ads
الأحد 22 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

         
أتعجب كل العجب من تجرؤ الناس على السؤال ـ وخاصة في هذه الأيام ـ فتجد بعض المحتاجين وغير المحتاجين يذهبون إلى الأغنياء الذين يخرجون صدقاتهم، ويطلبون منهم الصدقات، ثم يذهبون إلى غيرهم ويطلبون منهم... وهكذا، ولو دخلت إلى بيوت هؤلاء لوجدت في بيوتهم مؤنة تكفيهم لعام أو يزيد، ممن جمعوها من أيدي الناس، وعلى الرغم من ذلك لا يكتفون، ولا ينتهون عن السؤال. ونسي هؤلاء وربما جهلوا أن  نبي الأمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " لا يفتح الإنسان على نفسه باب مسألة، إلا فتح الله عليه باب فقر، يأخذ الرجل حبله فيعمد إلى الجبل، فيحتطب على ظهره فيأكل به، خير له من أن يسأل الناس معطى أو ممنوعا " ( رواه أحمد).
وإني والله كلما رأيت نماذج من هؤلاء الناس، ورأيت كيف يذلون أنفسهم في طلب صدقات ربما كانوا في غنى عنها، وكيف ينظر الناس إليهم نظرة تقليل واحتقار، خاصة عندما يأخذون الصدقة المحددة لهم، ثم يعودون ويدَّعون عدم أخذها للاستزادة من هذه الصدقات، وما يزيد حزني أنهم قد يرسلون أبناءهم الواحد تلو الآخر ليأخذوا جميعا ما ليس لهم، فيعرضون أولادهم للذل ويعودونهم على المسألة ومد اليد. أقول: إني كلما رأيت كل هذه المشاهد المحزنة، تذكرت جارتنا السيدة العفيفة المحترمة التي مات زوجها وترك لها أربع بنات، في مراحل تعليم مختلفة، وكانت كلما زارها أحد الجيران وقدم لها الصدقة وهي داخل بيتها معززة مكرمة، ردته بأدب وعزة وعفاف، وقالت له (ما دمت على قيد الحياة فلن يدخل جوف بناتي لقمة من الصدقة أبدا)، وأعانها الله تعالى وربت بناتها على الرغم من ضيق ذات اليد، وكان ينظر لها الجميع بكل تقدير واحترام، حتى إن الخُطَّاب كانوا يتزاحمون ويتسابقون لخطبة بناتها، لسيرتهن العطرة الطيبة.
وكأن هذه السيدة العفيفة كانت على علم بنصيحة نبينا العظيم للصحابي الجليل حكيم بن حزام، والذي يرويها بقوله: «سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المال فألْحَفْت، فقال: " يا حكيم، ما أنْكَر مسألتك! يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، وإنما هو مع ذلك أوساخ أيدي الناس ويد الله فوق يد المعطِي، ويد المعطِي فوق يد المعطَى، وأسفل الأيدي يد المعطَى " ( رواه أحمد).
ومن المؤكد أن هذه الجارة العفيفة كان لديها يقين بالله ـ عز وجل ـ وثقة فيما عنده، مدركة تمام الإدراك لحديث المصطفى ـ  صلى الله عليه وسلم ـ " ‌لو ‌أنكم ‌توكلتم ‌على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصا، وتروح بطانا "(رواه أحمد)
فتعففوا عن المسألة، وثقوا فيما عند الله، واحفظوا كرامتكم وكرامة أبنائكم، قبل أن يصدق فيكم قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم»(رواه البخاري) 

تم نسخ الرابط