الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

انتشر موت الفجأة في زماننا هذا بصورة مخيفة جدا، حتى أصبح لا يفرق بين الصغير والكبير، والشباب والشيوخ، والرجال والنساء والأطفال، فربما ينام الإنسان على فراشه، وإذا به يستيقظ على سؤال الملكين في القبر، والآخر يذهب إلى عمله فيرجع في نهاية اليوم إلى أهله محمولا على الأعناق، وذاك يتغرب عن وطنه وإذ به يرجع إلى بلده وحيدا في صندوق خشبي نراه ويراه الناس، وغير ذلك كثير من الأمور والأحوال التي تدعونا إلى العظة والاعتبار.

وقد رأيت في الأيام والأسابيع الماضية العديد من حوادث موت الفجأة ما بين أطفال وشباب يموتون غرقى في لحظات، وهذا الأمر يدعونا إلى التأمل والاعتبار والعظمة، وإلى أن نفيق من غفلتنا، وأن نأخذ العظة والعبرة بما نراه من حولنا كل يوم.

وعندما نتأمل في السنة النبوية المطهرة نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لنا أن موت الفجأة من علامات الساعة، وجاء ذلك واضحا جليا في أحاديث كثيرة منها ما جاء في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلا فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقا، وأن يظهر موت الفجأة).

وجاء في مسند الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر).

ولخطورة موت الفجأة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه، وكان من دعاء رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَدْعو فيقولُ: اللَّهمَّ إنِّي أَعوذُ بك مِنَ الهَدمِ، والتَّرَدِّي، والهَرَمِ، والغَرَقِ، والحريق...) (أخرجه أبو داود).

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال:( كان من دُعَاءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ).

لذلك فإن على الإنسان أن يستعد للموت، وأن يكون الموت نصب عينيه في كل لحظة، كما أن عليه أن يكتب وصيته؛ لأنه لا يعلم متى ستكون المنية، ولذلك جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ قال: « مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَىْءٌ ، يُوصِى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ ، إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ».

وعليه فإن السعيد من وعظ بغيره، والشقي من مات فوعظ به غيره، فعلى الإنسان العاقل اللبيب أن يبادر ويسارع بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله عز وجل قبل أن يأتيه الموت فجأة.

فالله عز وجل دعانا إلى التوبة وبين سبحانه وتعالى أنه يقبل توبة عباده حين يتوب ويرجع إليه حيث قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (سورة الزمر: ٥٣)، وقال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة النور: ٣١).

التوبة والرجوع إلى الله 

وها هو نبينا صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى التوبة والرجوع إلى الله تعالى فيقول: (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إليه واستغفره في اليوم أكثر من سبعين مرة) (أخرجه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)(أخرجه الترمذي)، أي: قبل أن تبلغ الروح الحلقوم.

كما بين صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده حين يتوب ويرجع إليه، ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ).

فما أحوجنا إلى أن نبادر بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى قبل أن يدركنا الموت فجأة، فالموت ليس سن معين، ولا زمان معين، ولا مكان معين، وإنما لكل إنسان منا أنفاس معدودة إذا انتهت ينتهي الأجل، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ). (سورة الأعراف: ٣٤).

فاللهم تب علينا توبة نصوحا، وارزقنا حسن الخاتمة اللهم آمين يارب العالمين

وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه اللهم آمين يارب العالمين

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل

 

 

 

تم نسخ الرابط