قدم استقالته.. لماذا رفض الشيخ عبدالحليم محمود مقابلة الرئيس السادات؟
بينما كان الإمام الأكبر عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر ماضيًا في ثورته الإصلاحية مضطلعا بما يحمله من أعباء جسام بوغت بصدور قرار جمهوري رقم ١٠٩٨ لسنة ١٩٧٤م من الرئيس السادات يكاد يجرد الإمام الأكبر من اختصاصاته، ويمنحها لوزير شؤون الأزهر!
بحسب ما جاء في موسوعة من المواقف الخالدة لعلماء الأزهر للكاتب أحمد ربيع الأزهري أحد علماء الأزهر، رفض الإمام هذا القرار رفضاً قاطعاً ولم يجد بُدّاً من تقديم استقالته في ١٦ من يوليو سنة ١٩٧٤م، ثم شفعها بخطاب آخر قدمه إلى الرئيس «السادات» شارحًا فيه موقفه، وأن الأمر لا يتعلق بشخصه، وإنما يتعلق بالأزهر وقيادته الروحية للعالم الإسلامي، مبيناً أن القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس ينقص من هذه القيادة، ويعوقها عن أداء الرسالة الروحية التي تقدمها في مصر وسائر البلاد العربية والإسلامية.
وقبل هذا أخطر وكيل الأزهر بموقفه ليتحمل مسؤوليته، حتى يتم تعيين شيخ آخر، وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه ورفض تناول راتبه وطلب تسوية معاشه، وتم مراجعت الإمام فيه بالنسبة لحقوقه الشخصية، وإنما يعتبر هذا القرار انتقاص لحقوق الأزهر وهضم لمكانته.
وأحدثت الاستقالة آثارها العميقة في جمهورية مصر العربية وفي سائر الأقطار الإسلامية، وتقدم كثيرون من ذوي المكانة في الداخل والخارج يلحون ويحلفون على الإمام؛ راجين منه البقاء في منصبه ليواصل كفاحه في رفع راية العروبة والإسلام.
ومع إصرار الإمام الأكبر أصدر الرئيس السادات قراره بإعادة الأمر إلى نصابه ورد الحقوق إلى أصحابها، وحينئذ سحب الإمام الأكبر استقالته، وعاد إلى تحمل أعبائه من جديد.
وصدر القرار الجمهوري باللائحة التنفيذية رقم ٢٥٠ السنة ١٩٧٥م، وألغى المادة الأولى والثالثة من قرار رئيس الجمهورية رقم ١٠٩٨، لسنة ١٩٧٤م، ونص في مادته الأولى: «شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر، وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية، والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرئاسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر»، وجاء في المادة الثانية: «يكون الشيخ الأزهر بالنسبة للأزهر وهيئاته وللعاملين بها عدا- جامعة الأزهر - جميع الاختصاصات المقررة للوزير لكافة القوانين واللوائح، وتكون له بالنسبة لجامعة الأزهر الاختصاصات المقررة في القانون قم ۱۰۳ لسنة ١٩٦١م وهذه اللائحة».
وجاء في الملحق أن «شيخ الأزهر يعامل معاملة الوزير من حيث المرتب وبدل التمثيل والمعاش ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة».
وهكذا تجلت حكمة السيد رئيس الجمهورية وإيمانه العميق وغيرته على الهيئات، وحبه للأزهر وتقديره لشيخ الأزهر ولكبار علمائه، وانتهت الأزمة العنيفة وعاد الإمام الأكبر ليواصل كفاحه ونضاله في خدمة العروبة والإسلام ولم ينس الإمام الأكبر -بعد هذا- السمو بمنصب شيخ الأزهر إلى المقام المناسب لمكانته، فظل يواصل المساعي ويبذل الجهود حتى أثمرت مساعيه وجهوده المثمرة المطلوبة.
وصدر بعد وفاة الإمام قرار جمهوري بمساواة منصب شيخ الأزهر بمنصب رئيس الوزراء من حيث المرتب والمكافآت والمعاش، وهكذا أينع غرسه بعد وفاته رحمه الله ورضي عنه وأرضاه.