ما رواه وحكاه له المحكوم ضده الأول، وهكذا كان موقف المحامي الحاضر ابتداء مع الطاعن، بحكم أن الطاعن زوج شقيته، وقد روى له وشهد له بما قد وقع وحدث، وبناء على حكاه ورواه له، رافقه إلى محراب النيابة العامة ليدلي بما أدلى اليه به للجهة الأمينة على الدعوى العمومية، فكان طبيعي من الحاضر مع الطاعن والحال كذلك أن يتبين حال المغايرة التي طرئت على الطاعن في أقواله، فيحاول رده إلى صوابه، وإشعاره أنه إلى جانبه كي لا يعبئ بوقع الإكراه الذي مورس عليه معنوياً ونفسياً وقد كان المحامي المرافق له شاهداً عليه، إلا أن المحقق حال بينه وبين القيام بواجبه الدستوري والقانوني، هو ما دفع المحامي الحاضر للمغادرة كي لا يكون حضوره حضوراً شكلياً، لا يحقق الغاية التشريعية من لزوم حضور محامي مع المتهم المقيد حريته، كضمانة دستورية وكدلالة على حيدة التحقيق، ومن بعدها لم يتوافر للطاعن هذا الحق ولم يحضر معه محام في أى من مراحل الاستجواب اللائحقة على مغادرة الأستاذ ابراهيم طنطاوي التحقيقات، وذلك هو الثابت من أوراق الدعوى خلاف ما جاء به الحكم من قالة أن المحامي قد عاود الحضور من بعد انسحابه، وتناوب مع محام آخر، وما ذلك من الحكم إلا استقراء غير صحيح للترتيب الزمني للتحقيقات،اذ تم ترتيب أقوال الطاعن بشكل عكسي بحيث بدأت ترتيب الصفحات بما انتهت اليه الأقوال لا بما بدأت به، بما يعجز عن استيضاح والاستيثاق من ترتيب الإجراءات حال مباشرة التحقيق مع الطاعن.

وهذا ما شهد به المحامي ابراهيم طنطاوي أمام محكمة الموضوع، وإنه إذا ما وزنت شهادته بنفس الميزان التي وازنت به محكمة الموضوع شهادتي الشاهد الأول والثاني، لتماثلت جميع هذه الشهادات من كونها مروية عن أطراف الواقعة، بل لرجحت شهادة المحامي ابراهيم طنطاوي لانها لم تنصب وفقط على ما رواه له الطاعن حول الواقعة، بل اشتملت أيضاً على واقع شهده بنفسه وعاينه، فيما يتعلق بمجريات التحقيق، واستدعاء أبناء الطاعن ليكونوا وسيلة الضغط عليه، ولقد كان حرياً بمحكمة الموضوع وهي التي اعتنقت الإدانة بناء على شهادات محكية مروية عن لسان المحكوم ضده الأول، غير معززة بدليل يعاضدها، كان حرياً بها تحقيق شهادة المحامي الحاصلة بجلسة 15/8/2022، ومن ثم التثبت من الدفع ببطلان الاعتراف لكونه وليد إكراه معنوي بدلالة هذه الشهادة وما ورد فيها لا أن تعرض عنه، وترد على الدفع برد ينبئ عن مصادره على المطلوب، وتنعت الدفع بأنه قالة مرسلة، مع أن الدفع مشهود عليه له مأخذه بالأوراق..الأمر الذي أسلمها للقول بصحة الاعتراف دون الاستيثاق من شرعيته، سيما وأنها استدلت بنتيجة الاكراه على نفي الإكراه (الأقوال التي ادلى بها لدى قيامه بالإرشاد عن الجثىة، وعند إجراء المعاينة) هذه الأقوال والاجراءات التي تمت في غيبة محاميه وحجبه استئثار جهة التحقيق بها من دونه بالمخالفة لنص المادة 98 والمادة 198 من الدستور، ولا يكون منع المحامي من ذلك إلا بقرار مسبب من جهة التحقيق على أسباب تحمله وإلا كان باطلاً .

ومن الدفوع التي أعرض عنها الحكم ايرادا وردا رغم جوهريتها، ما اعتصم به الطاعن ودفع به من توافر حالة الضرورة في القدر الذي آتاه من الواقعة وفقاً لنص المادة 61 من قانون العقوبات، وحيث أن محكمة الموضوع تعرضت فقط للدفع المبدى من المحكوم ضده الاول فيما يتعلق بتوافر حالة من حالات الدفاع الشرعي، وردت عليه، في حين لم تتطرق لما أبداه الطاعن من توافر حالة من حالات الإباحة الناجمة عن الضرورة الملجئة، وهو ما يعيب الحكم ويجعله مخلاً بحق الدفاع على نحو يوجب نقضه، لتعذر معرفة أثر هذا الدفع في حكمها، ولا يقدح في ذلك القول بأن عدم تعرضها لهذا الدفع يعني إطراحه له، ذلك لأن هذا القول ربما يستقيم لو أنه تماثل موقفها من الدفع هذا مع موقفها من الدفع المبدى من المحكوم ضده الاول بشأن الدفاع الشرعي، كما أن هذا الإغفال لحق بدفاع ودفع جوهري يتغير به وجه الرأي في الحكم، وإن القدر المتفق عليه في أحداث الواقعة، يثبت في حق الطاعن هذه الضرورة الملجئة، لتنفيذ أوامر صديقه، "امسك رجلها" فأمسك وقد تم الاعتداء من المحكوم ضده الأول على المجني عليها، فلم يكن لهذا الامساك اللاحق على الضرب على الرأس وخنقها من أثر، ولم يكن له على الحقيقة دور فيما أفضت اليه الواقعة من نتيجة، وقد أبان الحكم عن نفس له راضخة، منقادة بغير إرادة منها لإحداث القتل، ذلك لأنه لو أن نفسه نفس قاتلة، مقدمة على هذا الفعل لاستصاغت ما دون القتل وهو السرقة، فمن ثبت أنه لا يستطيع إتيان الصغيرة، مقارنة بكبيرة القتل، قطعاً وبحكم اللزوم العقلي المنطقي هو يجروء على الكبيرة ولا يأتيها طواعية مختاراً.

وحسبه أنه لم تقوى نفسه على رؤيتها من بعد أن ألفظها المحكوم ضده الأول أنفاسها خنقاً، ولم يقوى على معاونة صديقه في حملها إلا بعد تغطيتها، والحقيقة أن الطاعن ذهب إذ ذهب مع المحكوم ضده الأول تحت مظنة أنه "مش هيعمل غير الشاي" وليكون تواجده موحي بأن المزرعة مرغوب في شرائها "لؤطه" لا أكثر وما يفعله الطاعن الأول مع المجني عليها زوجته، حال دخولهما استراحة المزرعة،  أمر لا شأن له به، يتصافيا يتشاجراً، يعتدي بعضهما على بعض، هذا شأن المحكوم ضده الأول وزوجته المجني عليها، ولقد انتهى دور الطاعن عند الأعمال التحضيرية، وتواجده بمسرح الأحداث لا يعني ولا يرقى دليلاً كافياً على تحميله أوزارها، ولا يقدح في ذلك كونه يعلم أن المحكوم ضده الأول حاقن على زوجته، يبتغي نجاةً وخلاصاً من تهديداته له، فكل ذلك لا يجعله جزءاً فيما انتواه المحكوم ضده الأول بنفسه ولنفسه، وليس في الأوراق قوام صحيح للقول بوجود اتفاق فيما بين الطاعن والمحكوم ضده الأول على القتل، ولا تنهض رغبة مساعدة الصديق تدليلاً على قيام هذا الإتفاق، فشتان الفارق بين الاتفاق والتوافق، ولكل منهما إن وجد أثره على المسئولية الجنائية.. وهو ما لم يستظهره الحكم بشكل قويم.

وإن كان بين يدي الختام كلام فجدير أن نعرض لهذه الملاحظة عن الحكم الطعين، ومرد هذه الملاحظة فيما قاله الجاحظ "القلم احد اللسانين.." فالحكم بما سطر فيه تعبير عن قناعة جاء التعبير عنها كتابة، والمطلع على الحكم يتبين الله أن الحكم إنما أراد أن يخافت بمنطوق حكمه لا أن يجاهر به ويعلنه، وكأنه في قراراته غير مقتنع بما سيفضي اليه المنطوق، ومظهر هذا الخفوت حجم الخط الذي كتب به منطوق الحكم والذي يتصاغر كثيرا كثيراً عن باقي مدونات الحكم.. فالقلم أحد اللسانيين وصائغ الكلام

تم نسخ الرابط