السبت 27 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

طبقاً للقانون رقم 1 لسنة 2024

وضع المحكوم بإعدامه من محكمة جنايات أول درجة الذي لم يستأنف حكمه

مطرقة المحكمة
مطرقة المحكمة

المحكوم بإعدامه من محكمة جنايات أول درجة، الذي لم يطعن على الحكم الصادر ضده، بأي طريقة من طرق الطعن، هل سيتم عرضه مباشرة على محكمة النقض، أم يتم نشوء طريق جديد طبقا للقانون 1 لسنة 2024 بإلزام النيابة العامة بعرض القضية على محكمة الجنايات المستأنفة، أسوة بما هو عليه الحال طبقا للقواعد العامة والتي تلزم النيابة العامة بعرض القضية على محكمة النقض للفصل فيها.

القاضي دكتور حسام فتحي رئيس النيابة بنيابة النقض، أوضح في بحثه المتداول أن المشرع وضع عقوبة الإعدام كعقوبة مقررة في بعض الجنايات يمكن لـ القاضي الجنائي أن ينزلها كعقاب على المتهم عند ارتكابه الجريمة المعاقب عليها بتلك العقوبة، وحيث أن الوضع المقرر بالنظام القانوني المصري قبل صدور القانون رقم 1 لسنة 2024 هو التقاضي في الجنايات على درجة واحدة - ولا تعد إعادة المحاكمة في حالة صدور الحكم غيابياً طريق من طرق الطعن أو تقاضي على درجتين - ومن ثم فإنه بمجرد صدور محكمة الجنايات حكماً بالإعدام فإنه يختلف الأمر بين الحكم الذي قرر المحكوم بإعدامه استئنافه وذلك الذي لم يقرر استئنافه سواء هو أو النيابة العامة  ، ففي حال استئنافه فإن الأمر بالنسبة للحكم الصادر بالإعدام من محكمة جنايات ثاني درجة لا يعد طبقاً للقانون الجديد مسبباً لأي إشكاليات بالنسبة لطرق الطعن وعرض القضية على أية محكمة لكون الطريق الذي سيكون متبعاً في تلك الحالة هو التقاضي على درجتين ثم عرض القضية على محكمة النقض سواء طعن المحكوم بإعدامه أم لم يطعن ، وبالنظر لذلك التسلسل الإجرائي فإنه يكون مقبولاً لكون عرض القضية على محكمة النقض والتي هي في الأساس محكمة قانون وإن كان المشرع قد استحدث لها بعض الحالات التي تنظر عندها الموضوع إلا أنها تبقى محكمة قانون وهي آخر المطاف في الدعوى الجنائية فمن غير المتصور اللجوء اليها إلا إذا استنفد الخصوم الطرق العادية كما هو عليه الحال في الجنح إذ أنه لا يجوز اللجوء للطعن بالنقض طالما لازال طريق المعارضة مفتوحاً أو كان الحكم ليس نهائياً ولم يصدر من محكمة آخر درجة ، ومن ثم فإنه في حالة كان الحكم صادراً من محكمة جنايات ثاني درجة يكون الحكم قد استنفد طرق الطعن العادية ويضحى اللجوء لمحكمة النقض سواء للطعن امامها على الحكم أو لعرض القضية حال لم يقرر المحكوم بإعدامه بالطعن .

وضع المحكوم بإعدامه من محكمة جنايات أول درجة الذي لم يتم استئناف حكمه 

إلا أن الأمر مختلف تمام الاختلاف حال عدم استئناف الحكم الصادر بالإعدام من محكمة أول درجة فعندها من المفترض وطبقاً للقواعد العامة يتم اللجوء لمحكمة النقض وتقوم النيابة بعرض القضية عليها، إلا أن ما يجب الوقوف عنده هو ما هي العلة التشريعية التي جعلت المشرع ينشأ ذلك الطريق حال عدم الطعن على الحكم الصادر بالإعدام ؟

والحقيقة أن الإجابة ستكون بالطبع أنها ضمانة للمحكوم بإعدامه بأن يتم عرض الأمر على المحكمة العليا التي تعد قمة الهرم القانوني بالنسبة للقضاء العادي سواء بالنسبة للجنايات أو الجنح ، وهي في الأساس كما سبق القول محكمة قانون وتنظر في الموضوع في حال أن رأت نقض الحكم بالإضافة الى سلطاتها في تخفيف العقوبة بإعمال المادة 17 من قانون العقوبات.

فإذا ما اتفقنا على كون أن هذه هي العلة من عرض القضية على محكمة النقض حتى لا يتم تنفيذ الإعدام الا بعد أن يكون المحكوم بإعدامه ولو لم يطعن قد عُرض أمره واوراق قضيته على محكمة النقض ، وبالطبع فإنه تبقى العلة موجودة طبقاً للقانون الجديد رقم 1 لسنة 2024 فهي أصبحت ضمانة إضافية لذلك المحكوم بإعدامه سواء إذا ما صدر الحكم من محكمة جنايات ثاني درجة " محكمة الجنايات المستأنفة" أو كان الحكم صادراً من محكمة جنايات أول درجة ولم يتم استئنافه إلا أنه في تلك الحالة الأخيرة يبدو الأمر مستغرباً بعض الشئ ، أليس من التعجل اللجوء للمحكمة الأعلى التي هي محكمة قانون قبل اللجوء لمحكمة الجنايات المستأنفة ؟

أليست العلة التشريعية التي وقفت وراء عرض القضية على محكمة النقض ولو لم يطعن المحكوم بإعدامه هي ذاتها التي تقف وراء عرض القضية على محكمة الجنايات المستأنفة باعتبارها محكمة موضوع ؟

فكيف يتم التغاضي عن اللجوء لمحكمة ثاني درجة في تلك الحالة والتوجه لمحكمة النقض بعرض القضية عليها لاسيما وأنه من المحتمل الغاء عقوبة الإعدام من محكمة الجنايات المستأنفة وبالتالي قد لا ينتهي الأمر بعرض القضية على محكمة النقض ، فكما هو محتملاً تغليظ العقوبة على المحكوم عليه بتوقيع عقوبة الإعدام كما لو استأنفت النيابة حكم أول درجة فأنزلت محكمة الجنايات المستأنفة عقوبة الإعدام أو تخفيف عقوبة الإعدام كما لو استأنف المحكوم بإعدامه فإنه من المحتمل والوارد إلغاء تلك العقوبة ، فما المبرر الذي يقف وراء عرض القضية على محكمة النقض التي صدر بها حكم بالاعدام من محكمة جنايات أول درجة دون أن يقرر المحكوم بإعدامه بالطعن أليس ذاته المبرر الذي يقف وراء توفير ضمانة أخرى أسوة بمن تمكن من الاستئناف ونظرت محكمة الجنايات المستأنفة قضيته ؟

وضع المحكوم بإعدامه من محكمة جنايات أول درجة الذي لم يتم استئناف حكمه 

الموضوع:

نصت المادة 96 من الدستور المصري لسنة 2014 على أن" المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة ، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وينظم القانون استئناف الأحكام الصادرة فى الجنايات، وتوفر الدولة الحماية للمجنى عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء ، وفقاً للقانون .

وهو ما حدا بالمشرع بصدور القانون رقم 1 لسنة 2024 لوضع القواعد والأحكام الخاصة باستئناف الجنايات ، وهو طريق طعن عادي متبع في الجنح والمخالفات إلا أن اتباع هذا الطريق في الجنايات قد اتبعه بعض القواعد الجديدة التي تسترعي الانتباه لا سيما بالنسبة للأحكام الصادرة بالإعدام وأهمها حكمي المادتين 381 و 419 مكرراً 8 من القانون 1 لسنة 2024.

أولاً: الإجراءات المتبعة في نظر موضوع استئناف الحكم الصادر بالإعدام 

المادة (٣٨١):

"تتبع أمام محاكم الجنايات بدرجتيها جميع الأحكام المقررة فى الجنح ما لم ينص على خلاف ذلك .

لمحكمة الجنايات بدرجتيها أن تصدر حكما بالاعدام إلا بإجماع آراء أعضائها، ويجب عليها قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأى مفتى الجمهورية، ويجب إرسال أوراق القضية إلـيه، ويتعين عليه فى جميع الأحوال أن يرسل رأيه إلى المحكمة قبل جلسة النطق بالحكم بفترة كافية، فإذا لم يصل رأيه إلى المحكمة قبل التاريخ المحدد للنطق بالحكم، حكمت المحكمة فى الدعوى .

وفى حالة خلو وظيفة المفتى أو غيابه أو قيام مانع لديه، يندب وزير العدل، بقرار منه من يقوم مقامه.

ولا يجوز الطعن فى أحكام محكمة الجنايات المستأنفة إلا بطريق النقض أو إعادة النظر ."

نص المشرع في القانون رقم 1 لسنة 2024 المُعدل لقانون الإجراءات الجنائية على الطريق المتبع بشأن الأحكام الصادرة بعقوبة الإعدام بعد إنشاء طريق طعن جديد للأحكام الصادرة بشأن الجنايات ليصبح طبقاً للقانون الأخير ، ليصبح كالتالي:

وهو الوضع المستحدث طبقا للقانون الجديد الذي أخضع كافة الجنايات دون استثناء للطعن بالاستئناف وبذلك يكون قد أنشأ طريق من طرق الطعن العادية بالنسبة للجنايات على غرار الجنح .

فحسبما نصت المادة 381 من القانون رقم 1 لسنة 2024 فإنه تتبع أمام محاكم الجنايات بدرجتيها جميع الأحكام المقررة فى الجنح ما لم ينص على خلاف ذلك .

بإنشاء طريق لاستئناف الجنايات فإن الحكم الصادر بالإعدام أضحى جائزاً استئنافه ، وتنطبق عليه ما ينطبق على الجنايات الا أن القانون قد وضع التزامات على محكمة الجنايات فيما قبل تعديل القانون الأخير للحكم بالإعدام وهي في ذاتها ضمانات للمتهم ومن بينها إحالة الأوراق الى مفتي الجمهورية وصدور الحكم بالإعدام إجماع آراء أعضاء هيئة المحكمة وهي التزامات سبق ونص عليها المشرع في قانون الإجراءات الجنائية قبل تعديله بالقانون 1 لسنة 2024  ، وحرص المشرع على تأكيد ذلك الالتزام والضمانة  ونص صراحة على التزام محكمة الجنايات المستأنفة به، وإلا أضحى الحكم باطلاً ويضحى الحال مماثلاً لبطلان الحكم بالإعدام الصادر من محكمة الجنايات فيما قبل تعديل القانون والقضاء بنقضه كما هو مقرر بقضاء النقض.

ثانياً: التقاضي على درجة واحدة للأحكام الحضورية الصادرة بالإعدام دون استئنافها:

نصت المادة (٤١٩ مكررا ٨) من قانون الإجراءات الجنائية المعدل:

"إذا كان الحكم صادرا حضوريا بعقوبة الإعدام، ولم بجر استئنافه خلال الميعاد المقرر قانوناً، وجب على النيابة العامة اتباع حكم المادة ٤٦ من قانون حالات وإجراءات الطعن أما محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ ."

أصبحت القاعدة الجديدة الواجبة الاتباع هي استئناف الجنايات الا أن هناك إشكالية قد تنشأ بتطبيق المادة 419 مكرراً 8 من هذا القانون إذ أن المادة المذكورة قد أوجبت على النيابة العامة اتباع حكم المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أما محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ النص المعدل:

      مع عدم الإخلال بالأحكام المتقدمة ، إذا كان الحكم صادرا حضوريا بعقوبة الإعدام يجب على النيابة العامة أن تعرض القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها فى الحكم ، وذلك فى الميعاد المبين بالمادة (34) وتحكم المحكمة طبقا لما هو مقرر فى الفقرة الثانية من المادة (35) والفقرة الثانية من المادة (39).

وضع المحكوم بإعدامه من محكمة جنايات أول درجة الذي لم يتم استئناف حكمه 

وبالتالي فإن الحكم الصادر بالإعدام  من محكمة جنايات أول درجة  سوف يتم عرضه مباشرة على محكمة النقض دون عرض الامر على محكمة الجنايات المستأنفة وذلك شريطة ألا يتم استئنافه خلال المواعيد المقررة قانوناً طبقاً للمادة 419 مكرراً 4 من القانون 1 لسنة 2024 وهي أربعون يوماً للنيابة والمتهم وستون يوماً للنائب العام ، وبفوات ذلك الميعاد تقوم النيابة بعرض القضية على محكمة النقض حسبما هو متبع في ذلك الشأن ، إلا أنه بتطبيق ذلك الطريق الذي يعد قد تغاضى عن احدى درجتي التقاضي المنشأة حديثاً وهي محكمة الجنايات المستانفة فسوف نكون بصدد حكم صادر من محكمة أول درجة يُعرض مباشرة على محكمة النقض خلافاً للقواعد والمبادئ المستقرة بشأن عدم جواز الطعن بالنقض على الاحكام الصادرة من محكمة أول درجة ، وهنا يُثار القول بشأن ما إذا كان من المفترض طبقاً للضمانات الدستورية للمتهم المحكوم عليه بالإعدام أن يتم عرض القضية على محكمة الجنايات المستأنفة إذ أنها من المفترض أعلى درجة وبعرض القضية عليها قد يكون هناك مساواة بين المحكوم عليه بالاعدام والمحكوم عليه بعقوبة أخرى الذي تمكن من الطعن بطريق الاستئناف ، فالغاية التي تغياها المشرع فيما مضى بعرض القضية على محكمة النقض لتوفير للمحكوم عليه بالاعدام كافة الضمانات قبل تنفيذ تلك العقوبة وحتى حال عدم تقريره بالطعن بالنقض أو عدم قبول طعنه شكلاً هي ذاتها التي تقف وراء عدم تفويت احدى درجتي التقاضي ونشأة وضع جديد لم يعرض من قبل بعرض القضية الصادر بها الحكم بالاعدام من محكمة جنايات أول درجة على محكمة النقض .

فجاء بقضاء النقض:

من حيث إن النيابة العامة عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها خلصت فيها إلى طلب إقرار الحكم فيما قضى به حضورياً من إعدام المحكوم عليه .... إعمالاً لنص المادة ٤٦ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ وموقعاً عليها بتوقيع غير مقروء منسوب للأستاذ .... رئيس النيابة الكلية ودون إثبات تاريخ تقديمها ليستدل منه على مراعاة ميعاد الستين يوماً المحدد في المادة ٣٤ من هذا القانون ، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد وعدم التوقيع على المذكرة بتوقيع مقروء لمحام عام على الأقل وفقاً للتعديل الوارد على المادة سالفة البيان بالقانون رقم ٧٤ لسنة ٢٠٠٧ وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة العامة بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بمبنى الرأي الذي ضمنته النيابة العامة مذكرتها ما عسي أن يكون قد شاب الحكم من عيوب يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة العامة قد تم في الميعاد المحدد أو بعد فواته أو تم بمذكرة لم تستوف بعض أوضاعها الشكلية ، ومن ثم فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية شكلاً .

"نقض جنائي س ۷۰ جلسة ٢ / ١١ / ٢٠١٩ ق ۸۱ ص ۷٤٥ بند 19"

فالأوضاع الشكلية غير معتبرة حال الحكم على متهم بالإعدام سواء بطعن المحكوم عليه بالنقض وهو أمر غير متطلب من الأساس لعرض القضية على محكمة النقض وكذلك طعن النيابة التي حتى وان خالفت الأوضاع والإجراءات الشكلية فإن محكمة النقض ستنظر القضية في كافة الأحوال، وهو ما كان يقتضي عرض القضية على محكمة الجنايات المستأنفة لكون الحكم بالإعدام ليس بالأمر الهين فالعلة التي وقفت فيما مضى وراء عرض القضية على محكمة النقض دون رغبة المحكوم بإعدامه ودون التقيد بالأوضاع الشكلية هي ما تقف وراء منحه فرصة أخرى لإبداء دفاعه لاسيما الموضوعي منه أمام محكمة الجنايات المستأنفة الأعلى درجة من محكمة جنايات أول درجة طبقا للوضع المستحدث.

ورغم أنه فوات مواعيد التقرير بالاستئناف فإن الحكم يضحى  نهائياً -طبقاً للقانون الجديد الذي طبق على تلك الجنايات إجراءات الجنح - إلا أن عرض حكم محكمة أول درجة على محكمة الجنايات دون إعطاء المحكوم بإعدامه فرصة أخرى لنظر موضوع القضية هو استثناء غير مبرر حتى مع عدم استئنافه .

ولا يمكن بحال من الأحوال اعتبار محكمة النقض عوضاً عن محكمة ثاني درجة، فحسبما جاء بقضاء محكمة النقض : فضلاً عن أن هذا التصرف من جانب المحكمة ينطوي على إخلال بحق الطاعن في الدفاع يعيب حكمها المطعون فيه بما يوجب نقضه والإعادة حتى تتاح له فرصة إبداء دفاعه على الوجه المعتبر قانوناً ، ولا يغير من القضاء بإعادة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته أن يكون الحكم قد صدر بعد تعديل المادة ٣٩ من القرار بقانون رقم ٥٧ لسنة ۱۹٥٩ في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - المستبدلة بالقانون رقم ۱۱ لسنة ۲۰۱۷ - والتي تنص على أنه " ... وإذا كان الطعن مبنياً على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه تنقض المحكمة الحكم وتنظر موضوعه ... " . إذ إن نظر محكمة النقض موضوع الدعوى لا يكون إلا بعد محاكمة المتهم وفق قواعد المحاكمة المنصفة إعمالاً لموجبات الدستور والقانون تكفل له حق الدفاع عن نفسه ومجابهة الأدلة القائمة قبله، فضلاً عن أن ما تردى فيه الحكم يعد إخلالاً جسيماً بحق الدفاع أسلس إلى بطلان إجراءات المحاكمة التي تمت بمعاقبة الطاعن على أساس واقعة لم تكن مرفوعة بها الدعوى عليه - والتي قد يثير الطاعن جدلاً بشأنها وإبداء دفاعه كاملاً بخصوصها - ، ومن ثم لا يعتد بتلك المحاكمة كدرجة تقاضي على هذا النحو ، ولا يجوز معه لهذه المحكمة - محكمة النقض - تصحيح هذا البطلان ؛ لما في ذلك من تفويت لتلك الدرجة على المحكوم عليه ، مما يستوجب أن يكون النقض مقروناً بالإعادة ، وهو الأمر الذي يبين حرص المشرع عليه كذلك مما قررته المادة ٤٤ من القرار بقانون سالف البيان والتي نصت على أنه إذا كان الحكم المطعون فيه صادراً بقبول دفع قانوني مانع من السير في الدعوى أو صادراً قبل الفصل في الموضوع وأنبنى عليه منع السير في الدعوى ونقضته محكمة النقض أعيدت القضية إلى المحكمة التي أصدرته للحكم فيها من جديد مشكلة من قضاة آخرين ..... إذ إن المشرع وخروجاً على القاعدة الحاكمة لمحكمة النقض عند نقض الحكم ونظرها موضوعه بموجب المادة ٣٩ سالفة البيان نص صراحة في الحالتين اللتين تناولتهما المادة ٤٤ سالفة البيان عند نقض الحكم المطعون فيه وجوب إعادة القضية إلى المحكمة التي أصدرته للحكم فيها من جديد مشكلة من قضاة آخرين ، وكان ذلك حرصاً من المشرع على عدم تفويت درجة من درجات التقاضي على المتهم ، وهو الأمر الذي يتحقق ذاته في الحالة الماثلة ، إذ إن تصدي محكمة النقض لنظر الطعن الماثل فيه تفويت درجة تقاضي على المتهم ومساس بحق من الحقوق العامة التي كفلها الدستور للمتهم ، وهو حق التقاضي دون مبرر أو سند من القانون أو الدستور ، فضلاً عن عدم توافر ضمانات حق الدفاع وإجراءات المحاكمة العادلة ، وهو الأمر الذي تأباه العدالة أشد الإباء وكذلك المشرع ذاته . لما كان ما تقدم ، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة .

الطعن رقم ۱٥۷٤۹ لسنة ۹۱ ق جلسة ٦ / ٣ / ٢٠٢٣ )

فمحكمة النقض في الأساس محكمة قانون وإن كان طبقاً للمادة ٣٩ من القرار بقانون رقم ٥٧ لسنة ۱۹٥٩ في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - المستبدلة بالقانون رقم ۱۱ لسنة ۲۰۱۷ - والتي تنص على أنه " ... وإذا كان الطعن مبنياً على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه تنقض المحكمة الحكم وتنظر موضوعه ... " أضحت تنظر موضوع الطعن حال نقضه إلا أن ذلك لا يمكن اعتباره درجة للتقاضي وانما سلطتها تقتصر حال نقض الطعن ، والتوسع في هذا الشأن قد يعوقها عن أداء رسالتها السامية في الفصل فيما هو معروض عليها من طعون ، وتبقى الحاجة للمحكوم بإعدامه في درجة ثانية للتقاضي في الموضوع ، ونص المادة محل البحث لأول وهلة قد يوحي بأن الإحالة مبتغاها عرض القضية على محاكم الجنايات المستأنفة أسوة بالعرض على محكمة النقض الا أن ألفاظه صريحة واضحة في أن المقصود انما هو جعل الطريق مبتسراً الى محكمة النقض والتعجيل بإنهاء الدعوى وتنفيذ الحكم وهي غاية وأن كانت حميدة في بعض الجرائم البشعة التي قد تؤرق الرأي العام الا أنها قد تشكل اهداراً لحق المحكوم بإعدامه في التقاضي على درجتين .

وضع المحكوم بإعدامه من محكمة جنايات أول درجة الذي لم يتم استئناف حكمه 

فضلاً عما قد أنشأه القانون الجديد من حظر قبول المرافعة وتمثيل المتهم أمام محكمة الجنايات المستأنفة من المحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية وهو ما جعل هناك فارقاً بين تمثيل المتهم امام محاكم أول درجة ومحاكم ثاني درجة أي الجنايات المستأنفة 

إذ نصت المادة   (٣٧٧) على أن المحامون المقبولون للرافعة أمام محاكم الاستئناف أو المحاكم الابتدائية

يكونون مختصين دون غيرهم بالمرافعة أما محكمة جنايات أول درجة، ولا تقبل المرافعة أما محكمة الجنايات المستأنفة إلا من المحامين القبولين للمرافعة أمام محاكم الاستئناف .

وبالتالي فإنه بتطبيق المادة المذكورة قد يتم مثول محام مع المحكوم بإعدامه مقيد أمام المحاكم الابتدائية دون إتاحة الفرصة له امام محاكم الجنايات المستأنفة لمثول محام مقيد أمام محاكم الاستئناف معه.

وهو الامر الذي يتضح معه بأن نشأة طريق لاستئناف الأحكام الصادرة في الجنايات يعد في ذاته ضمانة للمحكوم عليهم إلا أنه بالنسبة للمحكوم بإعدامه فإن رغبته في التقرير بالاستئناف أو عدم وجود محام معه يمكنه من سلوك ذلك الطريق قد يحول من استفادته من التقاضي على درجتين .

ولا يمكن معه تجنب ذلك بالقول بأن للنيابة العامة استئناف الحكم ولو مصلحة القانون التي قد تكون للمحكوم بإعدامه كإنزال العقوبة خطأ إذ أن الواقع العملي قد يحول دون قيام النيابة بذلك العبأ مع كثرة القضايا لاسيما وأن ذلك الطريق يخضع للمواعيد المقررة قانوناً فاستئناف النيابة الذي يخضع لرغبتها المحضة وللقواعد الشكلية المقررة قانوناً قد لا يتيح للمحكوم بإعدامه الذي لم يقرر بالاستئناف بالتقاضي على درجتين.

وأخيراً فإن الغاية التشريعية التي وقفت حيال الإقرار بضرورة عرض القضية الصادر فيها الحكم بالإعدام على محكمة النقض قد تتوافر كذلك بضرورة إلزام النيابة باستئناف الحكم الصادر بالإعدام حتى ولو لم يطعن المحكوم بإعدامه على الحكم بالاستئناف وذلك لإعطائه فرصة أخرى للنظر في موضوع القضية من قبل محكمة الموضوع وهي محكمة الجنايات المستأنفة وهي محكمة أعلى درجة ، وكذلك لعدم خلق وضع شاذ لم يعهده النظام القانوني المصري من الناحية الإجرائية وهي نظر محكمة النقض لحكم صادر من محكمة أول درجة - بعرض القضية عليها أو حتى بتقرير المحكوم بإعدامه بالطعن بالنقض بجانب عرضها من قبل النيابة العامة – دون محكمة الجنايات المستأنفة التي تعد نهاية المطاف بالنسبة للدعوى الجنائية التي محلها جناية ، فالغاية التي ألزمت محكمة النقض بتلك القضايا هي التي تقف وراء إلزام محكمة ثاني درجة "الجنايات المستأنفة" وهي محكمة موضوع بأن تبدي رأيها في الموضوع ، والغاية التي ألزمت النيابة بعرض القضية الصادر بشأنها الحكم بالإعدام هي  التي تقف وراء إلزامها بأن تستأنف ذلك الحكم ابتداءً لاسيما وأن احتمالية الغاءه واردة ومحتملة مما مفاده أن طريق الاستئناف لقضايا الجنايات الصادر بشأنها حكم بالإعدام -كغيرها من القضايا- كما قد يؤدي الى تأييد الحكم بالإعدام فإنه قد يؤدي الى الغاء الحكم بالإعدام سواء باستبداله بعقوبة أخرى أو القضاء بالبراءة، ومن ثم فإن إلزام النيابة بسلوكه واتباعه قد يؤدي الى انقضاء الدعوى الجنائية بصدور حكم نهائي فيها – إذ أضحى الأمر بالنسبة للجنايات كالجنح طبقاً للمادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية – ومن ثم فإنه لن تكون حاجة الى عرض القضية بالإعدام لاستبدال العقوبة أو القضاء بالبراءة دون حاجة الى سلوك طريق للطعن غير العادي .

تم نسخ الرابط