الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

يوميات نائب في المدينة

مشهد عنبر الإستقبال لم يغب عن مخيلتى

القاضي سامح عبد الله
القاضي سامح عبد الله

تقول تعليمات النيابة أنه كلما كان من الممكن سؤال المجنى عليه فى جرائم الشروع فى القتل والضرب عموما فإنه من الأفضل لسير التحقيقات أن يسارع المحقق لسؤاله باعتياره الشاهد الأول فى الجريمة وهكذا اصطحبت سكرتير التحقيق وأحد معاونى الضبط القضائى وإتجهنا معا إلى المستشفى الرئيسى بالمدينة التي كنت أعمل بها وكيلا للنيابة.

كان المجنى عليه مصابا فى مشاجرة بطعن نافذ بالناحية اليسرى من الصدر وهى جرائم كانت تقع كثيرا بدائرة النياية التى كنت أعمل بها .

عنبر الاستقبال

اتجهنا إلى عنبر الإستقبال فأخبرنا الطبيب أن المصاب نقل إلى الطابق الرابع بالمستشفى وحالته مستقرة إلى حد يمكننى من سؤاله.

كنت ما زلت بعنبر الإستقبال وأنا أكاد لا أصدق أن هذا أول مكان يلتقى به المصاب داخل المستشفى وهو مغشيا عليه من أثر إصابته إن لم يكن بين الحياة والموت كما يقولون لكنها الإمكانيات كما قال لى الطبيب الشاب.

بالطبع كنت أعلم سوء الأحوال بالمستشفيات العامة لكن أن تضعك الأقدار فى قلب هذا المشهد فهذا شعور آخر.

صعدت إلى الطابق الرابع يرافقنا الطبيب إلى مكان تواجد المجنى عليه سألته وسط عنبر مكتظ بالمرضى وبعض الأسرة يتقاسمها مريضان !

"الإمكانيات والمشهد المحير لم أنساه"

كان مشهد محير وفي غاية التناقض ومرة أخري يلمح الطبيب ذلك الشعور علي وجهي ومرة أخري تكون الإجابة.. "الإمكانيات".

تلك الكلمة التي لانستطيع أن نحتج بها إلا في مواجهة الفقراء.

بضع أسئلة عقيمة عن محدث إصابته وبأي أداة وعدد الطعنات وقصد المتهم وأخيرا عن إفادة الشفاء.

كنت أسأل المجنى عليه وأنا أرقب المشهد الذي استحوذ علي ملكاتي أكثر من مجنى عليه يبدو أنه لا يختلف كثيرا عن المتهم إلا أن الأخير كان أسبق في أن يطعنه بسكين وطويت الأوراق وسرعان ما اتجهت إلي المصعد الذي يأخذني بعيدا عن مشهد كانت فيه المأساة في أوج صورها.

لقد جئت إلي هنا أبحث عن العدالة وإنزالا لنص مادة بتعليمات النيابة بينما مشهد عنبر الإستقبال لم يغب عن مخيلتى وكان صوت أنين المرضى يفوق صوت العدالة !

تم نسخ الرابط