الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

في خِضَمِّ التَّطوُّرِ المستمرِّ الَّذي طال مؤسساتِ التعليمِ قَبلَ الجامعيِّ قاطبةً، وفي سبيلِ التَّوجُّهِ نحوَ الرَّقْمنَةِ، والتعاطي مع تقنياتٍ العصرِ وتطوُّراتِه التِّكنولوجيَّةِ الهائلةِ؛ هناك سؤالٌ يتبادرُ إلى الذِّهنِ، ويَشغلُ بالَ الكثيرين في الحقلِ التعليميِّ:
ما الذي حدث بالمعاهدِ التَّابعةِ لقطاعِ المعاهدِ الأزهريَّةِ في الآونةِ الأخيرةِ لِيكتسِبَ هذا الزَّخمَ الفِكريَّ والتَّعليميَّ؟ ولماذا هذا السيلُ العارمُ والمَوْجةُ الهائِجةُ من طلباتِ الالتحاقِ بالمعاهدِ الأزهريَّةِ في ظلِّ وجودِ أنظمةٍ ومؤسساتٍ تعليميَّةٍ أخرى تسعى للتطويرٍ ومُواكبةِ التِّقنياتِ الحديثةِ واللّحاقِ بِرَكبِ التَّقدُّمِ العِلميِّ؟
الإجابةُ عن هذا السؤالِ لها جوانبُ شتَّى تؤكِّدُ بِما لا يَدَعُ مجالًا للشَّكِّ قُدرةَ قِطاعِ المعاهدِ  الأزهريَّةِ على إقناعِ الأُسْرةِ المصريَّةِ بأهميةِ الْتِحاقِ أبنائِهِم بالتعليمِ الأزهريِّ؛ الذي ضربَ بِجُذُورٍه في التَّفوُّقِ والرِّيادةِ، وسًطعَ نورُه كمؤسسةٍ تعليميَّةٍ ناجحةٍ، تُوازِنُ بين الواقعِ التعليميِّ المَعيشِ ومُتطلَّباتِ العصرِ الرَّقميِّ، والتَّطوُّراتِ التِّقنيَّةِ الهائلةٍ في قطاعِ التعليمِ قَبْلَ الجامعيِّ.
ولعلَّ من أبرزِ هذه الجوانبِ:
_أنَّ الأزهرً الشريفَ يتَّسِمُ بالثَّباتِ في استراتيجيتِه التَّعليميةِ، والوضوحِ في رُؤيتِه الثَّاقبةِ في السَّيرِ نحو مُواكبةِ التَّقدُّمِ العِلميِّ؛ دون إفراطٍ في تجاربَ قد يُحالفُها التوفيقُ، وقد تَبُوءُ بالفشلِ إذا لم يتمَّ دراستُها جيدًا قبل المُضِيِّ قُدُمًا في تطبيقِها، مع اهتمامِه الشَّديدِ بتحقيقِ متطلباتِ الجَوْدةِ التعليميَّةِ؛ لحصولِ أكبرِ قَدْرٍ من المعاهدِ الأزهريَّةِ على شَهادةِ الجَوْدةِ الَّتي تمنحُها الهيئةُ القوميَّةُ لضمانِ جَودةِ التعليمِ والاعتمادٍ للمعاهدٍ الأزهريَّةِ، الََّتي تُطبُِقُ معاييرَ الجَوْدةِ في نظامِها التعليميِّ.
_ يُؤكِّدُ الواقعُ أنَّ الدِّراسةَ بالمعاهدِ الأزهريَّةِ، وتلقِّي العِلمِ الشَّرعيِّ تُكسِبُ الطالبَ الأزهريَّ المهاراتِ اللُّغويَّةَ والخِطابيَّةَ، والعقليَّةَ، والقُدرةَ على التَّحليلِ، والاستنباطِ، والفَهمِ، مَمزُوجةً بإطارٍ قِيمِيٍّ وأخلاقيّّ استقاه مِن دراسةِ العُلومٍ الشَّرعيَّةِ جنبًا إلى جنبٍ مع العُلومِ الأخرى.
_ على الرّغمِ من صُعوباتِ الحياةِ الَّتي طالتِ الجميعَ والَّتي أَلْقتْ بٍظلالِها على الأٌسرةِ المِصريَّةِ كبَُدتْهَا مبالغَ طائلةُ، وأَرهقَتْ ميزانيَّتَها، وأصبحَ التَّعليمُ عِبئًا كبيرًا في ظلِّ انتشارِ الدُّروسِ الخُصوصيَّةِ، وارتفاعِ أسعارٍ الكُتُبٍ الخارجيَُةِ؛ إِلَّا أنَّ قطاعَ المعاهدِ الأزهريَّةِ ظَلَّ يُؤدِّي دَوْرَه المُجتمعيَّ بنجاحّ في تخفيفِ الرُّسومِ الدِّراسيَّةِ؛ لِتتحوَّلَ إلى "رُسومٍ رمزيَّةٍ" على الطلابِ وأُسَرِهِم، مع إعفاءِ الكثيرين مِنها مُراعاةً لِظُروفِهم الأُسريَّةِ والاجتماعيَّةِ؛ لِيضرِبَ المثلَ في الأخذِ بِيَدِ الأُسرةِ المِصريَّةِ إلى بَرِّ الأمانِ؛ مُساهِمُا في تَحمُّلِ بعضِ أعباءِ الحياةِ جنبًا إلى جنبٍ مع قطاعاتِ الأزهرِ والمؤسساتِ المصريَّةِ الأُخرى.
_ في الماضي القريبِ كانت الأُسرةُ المصريَّةُ تستشعرُ الهَيْبةَ والقلقَ، ويُراوِدُها هاجسُ الخوفِ من المناهجِ الأزهريَّةِ الَّتي تَجمعُ بين العُلومِ الشَّرعيَّةِ والعُلومِ التطبيقيَّةِ، والَّتي رآها البعضُ عِبئًا كبيرًا على الطلابِ؛ فما كان من الأزهرِ إلَّا أنَّه سعى سعيًا حثيثًا للتخفيفِ من حِدَّة هذا القلقِ، مُمتطيًا جوادَ التَّطويرِ ودمجِ المقرراتِ الشرعيَّةِ بمهارةٍ فائقةٍ؛ لِيتكمنَ الطلابُ من فَهمِها، وتحقيقِ نواتجَ تعلُّمِها بِسهولةٍ ويُسرٍ؛ لِيتضحَ للجميعِ أنَّ مؤسساتِ الأزهرِ تُلاحقُ رَكْبَ التَّطوُّرِ، ولا تتوقفُ عَجَلةُ التَّغييرِ والتًّطويرِ فيها؛ طالما أدَّى ذلك إلى خَلقِ بيئةٍ تعليميَّةٍ ناجحةٍ فاعلةٍ ومتطورةٍ.
_ أثبت الواقعُ أنَّ الكثيرين مِمَّن تَلقَوْا تعليمَهم بالأزهرِ نجحُوا في تَركِ بصماتٍ لا تُخطِئُها عينْ في التَّفوُّقِ في العُلومِ الشَّرعيَّةِ، وعُلومِ اللَّغةِ، والعُلومِ الاجتماعيَّةِ والتطبيقيَّةِ، ولم يتوقفِ الأمرُ عند النٍّطاقِ المَحليِّ أو العربيِّ، إنَّما فاق هذا الحدُّ الآفاقَ؛ ليرى أُولُوا الأبصارِ علماءً الأزهرِ في المحافلِ العلميِّةِ الدَّوليَّةِ يرفعون رايةَ مِصرِنا خفاقةً عاليةً، والأمثلةُ على ذلك لا تُعَدُّ ولا تُحصَى.
ومن اللَّافتِ للنظرِ أنَّ هذا التَّوجُّهَ نحو الالتحاقِ بالمعاهدِ الأزهريَّةِ ليس ضربةَ حظٍ أو خَبطَ عشواءٍ؛ إنَّما هو نِتاجُ جهودِ مُؤسسةٍ عَريقةٍ تُحاولُ مُلامسةِ الواقعِ ومُواكبَةِ التَّطوُّرِ، دُونما إخلالٍ بأحدِهِما؛ لِيستمرَّ العطاءُ، وتَسيرَ سفينةُ العِلمِ إلى بَرِّ الأمانِ دونَ مُخاطرةٍ غيرِ محسوبةٍ.
وفي الختامِ، فإنَّ هذا التوجُّهَ نحو الالتحاقِ بالمعاهدِ الأزهريَّةِ- رغم صُعوبةِ مناهِجِها- لهو دلالةٌ واضحةٌ على الثِّقةِ المُتناهيةِ في قطاعٍ تعليميٍّ يَنبثقُ من صرحٍ تعليميٍّ كبيرٍ يَشهدُ الجميعُ بِدَوْرِه  الرَّائدِ في هذا المجالِ، وهو "الأزهرُ الشَّريفُ" المنارةُ التعليميَّةُ الَّتي أضاءتْ رُبُوعَ الدُّنيا بِشُموسِ المَعرفةِ، والَّتي تُؤدِّي دَوْرَها التَّعليميَّ بنجاحٍ منقطعِ النَّظيرِ.

تم نسخ الرابط