ads
الأحد 24 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

لا تنزعجوا، ولكن استعدوا بعلم نقد الاستشراق والتغريب

**انتفضت مواقع التواصل الاجتماعي ضد الكيان الذي سمي نفسه  بـ "تكوين" ورغم ان ما صدر عن هذا التكوين فيديوهات قليلة وتصريحات وليدة، ولكنها كاشفة للرؤية والرسالة التي يتبناها كل أعضاء هذا التنظيم الكلامي الجديد القديم! وهي وإن أفزعت المجتمع إلا انها أفكار وقضايا قديمة أثارتها اتهامات لبست ثوب اهتمامات الغرب بالشرق في حقبة الاحتلال التاريخيّ الذي احتل البلاد الإسلامية في الشرق مقتسما ثرواتها ومواردها بين إنجلترا في الهند وقلب الشرق الاوسط وجنوب افريقيا وفرنسا وإيطاليا في شمال ووسط وغرب أفريقيا وألمانيا في شرق وجنوب أفريقيا والبرتغال واسبانيا في الغرب والجنوب.. الخ .

 هذا الاحتلال أدرك انه ليس كافيا احتلال هذه الشعوب عسكريا، ولكن يجب احتلال نفوسها وتمييع عقيدتها إذا اعتبروا أن الإسلام عقبة أمام انتشار حضارتهم، بل هي العقبة الكبرى!

فما الحكاية؟!

**بدأت الأندلس بالسقوط الكبير الذي أخلاها من الحكم الإسلامي، وتحديدا يوم 2 يناير/كانون الثاني 1492 (897 هجرية) انتهى وجود المسلمين بالأندلس مع سقوط مدينة غرناطة في القرن الخامس الميلادي وبعدها بثلاثة قرون وفي اطار ضعف الخلافة العثمانية (وليس المقام هنا للحديث عنها سلبا او ايجابا) ضَعُف الشرق بما فيه من دول إسلامية وتخلف بعد ان كان متقدما (وليس المقام هنا لمناقشة الاسباب لهذا الضعف) دارت دورة الزمان وغزى الغرب واحتل دول المشرق ومنها العالم العربي والإسلامي، ومع هذا الاحتلال ونهب الثروات وما تلاها من تبعية فكرية لأفكار وحضارة المحتل المنتصر بدأ علم الاستشراق Orientalism بطريقة منهجية لدرجة انه علي نطاق واسع جدا جدا يتم تدريسه في الجامعات الغربية والأمريكية 

وممن اهتموا بدراسة موضوع الاستشراق

- ادوارد سعيد الناقد والمفكر الفلسطيني-الأمريكي،

**كتب ادوارد سعيد حول هذا الموضوع، فهذا الرجل الذي ألف كتبا كثيرة حلل من خلالها اهتمام الغرب بالشرق ومن أهم كتبه التي تعلق بها المفكرون المسلمون وانتقدها المستشرقون كتابه الشهير: "الإستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء"، وله كتاب أخر لا يقل أهمية بعنوان: "تغطية الإسلام"، سعى من خلالهما الى توضيح محاولة تغطية الغرب للجوانب الإيجابية والمشرقة للإسلام بحقائق أخرى.

**و يعتبر إدوارد سعيد أبرز من حلل علم الاستشراق تحليلا علميا، بحيث صبر على الاستشراق حتى نما واكتمل. من هنا سهُل عليه معالجته داخل مختبر مخيلته الذي يتكون من: اللغة الإنجليزية، المنهج التحليلي، الاستاذية الأكاديمية والاكتمال والنضج كما أشار إلى ذلك الأستاذ محمد خروبات في كتابه القيم حول الاستشراق، ومماذكره.. وبالتالي كل من أدلى بدلوه في هذا الموضوع من بعده لم يصل إلى ما وصل إليه ادوارد سعيد من نتائج!!

إدوارد سعيد، قد اعتبر الاستشراق مشروعًا ناجحًا بالنسبة للغرب وخاسرًا بالنسبة للشرق. وقد أشار إلى أنه لا يوجد استشراق موضوعي أو إيجابي، واعتبر الاستشراق إيديولوجيا تخدم مصالح القوى الغربية.

** من وجهة نظر سعيد، قد يكون هناك بعض الجوانب الإيجابية في الاستشراق، مثل جمع المخطوطات وتحقيقها، وترجمتها وإنشاء المعاجم والفهارس. ولكنه أشار إلى أن هذه الجوانب الإيجابية لا تعتبر استشراقًا موضوعيًا، بل تخدم مصالح الاستعمار والهيمنة الثقافية. وأشار  سعيد إلى أن هناك اعتداءات على المخطوطات القيمة وتحريفها واحتجازها في المكتبات الغربية، وربما تم تدميرها خلال الحروب العالمية الأولى والثانية.

ويشير ادوارد سعيد الى كلا من ليون فانتاني ومكسيم رودنسون الأول ألف كتابا عنوانه "المصيبة الإسلامية" يتعجب فيه من تحول الكثيرون من النصرانية الي الإسلام، والثاني ألف كتابا عنوانه "جاذبية الإسلام". وغيرهم الكثيرين ممن اعتبروا الإسلام دين يجب محاربته لأنه يقف عقبة أمام انتشار حضارتهم.

**كانت مداخل المستشرقين إلى التراث الإسلامي متعددة ومتنوعة كما يفعل كيان التكوين الان فبدأوا على العكس من "تكوين" بالقرآن بصفة خاصة اثناء رحلة البحث في التراث، بل ان المستشرق "رودي بارت" فسر القرآن من معجم بسيط كان يملكه! اما المستشرق   casanova   كازانوفا ، فقد ذهب  الى الجزم بالاعتقاد بأن القرآن لم يجمعه النبي كما نعرفه اليوم قيد حياته، لأنه كان يتوقع قرب نهاية العالم مستدلا بالآية: (اقتربت الساعة وانشق القمر)! .... وغير ذلك من الأفكار التي نسجوا لها وجودا وتفسيرا فأي افتراء هذا وما هذه الأوهام الواهية؟! دون مراجع موثقة في التاريخ والتراث،  قد غفلوا عنها بنية مغرضة وبلا موضوعية حقيقية. ويمكن هنا الرجوع لكتاب الأستاذ/ نجيب العقيقي "المستشرقون" لمعرفة مساهمتهم وترجماتهم وأطروحاتهم بالتأريخ والتحديد لكل مستشرق على حده.

**وعلي مر الدراسات وتعددها وقع الكثير من  المستشرقين في أوهام متعددة، منها ادعاء برودلي، أن زيد بن ثابت، عندما كلفه أبو بكر الصديق بجمع القرآن في مصحف واحد، كان يقوم بإخراج الرقاع من الصندوق وكتابة الوحي دون اعتبار للترتيب الزمني! وقد رد الأستاذ محمد خروبات على هذا الادعاء بتوضيح أن الطريقة التي اقترحها برودلي تفتقر إلى الدقة العلمية، وأن الصندوق الذي ذكره برودلي هو صندوق بودلي المعروف بالإبداع والتخيل، وليس صندوقًا حقيقيًا.

بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما يقع الباحث الغربي المهتم بالمجال الإسلامي في بعض الأخطاء نتيجة لعدم فهمه لمفهوم السند في علم الحديث، حيث حصن علماء الحديث هذا العلم بالتركيز على السند والضبط، والعدالة، وعلم الجرح والتعديل. ولولا هذه العلوم لكثرت الاضطرابات والتشكيك في الحديث. وقد أشار ابن المبارك إلى هذا الأمر عندما قال: "لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء".

يتبع ….

تم نسخ الرابط