ads
الأحد 22 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي


"وعند الظهر سمعت دقات الطبول ، وجيء بالسجين من سجنه وقد أحاطت به ثلة من الحراس . كان موثقاً كالعادة ، وفي فمه قطعة من القماش كي تمنعه من الكلام  .. وهكذا دون أن ينطق بكلمة شنقوه هناك ثم تركوه في الهواء على ارتفاع أربعين قدماً !
كان المنظر مخيفاً  .. ولا أدرى كيف جرؤت النسوة يومئذ على أن تستقين ماء من النبع ، وكيف استطاع الأطفال أن يلعبوا بجواره وذلك الشيء المعلق فوقهم يلقى ظلاله على المكان؟!
كان المنظر مخيفاً حقاً .. وفيما انا أغادر القرية مساء الإثنين ، تلفت إلى الخلف فرأيت ظل المشنقة الطويل يترامى على بناء الكنيسة والطاحونة  ، بل ويصل إلى السجن أيضاً !"
قصة مدينتين 
تشارلز ديكنز 
                   – – – – 
ليس هناك اتفاق بين فقهاء القانون على تعريف الجزاء الجنائي من حيث الصياغة لكن هناك اتفاق عليه من حيث جوهره فهو الذي يجسد رد الفعل المجتمعي إزاء الظاهرة الإجرامية ، أو هو الأثر القانوني الذي يرتبه المشرع على الجريمة .
والجزاء الجنائي يعد أكثر الوسائل فاعلية التي تقف في مواجهة الجريمة وتحد من تفاقمها ، والقانون بصفة عامة هو أهم وسائل الضبط الاجتماعي كما انتهى إلى ذلك علماء الاجتماع حتى مع الاعتراف بأن هناك وسائل أخرى تساهم في تحقيق هذا الضبط لكن يظل القانون على قمتها والجزاء الجنائي هو قانون في النهاية .
والعقوبة  تمثل الصورة المثلى للجزاء الجنائي بل وقد ظلت حقباً كثيرة تمثل الصورة الوحيدة لرد الفعل الاجتماعي إلى أن تنبه العالم أن ذلك لا يمكن أن يفي وحده بأغراض العقوبة التي من بينها تحقيق العدالة وعلى ذلك فقد تنبهت النظم العقابية إلى أن هناك حالات يجب ألا تتصدر المشهد العقوبة بمعناها التقليدي وهى الحالات التي تعارفت عليها القوانين العقابية بأسباب الإباحة وموانع العقاب مثل الاضطراب النفسي والعقلي أو الغيبوبة الناشئة عن سكر أو تخدير غير إرادي أو حالة الضرورة أو الوقوع تحت تحت تأثير إكراه مادي أو معنوي .
هنا تنبه العالم إلى ضرورة أن توجد بجانب العقوبة إجراءات أخرى تتعاضد فيما بينها لكي نستطيع أن نصف رد الفعل الاجتماعي على الجريمة بأنه عادلاً .
هذه الإجراءات سميت في التشريعات العقابية بالتدابير الاحترازية أو الوقائية أو العلاجية أو الإصلاحية وهي تقف جنباً الى جنب مع الصورة الأولى لرد الفعل الاجتماعي على الجريمة وهو العقوبة مع اعترافنا بأن الأخيرة مازالت تمثل في التشريعات الجنائية المعاصرة الجزاء الجنائي الأساسي والغالب المقرر لمرتكبي الجرائم .
ولأن إنزال العقوبة بالمتهم ليس شيء هين فقد أحاطها المشرعون   والفقهاء وكذلك القضاة بضمانات عدة بعضها يتعلق بخصائص العقوبة  والبعض الآخر يتعلق بأغراضها .
فأما عن خصائص العقوبة فتتمثل في عدة مبادئ هي كالتالي:
١-مبدأ قانونية العقوبة: وهو المبدأ الذي تعارف عليه الفقه بشرعية أو قانونية العقوبة ومقتضاه ألا توقع عقوبة إلا بعد النص عليها قانوناً .
٢- مبدأ عمومية العقوبة:
أي يجب أن تتقرر العقوبة للجميع وبصفة عامة مجردة دون استثناء يخل بهذه الصفة التي هي أخص ما يمكن أن يميز القاعدة القانونية بصفة عامة .
٣-شخصية العقوبة: و
وهذه ربما تكون
من أهم  خصائص العقوبة الجنائية إذ توصف المسئولية الجنائية بأنها مسئولية شخصية .
٤- تفريد العقوبة: وهو أن تكون العقوبة متلائمة وجسامة الجريمة ومن أجل ذلك لا توجد عقوبة ثابتة في كافة التشريعات  ، بل لقد أعطى المشرع  للقاضي سلطة تقديرية في اختيار العقوبة الأمثل التي تنناسب وجسامة الجرم أخذاً بكل بالظروف و الملابسات المحيطة بارتكابها .
٥- قضائية العقوبة: ومعناه أن السلطة القضائية وحدها هي المنوط بها تطبيق العقوبة . 
وأما عن أغراض العقوبة فتتمثل في التالي:
١-تحقيق الردع العام: وهو غرض يهدف إلى الحيلولة دون ارتكاب الجريمة في المستقبل .
٢-تحقيق العدالة: وهو ما يحتم على القاضي أن ينظر عند تقدير العقوبة إلى الجانب المادي لها وكذلك إلى الجانب الشخصي المتمثل في ظروف الجاني المختلفة والمتعددة من قبل وأثناء بل وبعد ارتكاب 
الجريمة .
٣-تحقيق الردع الخاص: وقد تطور هذا المفهوم من مجرد فكرة إلحاق الأذى والشر بالجاني الى العمل على عدم عودته إلى طريق الجرم مرة أخرى أي تحول بينه وبين ارتكاب جريمته في المستقبل .
وأما عن تقسيم العقوبات فهي تنقسم إلى عقوبات أصلية وعقوبات تبعية وعقوبات تكميلية على التفصيل الذي نجده في مؤلفات النظرية العامة لقانون العقوبات بيد أن ما يهمنا طرحه هنا في هذا المقال هو أخطر العقوبات الاصلية على الإطلاق  ونقصد بها عقوبة الإعدام . "١"
"١" إذا كان تعريفنا للعقوبة أخذاً من إملاءات السياسة العقابية الحديثة أنها بالإضافة إلى كونها أداة ردع بما تنزله بالجاني من عقاب ، فإنها أيضاً أداة إصلاح واعادة تأهيل لكي يكون عضواً صالحاً في الجماعة فإن الإعدام على هذا النحو يخرج عن كونه عقوبة ويصير أقرب إلى عملية بتر من جسد الجماعة واقراراً صريحاً  بعجزها عن تقويمه وإعادته إلى جسدها عضواً صالحاً فيه ، وفي هذا الشأن نحن نؤيد بكل قوة رأي أستاذنا الدكتور زكى أبو عامر عندما وصف الاعدام بقوله: ليس من الدقيق تماماً اعتبار عقوبة الإعدام عقوبة بدنية إذ هي بالأدق عقوبة سالبة للحياة لكننا ننوه رغم ذلك أننا نستخدم مصطلح العقوبة هنا لاعتبارات الوضوح العلمي"
والاعدام هو ازهاق روح الجاني الذي ترى فيه المحكمة أنه يستحق الموت والبتر من جسد الجماعة وهو محاط بضمانات عدة في القانون وسواء كانت هذه الضمانات موضوعية أو إجرائية .
فقد تقررت على سبيل المثال هذه العقوبة لأبشع الجرائم وأكثرها غلطة وقسوة كما أن صدورها يتطلب اجماع القضاة وإلا كان باطلاً .
والنظرة التاريخية لعقوبة الإعدام تحتم علينا أن نعرج في إيجاز إلى الجدل الذي صار بشأنها
بين مؤيد ومعارض .
يقدم الجانب المؤيد لهذه العقوبة  أسانيده التي يمكن أن نوجزها في الأتي:
١-أن هذه العقوبة تعد من الناحية النفسية أكثر العقوبات فاعلية في تحقيق أغراض السياسة العقابية في منع الجريمة .
٢-أن عقوبة الإعدام كشر ضخم تعتبر مقابلاً منطقياً ومتساوياً مع الجرائم الكبرى كشر ضخم كما في جرائم القتل التي تتعدد الظروف المشددة فيها على النحو الذي تنص عليه الشرائع العقابية.
٣- أن الضروريات العملية تبرر الابقاء على هذه العقوبة لمواجهة الحالات الني يرى فيها المجتمع ألا جدوى في شفاءها من الجريمة وأن البتر هو الحل الأمثل لها .
بينما يقدم الفريق المعارض لهذه العقوبة عدة أسانيد نوجزها في الآتي:
١‐أن المجتمع لا يوهب الإنسان الحياة ، حتى يكون من حقه سلبها منه .
٢-أن عقوبة الإعدام تعتبر دليلاً على عجزنا عن الوفاء بمهمة السياسة الجنائية في منع الجريمة عن طريق تقويم المجرمين وعلاجهم إذ تمثل اختياراً لأسهل الطرق في حل المشاكل وهى التخلص منها ، فهي عقوبة يعلن من خلالها المجتمع عجزه عن اصلاح وتقويم من انزلقت قدماه إلى الجريمة التي أوجب القانون الإعدام عقوبة لها ، بل أن الأستاذ الدكتور رمسيس بهنام يقول في مؤلفه علم الوقاية والتقويم أن: "علم الوقاية والتقويم لا يكون له دور في حالات توقيع عقوبة الإعدام لأنه في هذه الحالات لا يطيق ضمير الجماعة بقاء المجرم على قيد الحياة فيصدر ضده الحكم بحرمانه منها .." 
٣-أنها ضارة على المستوى العام لأنها عبارة عن بتر لفرد من أفراد المجتمع وبالتالي تقليل من الطاقة الانتاجية العامة للدول على عكس السجون الذي يظل المحكوم عليه فيها في حساب الطاقة الانتاجية العامة .
٤-أنها عقوبة يستحيل اصلاحها إذا ثبتت براءة المحكوم عليه على عكس سائر العقوبات الأخرى .
٥-أنها عقوبة فظة وحشية وغير قابلة للتدرج وفقاً لمسئولية الجاني وخطورته كما أنها تفتقر إلى الأساس الفلسفي الذي يبررها لأنه يستحل وفقا – لنظرية العقد الاجتماعي – التسليم بأن الشخص قد تنازل عن حقه في الحياة مقابل شيء كائناً ما كان .
٦- أن القول بأن عقوبة الإعدام أكثر العقوبات فاعلية في منع الجريمة قول يحمل تجاوزاً ويخالف شواهد كثيرة لم تستطع تلك العقوبة فيها أن تفي بهذه الغاية وهو ما تؤكده الإحصاءات .
  "٢"
"٢" (انظر في ذاك قانون العقوبات – القسم العام دكتور زكى أبو عامر ص ٥٠٨ وما بعدها )
والواقع أننا يمكن أن نقول بشأن هذا الجدل أنه حسم لصالح إلغاء عقوبة الإعدام إذ أن الغالبية العظمى من الشرائع الجنائية اليوم لا تقر فيه هذه العقوبة وإذا كان لنا نبدي رأيناً في هذا الأمر فنحن مع إبقاء هذه العقوبة بكل الضمانات الموضوعية والاجرائية التي أحاطها بها المشرع بحيث لا تنفصل هذه الضمانات أبداً وتحت أي ظرف أو مبرر عنها .
ننتقل لنقطة تمثل في الحقيقة جوهر هذا المقال وهي بخصوص إجراءات تنفيذ عقوبة الإعدام .
يمكننا أن نقول بجلاء أن كل من قانون الإجراءات الجنائية وقانون تنظيم السجون قد تظافرا معاً في احاطة عملية تنفيذ عقوبة الإعدام بضمانات عدة نظراً لخطورتها كما سبق القول .
فقد نص قانون الاجراءات الجنابة على عدة ضمانات بشأن تنفيذ هذه العقوبة عندما تصير واجبة النفاذ طبقاً لشروط موضوعية وإجرائية سابقة .
فقد تكفلت المواد من ٤٧٠ وحتى ٤٧٧ من قانون الإجراءات الجنائية في تحديد هذه الضمانات  عند مرحلة التنفيذ وكذلك فعل قانون تنظيم السجون 
وهنا نتحدث عن إحدى أهم ضمانات تنفيذ حكم الإعدام إن لم تكن أهمها على الاطلاق وهي الضمانة التى نصت عليها المادة  -٤٧٣- من قانون الإجراءات الجنائية بقولها:
"تنفذ عقوبة الإعدام   داخل السجن ، أو في مكان آخر مستور ، بناء على طلب من النائب
العام  يبين فيه استيفاء الاجراءات المنصوص عليها في المادة ٤٧٠ " 
وتتص الماد " ٦٥" من قانون تنظيم السجون رقم ٣٩٦ لسنة ١٩٥٦ على أن:
" تنفذ عقوبة الإعدام داخل السجن أو في مكان آخر مستور بناءً على طلب كتابي من النائب العام إلى مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون يبيّن فيه استيفاء الإجراءات التي يتطلبها القانون.
وعلى إدارة السجون إخطار وزارة الداخلية والنائب العام باليوم المحدد للتنفيذ وساعته"
إذن الأمر محسوم في قانون الإجراءات الجنائية وكذلك قانون تنظيم السجون أن عقوبة الإعدام  تنفذ داخل السجن أو في مكان آخر مستور.
وإذا رجعنا الى القاموس العربي لنقف حول معنى منضبط لكلمة: "مستور" يتضح لنا أنه لفظ يشير الى التخفي عن الأنظار . بمعنى أن القانون قد قصد هذا التخفي عند تنفيذ حكم الإعدام ، أي لا أحد يعرف عنه شيئاً إلا المنوط بهم ذلك قانوناً .
وبالتالي فإن أية مطالبات لتنفيذ هذا الحكم كما يأخذ الشطط بالبعض أحياناً في ميدان عام بالإضافة أنه قول يخالف القانون فهو قول لن تكون هناك صعوبة في أن نصفه بأنه قادم إلينا من ظلمة العصور الوسطى التي نقضتها الانسانية عن كاهلها منذ قرون ، وقت أن كانت تُنصب المشانق والمحارق في ميادين المدن لإقامة حفلات الشنق والحرق حيث يهرع الناس لمشاهدة جثث القتلى وهي تتدلى متأرجحة من المشانق أو يرمقون انصهار الأجساد داخل بواتق النيران الرهيبة ، تلتهمها على مهل والحضور يصيحون ابتهاجاً بعدما أزال تكرار المشهد من شعورهم رهبة الشنق وفظاعة الحرق حتى أن هذا اليوم يصير كيوم عطلة مشمس في شتاء أو خريف.
ولا يختلف الأمر هنا في الحقيقة كثيراً عن الرأي الذي يطالب ببث تنفيذ حكم الإعدام تلفزيونياً .. !
لن يختلف الأمر كثيراً اللهم إلا فيما يمكن أن يجلبه لنا اللامعقول وهو أن تُبث إعلانات تجارية قبل وأثناء وبعد هذا الحدث الجلل الذي سيفقد حتماً وبفعل التكرار أية أهمية له كما هو منطق الاعتياد .. !
لقد آثرت أن أبدأ الحديث هنا في هذا المقال بقطعة أدبية من القصة الخالدة: "قصة مدينتين"
ذلك أن مؤلفها الكاتب "تشارليز ديكنز" كان على رأس الكتاب ومنذ  أربعينيات القرن التاسع عشر الذين انتقدوا بشدة عقوبة الشنق العلني أمام الجماهير ، حيث إن "ديكنز" كان قد شهد تنفيذ الإعدام ، في زوجين أدينا بجريمة قتل في جنوب لندن في عام ١٨٤٩ ، وقد كتب "ديكنز" عن ذلك في صحيفة التايمز وعبر عن كرهه “لطيش الحشود الهائلة وأنه شاهد اللصوص والبغايا والأشرار والمتشردون من كل نوع قد توافدوا لمشاهدة الإعدام ”.
وهنا في "قصة مدينتين" لا يتوانى "ديكنز" في انتقاد تنفيذ هذه العقوبة علانية وسط الحشود فيقول بشأن سطوة العادة والتكرار التي تلاشت معها أية بوادر ردع للحشود التي تبادر لمشاهدة تنفيذ الإعدام :
والنسوة اللاتي يشتغلن بالإبرة في حي سان انطوان لن يلبثن أن يمارسن هوايتهن هذه بجوار شيء لم يكن قد شيد بعد وهن يحصين الرؤوس التي تسقط من هذا الشيء ..
سوف يشتغلن بالإبرة تحت ظل المقصلة .. !  
ويقول أيضاً واصفاً باريس عقب اندلاع الثورة: "كانوا يشنقون الرجال على أعمدة المصابيح في الشوارع"
" وكل يوم كانت عربات تذرع في الشوارع الحجرية حاملة كفايتها من الشحنات البشرية المسوقة إلى المقصلة  .. كانت السجون المعتمة الرهيبة تلفظ كل يوم إلى ضوء النهار عشرات من العذارى الفاتنات والنساء اللطيفات  ، ذوات الشعر الأسود والكستنائي والأغبر  .. ومن الرجال والشيوخ والشبان والفقراء والنبلاء  .. فكان الجميع يعبأون في عربات تسير بهم إلي حيث تلقيهم طعاماً للمقصلة !..
والمقصلة جائعة على الدوام لا تشبع  .. والشعار السائد: "الحرية .. والمساواة .. والإخاء .. أو الموت !
لكن الموت كان أروج هذه الأربعة وأسهلها منالاً.."
وحتى الأطفال الذين لم ينجون من المقصلة يقول في شأنهم:
والطفلة أيضاً لها شعر ذهبي وعينان زرقاوان ومن النادر أن نظفر بأطفال للمقصلة . سوف يكون المنظر شائقا !.. "
وبالفعل كان المنظر شائقاً .. !
أقسى المشاهد قسوة على الاطلاق سيصير هكذا بفعل هذه العلانية منظراً شائقاً .
لن يأخذ الأمر كثير من الوقت حتى يصير كذلك ولن يتحقق مع مرور الزمن هذا الردع العام الذي يتخذه أصحاب الرأي الذي يطالب بتنفيذ حكم الإعدام علانية.
إن التاريخ يؤكد ذلك.
لقد كان "الماركيز سيزار دي بيكاريا" أحد أقطاب المدرسة التقليدية الأولى سباقاً عندما قرر أن شدة العقوبات وقسوتها -  نضيف إليها طريقة تنفيذها – تؤديان إلى العمل على الإفلات منها بل والتشجيع على ذلك ، ويرى أن الردع العام يتحقق بعقوبة معتدلة ، أي مساوية للجريمة المرتكبة بشرط أن تكون محققة التطبيق ، أي مصحوبة باليقين العام من جانب الكافة بتوقيعها على كل من يرتكب الجريمة وباليقين من جانب الجاني ذاته من خضوعه لها فليس الهدف من العقوبة كما يقول هو التنكيل أو التمثيل بالجاني ولا هو إزالة الجريمة المرتكبة بعد أن أصبت أمراً مقضياً ولكنه هو منع الجاني من إلحاق أضراراً أخرى بمواطنيه وذلك عن طريق العمل على عدم عودته إلى تكرار جريمته أو ارتكاب جرائم أخرى .. ولن تفي قسوة العقوبة ووحشيتها في تحقيق هذا الهدف لأن النفوس تألف شراسة العقوبة مع مرور الزمن وهذا سوف يؤدي إلى زوال القوة الرادعة للعقوبة مهما كانت قاسية أو شرسة . هذا فضلاً عن أن العقوبات الوحشية أو القاسية لا يمكن إلا أن تكون نتيجة هياج عابر أو عارض ولا يمكن أن تعد نظاماً مستقراً من نوع الاستقرار الذي ينبغي أن تتميز وتتصف به التشريعات الجنائية " ٣" 
"٣ " (أنظر في ذلك الجزاء الجنائي – الجزء الأول – العقوبة . دكتور مصطفى فهمى الجوهري ص ٦١ وما بعدها)
ربما احتج المطالبون بتنفيذ عقوبة الإعدام علناً بالآية الثانية من سورة النور التي تقول: "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"
وهو قول عجيب إذ أن تنفيذ حكم الإعدام لا يخالف هذه الآية إلا لو اعتبرنا أن مأمور السجن والقوة المرافقة له ووكيل النائب العام والجلاد والأطباء لا ينطبق عليهم هذا الوصف !
إن الجدل حول عقوبة الإعدام حسمه قانون العقوبات وضمن نصوصه هذه العقوبة التي قلنا أننا مع ضرورة بقائها مع كل الضمانات الموضوعية والإجرائية التي تحيط بها وأما أن يثور جدلاً حول علانية تنفيذها فهذا ما يمكن أن نصفه بأنه جدل يطل علينا من العصور الوسطى بينما لا مكان له البتة في الحاضر .. والمستقبل .
                  
 

تم نسخ الرابط