الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

عجيب هو شأن الإنسان: إذا أصابتْه النعمةُ فرح، وربما تجاوز في فرحه حد السرور إلى العُجْب والغرور، ظانًّا أنه قد وصل بتلك النعمة إلى أقاصيَ السعادات، شاكرا عقله، وتدبيره، وذكائَه وعلمَه .
 وحالُه في ذلك حالُ قارون عندما قال:" إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ"، وهو في ذلك مخدوع؛ كونه ينسى أن النعم: صحةً وفطنة، زوجةً وذرية...إنما هي هبة محضة من الله عز وجل .
 أما إن أصابه ما يسوء في: جسده، أو زوجه، أو ولده، أو ماله أو في غير ذلك، فإنه يجزع مبالغا في اليأس، والكفران، وكأن الله ما أذاقه نعمة قط، وهذا ـ لعمري ـ من سوء الخلق، وخسة الطبع. وما درى أن استصحاب الشعور بالنعماء السابقة،هو استدرار لعطاءات الله اللاحقة.
 والعاقل هو من يؤدبُ نفسه، ويوطنُها على الصبر في النعماء فلا يبطَرُ، والشكرِ في الضراء فلا يجزعُ، حالَ أيوبَ ـ عليه السلام ـ لما شكر في الضراء مستصحبا الشعور بما كان فيه من نعماء، استحيا أن يسأل الله العافية ولم تبلغ مدةُ الضراء مدةَ النعماء، فلم يلبَث أن كشف الله ما به من ضُرٍّ، وآتاه أهلَه ومثلهم معهم، رحمة منه، وذكرى بأن الله لا يترك عنايته بالموحدين العابدين .
  يقول الحق :" وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ"الشورى/48
  أي: إذا رَحِمْنا الإنسان فأذقناه من آثار الرحمات الإلاهية نعمة فرح بها، وإن أصابته سيئة بسوء عمله بالغ في يأسه من رحمة الله، وأمْعن في الجحود والنكران لنعم الله.
  ومن هذه النعم الإلاهية نعمةُ الأبناء: قرةُ الأعين، ومصابيحُ البيوت، وبهجةُ الأعياد، وهي لا صلة لها بفحولة ولا أنوثة كونها هبة محضة من الله سبحانه .
 لذا لما طلبها إبراهيم ـ عليه السلام ـ بعدما استشعر قلة الأهل، وفقدَ الولد، تضرع إلى الله قائلا:" رَبِّ هَبۡ لِي مِن ٱلصَّٰلِحِينَ" الصافات/ 100،فطلب الولد من الله هبة، أي:عطاء خالصا دون عوض وبلا سبب.
 فيمتن الحق عليه قائلا: " وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ نَافِلَةً "الأنبياء /72 أي زيادة على إسماعيل عليه السلام .
كما يمتن علينا جميعا فيقول " وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ "النحل/72 
فالذرية نعمة موهوبة من الله، لأنها عطاءٌ بلا عِوض، فليس لأحد أن يتبجَّح قائلا إنها بسبب الذكورة أو الأنوثة فكم من ذكور أشداء تزوجوا من نساء يافعات ولم توهب لهم الذرية .
لذا يعلنها الحق مدوية:" لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ.أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ" الشورى/ 49: 50
 فالسعيد من أحسن استقبال هبةِ الله له، بالتحلُّمِ والتواضع، مجتهدا في شكرها بتقوى الله، وحسن التربية، وجميل الرعاية، وفضل الأدب، حتى يرى نفسه جديرا بها، وأهلا لها.
والشقي من أهمل رعايتها، واتخذها مطية للجهَل والطغيان، فيكون جديرا بالإهلاك والحرمان. 
اللهم بارك لنا فيما وهبت، واجعلنا أهلا لما تفضلت.
واحفظنا ومصرنا من كل مكروه وسوء، وأدم يارب علينا أمنه واستقراره، ووفق قادته لما فيه خيره ونماؤه .

تم نسخ الرابط