أقرر ابتداء أن التصوف صرح عظيم كان له أثره وجهده ودوره في حضارتنا ومسارنا الإيماني، بل له أثره الباهج والمشرف في تاريخ الإسلام ووجوده، وملاحمه الجهادية ضد أعداء الملة، وإن أي محاوله لطمس نوره وإلغاء وجوده هي طور فادح من الجهل والظلم والتفريط.
ولكن هذا الإيمان وهذا الفهم الذي رزقنا الله تعالى إياه، هو ذاته نفس الإيمان واليقين الذي نواجه به أدعياء التصوف والمنتسبين إليه زورا، والراكبين مراجله لتحقيق مآرب الزيف والتزلف، واستخدام أركانه لتثبيت عماد البدع والمنكرات، وشغل الرأي العام عن قضاياه وأحداثه المصيرية ومستقبل الأمة والإسلام.
تعجب أشد العجب وتضحك أكبر الضحك، وأنت ترى شيخا صوفيا كل يوم يرميك بالضلال والبدعة والخرافة والباطل، ثم يخرج علينا ليقول:
( وجب على من أراد القراءة في التصوف أن يتعلم الفقه أولا، ليعرف الأحكام الشرعية، لأن معرفة التصوف مرحلة تالية على العلم الشرعي، فالتصوف بيت له باب، وباب التصوف العلم الشرعي)
وما أن تسمع هذا الكلام حتى تهلل وتكبر وتصفق بيديك من الاعجاب، ثم تقول بملء فيك لقائل هذه العبارات: فتح الله عليك أيها الشيخ وزادك من فضله، فما أحوج التصوف لأمثالك.
ثم لا تلبث إن كانت بك مسحة من علم، وقدر لك أن تتابع دروس هذا الشيخ، لتجده غارقا في الأخطاء الشرعية، موغلا في المحاذير العلمية، التي ترتقي أحيانا إلى هدم ثوابت الدين وأركانه.
فعلام إذن أعلم الرجل من حوله بأن العلم بالشرع يسبق التصوف، وأنه الاساس لكل من يريد أن يسلك طريق القوم؟!
كيف يقول مثل هذا الكلام، ثم يخرقه بهذا الخرق الفاحش المبين؟
وهنا نأتي للقول والبيان.
إن هذا الذي تراه هو ديدن كثير من أدعياء التصوف اليوم، يقوم أحدهم على الملأ ليعلن أن الأصل في طريقه هو العلم، وأن تصوفه مبناه على اتباع الشرع، مجرد إعلان تسويقي تروجي ليس له من صلب الحقيقة شيئا، مجرد تصريح براق ليخدع به من حوله، ويضرب به طمأنينة من يقبلون عليه من المرتابين السذج.
كلام مريح مطمئن مبشر، لكنني أعلمك اليوم وأحذرك أن تنخدع بمثل هذا الكلام البراق حتى تنظر حال هذا المدعي وقوله وعمله، انظر إليه بعين الناقد المتبصر، حتى يأتيك اليقين، لتعرف إن كان فعلا قد شاد طريقه على العلم والفقه أم على الجهل والبدع؟
وهذا حال من لديه شيء من العلم يستطيع أن يميز به، أما الجهال قليلي العلم فما أضيعهم أمام هذا الحديث البراق.
وقائل هذا الكلام هو المدعو يسري جبر، وهو نفسه ذات الرجل الذي خرج علينا بنكرات من الأقوال ليس لها في دين الله نصيب ولا سناد.
أقوال تضرب أسس العقيدة والدين، بل كان للرجل يوما حلقة، يطعن فيها في شيخ الاسلام ابن تيمية، ولا أعلم رجلا يطعن في شيخ الإسلام إلا أحد رجلين، إما جاهل موغل في الجهل، وإما خصم لدود صاحب بدعة وهوى، وأظنه من الطراز الأول.
فقد كان كلامه عن شيخ الاسلام ونشأته يوحي بقدر عظيم من الجهل، وطاقة هائلة من البلاهة، التي لا تعرف من هو ابن تيمية.
وأنا هنا لست سلفي لي خصومة ناكرة مع التصوف وأهله، بل انا منهم وأقر طريقهم، لكنني مؤمن بضياعه على يد من ينتسبون له زورا
ولعل يسري جبر أن يرجع في هذا إلى ما كتبه شيخه علي جمعة عن الامام ابن تيمية، قبل ان يتحول هذا التحول المعيب، حينما قدم لموسوعة فقه المعاملات في فقه ابن تيمية، فكتب عنه حتى أوشك أن يجعله من الأنبياء، وأوحد الدنيا في العبقرية والنبوغ.
إن هذا القول الذي نطق به جبر هو هو قولة حق أريد بها باطل.
وأنك إذا رأيت كثيرين ممن يتشدقوا بها، فلا تسلم لهم حتى ترى حالهم وعملهم، فهم ما أرادوا إلا التلبيس عليك وخداعك باسم العلم الشرعي.