ads
الأحد 22 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

كل رؤساء التحرير الذين عمل معهم- على مدى سنوات عمله في بلاط صاحبة الجلالة - منحوه ثقتهم واحترموا مهارته الصحفية  وإخلاصه في العمل.. ولهذا ظل الكاتب الأستاذ ناجي قمحة مديراً للتحرير في واحدة من أهم الصحف القومية وهي الجمهورية في الفترة ما بين عامي ١٩٨٠ وحتى ٢٠٠٦ وهي أطول فترة لمدير تحرير للجريدة.. واستمر يمارس عمله حتى بعد وصوله إلى سن التقاعد الإداري لسببين.

 أولهما: أن كل الذين تولوا بعده إدارة الجريدة كانوا من تلاميذه الذين حرصوا على الاستفادة من خبرته الواسعة.

وثانيهما : قناعته بأن الصحفي لا يحال إلى التقاعد ما دام قادراً على العطاء.. وما زال لا يبخل على جريدته بخبرته رغم مرارة يشعر بها جيل الرواد في مهنة البحث عن المتاعب التي تعاني من تحديات عديدة  تبدأ  من تجاهل الماضي.. ولا تنتهي عند "غول"  يهدد المهنة هو "الأون لاين" والذكاء الصناعي الذي أثر على أحوال "جريدة الثورة وصوت الشعب" وهو الشعار الذي يزين ترويسة الجمهورية  طوال حياته الصحفية كان هادئ الأعصاب.. لم أره متوتراً أو ناقماً رغم كل التقلبات والمتاعب التي تواجه العاملين في هذه المهنة التي نحبها.. كان يكتم أحزانه ومتاعبه ويتعامل بهدوء وأكاد أقول ببرود مع كل شيئ.. وربما كان ذلك أحد أسباب نجاحه في التعامل مع الجميع بمختلف اتجاهاتهم ونواياهم أيضاً.. ولعل من بين كلماته أو اعترافاته التي يوثق بها رحلته في عالم الصحافة ما قاله في الكتاب الذي أصدرته الدكتوره عزة قاعود بعنوان "شغف الكتابة ومتاعب الصحافة" عندما قال:

الرجل المهني الحقيقي يستطيع أن يلعب علي جميع الأوتار لأن الصحافة كالبيانو أو الكمان تجيد النغمة الحزينة والنغمة الخفيفة والثقيلة وكذلك الصحافة الجادة موجهة نحو خدمة مباديء وقيم السياسات ومشاكل الناس.

ذاكرة دار التحرير

بكلمات معبرة أهدت الدكتورة عزة قاعود كتابها الجديد إلى جيل الرواد.. الأساتذة الذين تعلمنا منهم.. وانتقلنا بأفكارهم وجهودهم من عصر إلى عصر.. ورغم اختلاف البشر وظروف كل عصر..  يظل الفضل دائمًا لهم.

وتروى في كتابها كيف سيطرت على عقلها فكرة إجراء حوارات مع رواد مهنة الصحافة في مؤسستنا ضمن باب جديد بعنوان "ذاكرة دار التحرير" في أول بوابة إلكترونية لمؤسسة دار التحرير "تحرير أون لاين" في عهد الأستاذ علي هاشم الذي كان في ذاك الوقت رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة.. وتم نشره بتاريخ 19 مارس عام 2011 وحصد إشادات كبيرة وقتها.. وبالرغم من اهتمام مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر بالتطور التكنولوجي إلا أنه خلال السنوات العشر الماضية وأثناء تطوير مواقعها اختفت البوابة وتم إنشاء بوابة جديدة هي "الجمهورية أون لاين" دون الاحتفاظ بالأعمال السابقة.. وبين ليلة وضحاها وجدت هذا الحوار قد ذهب أدراج الرياح واستقر في الذاكرة الإلكترونية.. تقول: بعد مرور 13 عاماً قادتني الصدفة إلى كنز في الشبكة الدولية للمعلومات وهو (أرشيف الويب) والذي لا يعرفه كثير من زملائي وخاصة الجيل الجديد، وفوجئت بوجود الحوار، لهذا فكرت في توثيقه ليكون مرجعاً وشاهداً على فترة مهمة من تاريخ الصحافة المصرية وتخليداً لإسم أحد روادها.

كان باب "ذاكرة دار التحرير" يتحدث عن كنوز المعلومات بمؤسستنا العريقة.. إيمانا بدورالرواد الذين أسسوا جريدة الجمهورية وكان أول مديرعام لها: الزعيم الراحل أنور السادات الذي أصبح فيما بعد رئيساً لمصر.. وضمت الجريدة منذ صدورها كوكبة من أهم الكتاب والأدباء والمفكرين ورؤساء التحرير ومنهم: حسين فهمى - جلال الحمامصى - أحمد قاسم جودة - كامل الشناوي - صلاح سالم - إبراهيم نوار- إسماعيل الحبروك -  د. طه حسين - موسى صبرى - ناصر الدين النشاشيبي - كمال الدين الحناوي - حلمی سلام - مصطفى بهجت بدوی - فتحى غانم - عبد المنعم الصاوى - محسن محمد - محفوظ الانصاري- سمير رجب - محمد أبو الحديد - محمد على إبراهيم

المانشيت الجيد

قررت البدء في تنفيذ الفكرة بالحوار مع الأستاذ ناجي قمحة مدير عام التحرير بجريدة الجمهورية.. كانت مبهورة بنموذج هذا الرجل الذي أعطى من عمره ووقته وحياته الكثير لمهنة الصحافة دون كلل أو ملل، يُعلم الجميع ولا ينتظر المقابل.

المانشيت والمعاش

 وفي الكتاب يتحدث الأستاذ ناجي عن دروس كثيرة  منها:

الكاتب الصحفي ناجي قمحة

&- المانشيت الجيد لابد أن يكون مختصراً.. مباشراً..مثيراً ..ويشير إلي جديد لا يعرفه القارئ .. و يكتبه من يمتلك مهارات تؤهله لذلك منها الثروة اللغوية و بلاغة الكلمة والإيجاز.

&- الصحافة كالبيانو أو الكمان تجيد النغمة الحزينة والنغمة الخفيفة والثقيلة وكذلك الصحافة الجادة موجهة نحو خدمة مباديء وقيم السياسات ومشاكل الناس.

&- لست مع القول بأن "فلان علم فلان" ولكني أعتقد أن الصحيح هو "فلان تعلم من فلان" فأنا مثلاً لم يعلمني أحد كيف أكتب موضوعاً ولكني كنت أراقب وأتابع وأسمع.. فالمهم أن تكون قدوة للآخرين يتعلمون منك.

والمهتم الذي يريد أن يتعلم فعلاً سوف يتابع موضوعه قبل تعديله ونفس الموضوع بعد نشره معدلاً.. فهكذا يتعلم الصحفي.

&- المعاش في الصحافة "خرافة" إلا إذا كان في النواحي الإدارية فقط فالصحفي "فنان" فكيف يحال "الفنان" إلي المعاش؟.. أنا أذكر منذ سنوات عندما قرر المسرح القومي إحالة الفنانة "أمينة رزق" للمعاش إعترض الجميع وحدثت ضجة كبيرة حتي توصلوا إلي مسمي "فنان قدير" فهل نحيل الصحفي للمعاش ونطلق عليه "الصحفي القدير"؟؟

التغيير

&- التميز يكون في درجة "تقبل التغيير" عندما أقترح أو أطلب ذلك.. رغم أنني كنت أتجه إلي أسلوب لا يشعر الآخر بأنني "آمره" فمثلاً كنت أقول "ما رأيك في أن تغير العنوان إلي كذا؟.. كانت كلمة "ما رأيك" هذه تفتح كل الأبواب المغلقة بيننا.

&- تعلمت أن أكثر الناس عظمة هم أكثرهم تواضعاً.. فكلما كبر الإنسان كثر تواضعه.

 لقد نشأت في مكان لم يكن فيه باب مغلق لمسئول كان كل من يريد محادثته يحادثه في أي وقت لذا عندما توليت منصب مدير التحرير عاماً لم أغلق لي باباً ولم تكن لي سكرتارية وذلك لأني تربيت في بيئة هذا هو تفكيرها وقناعتها. 

لذا أنا أشفق علي الصحفيين الجدد من البيئة الصحفية الحالية فلقد كنا نحن نتعلم من أحاديث بين هؤلاء العظماء ولكن الآن من أين يتعلم الشباب؟

&- لكل  إنسان جانبان.. جانب خير وجانب شر وكانت مهمتي دائماً أن أخاطب جانب الخير.

&- اعتدت أن السباق أو التنافس إذا أدي إلي أذي أحد فلابد من التوقف عنه علي الفور حتي إذا كان علي حساب النفس أو الطموح. ولعل هذه النظرة تفسر كيف أعمل بالصحافة "50" عاما ولا أصل إلي منصب "رئيس تحرير".. فالسباق دائماً له ضحايا وأنا لم يكن لديّ أي استعداد لأن يكون لي ضحايا.

محفوظ الأنصاري

&- كانت فترة "محفوظ الأنصاري" هي أفضل فترة بالنسبة لي فقد صنعت فيها اسما خاصا بي.. حيث كان يترك لي أموراً كثيرة أديرها.. كما أن دوري في مجلس التحرير كان كبيراً وهاماً، أما فترة "محسن محمد" فكنت أهتم فيها بما يريد هو، وفي فترة قام السادات فيها بتغيير الأعداء إلي أصدقاء والعكس كان اقناع الشعب بهذا أمراً في غاية الصعوبة فأغلق موضوع السياسة تماماً واهتم بصحافة "سوق الخضار" وغيرها وكانت الناس وقتها قد ملت السياسة والحرب وخلعت جلدها.. لذا أولى اهتمامه بالمحليات، ثم جاء محفوظ الأنصاري وهو مثقف وفاهم ويثق في الخبرات القديمة ومنهم أنا.. واستطعت في عهده أن أجعل الجرنال يتوافق مع حبي للمجتمع ودفع الشباب ومعايشة مشكلاتهم ومن هنا جاءتني فكرة فريق الانتشار السريع واخترت 12 صحفيا يتوجهون لأماكن الحدث لتغطيته والكتابة عنه يومياً.

قسم التصحيح

&-  العمل بقسم التصحيح يتشابه كثيراً مع العمل كمدير تحرير، ففي الحالتين الجرنال بأكمله أمامي أشاهده وأقرأ كل كلمة فيه، وقد بدأ هذا الشعور يراودني في عام 1980 وأنا مدير تحرير أجد نفسي أقوم تقريباً بنفس الدور الذي كنت أقوم به في عام 1961 وأنا في قسم التصحيح، الاختلاف هنا فقط في القدرة علي اتخاذ القرار أو صلاحية اتخاذ القرار ولكن في الحالتين أري كل المادة الموجودة في الجرنال وأتعلم وأبدي اعجابا أو أبدي غضبا وكل ذلك كون لديّ خبرة كبيرة.

&- عندما كتبت مانشيت "قواتنا تحارب الآن في قلب سيناء" وكان رأي مصطفي بهجت أن يكون "عبرنا القنال" ولكني اعترضت وقلت أني كتبته من قبل فقد كانت قواتنا تذهب للضفة لجس النبض وتدمر موقعاً وتعود حتي أنهم في مرة قد رفعوا العلم علي الضفة الشرقية لمدة حوالي 12ساعة وكانت المدافع فيها مسلطة نحو أي اسرائيلي يقترب منه.

محسن محمد

&- كان مجلس التحرير في عهد محسن محمد متميزاً فهو نفسه صحفي متفرغ وصحفي حتي النخاع.. كان مجلسه يمتلئ بالحيوية والأفكار المتجددة.. لذا كنت أحضر المجلس ولدي علي الأقل فكرتان أو ثلاث وإلا أشعر بخجل شديد، وأتذكر هنا موضوعاً من ضمن أفكاره وكان رد فعل علي اشاعة وفاة الشيخ الشعراوي.. فأرسلنا محررا إلي الشيخ نفسه وسألناه عن شعوره بعد هذه الإشاعة وكان موضوعاً متميزاً.

&- في فترة الستينات عندما جاء "خورتشوف" لزيارة السد العالي وكتبت الجمهورية سطراً يعلو المانشيت وكان ترحيبا به ولكن باللغة الروسية وقيل وقتها أن مجيئه كان مشروطاً بخروج الشيوعيين من المعتقل وبالفعل تم الافراج عنهم جميعاً وكان للجمهورية نصيب منهم  فعاد اليها فتحي عبدالفتاح، عدلي برسوم، جلال السيد وأميمه أبو النصر وغيرهم، وبدأ النفوذ الشيوعي يظهر في أواخرالستينات وجاء موقف المستشار الثقافي الأمريكي ليعلن التحول إلي النفوذ الأمريكي وبالفعل بدأنا نتحول إلي الصحافة المثيرة التي تهدف إلي تغييب الناس عن السياسة، ولكننا هنا ومع صحافة الاثارة هذه استطعنا الحفاظ علي تواصلنا مع الناس ولأول مرة ابتكرنا فكرة التحقيق في موضوع محلي ينشر بالصفحة الأولي.

ناجي قمحة من مواليد مدينة بنها بمحافظة القليوبية في 16 أغسطس عام 1940 وحصل على ليسانس الآداب قسم اللغة العربية من جامعة القاهرة ١٩٦١ودبلوم التربية وعلم النفس ودبلوم الصحافة من ألمانيا الشرقية سنة ۱۹۷۱ وتدرب في عدد من صحفها .. بدأ حياته الصحفية محرراً بقسم التصحيح بجريدة الجمهورية سنة١٩٦١وعين رئيسًا لقسم المراجعة المركزية سنة ١٩٦٥وتمت ترقيته إلى نائب رئيس التحرير عام ١٩٧٦ثم مديرًا للتحرير عام ۱۹۸۰ واستمر مديرًا للتحرير ما يقرب من 26 عاماً حتى أصبح مستشارًا للتحرير بالجمهورية وهوعضو اتحاد الكتاب وله العديد من المؤلفات منها في انتظار المطر (ديوان)، "عبثا أحاول"

تم نسخ الرابط