مازلنا نحيا أنوار الأشهر الحرم بجلالها وكمالاتها وأنوارها لاسيما وقد عظمها العظيم - سبحانه وتعالى - وإن كانت العظمة من صفات الله تعالى لمذا كان من موجبات تعظيمه سبحانه تعظيم حرماته " .
ومن أعظم الشعائر الزمانية المعظمة عند الله والتي اختصها بمزيد فضل وإكرام : الأشهر الحرم ، والتي نستشرف رحماتها ومطالعها النورانية هذه الأيام ...إذا الجمع يسعد اليوم بإشراقات ورحمات شهر ذي القعدة الذي كان يقعد فيه أجدادنا العرب القدامي عن القتال وبعد أيام قلائل يهل علينا هلال ذي الحجة . فهو شهر داخل في عموم فضل الأشهر الحرم .. ذلك أن الأشهر الحرم هي (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب) كما في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة ، وذو الحجة . والمحرم ورجب شهر مضر الذي بين جمادی و شعبان ، خصها الله جميعها بأن جعلها حرما، وجعل الذنب فيها أعظم ، والعمل الصالح والأجر أعظم . بل صرح بعض أهل العلم بمضاعفة الثواب والعقاب في هذه الأشهر، استناداً لقوله تعالى: " إِنْ عَدَّةَ الشُّهُورَ عَنْدَ اللَّهَ شهراً في كتاب الله ب الله يوم خلق السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَنْهَا أَربعةُ حَرِمَ ذَلكَ الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ..... قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره فَلا تَظْلِمُوا فيهنَّ أَنْفُسَكُمْ " أي في هذه الأشهر المحرمة، لأنها أكد، وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى : " ومن اثْنَا عَشَرَ يُرَدُّ فِيهِ بَالْحَادٌ بَظُلْمُ نُدْقُهُ مَنْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام
ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الإمام الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء وكذا في حق من قتل في الحرم أو قتل ذا محرم، ثم نقل عن قتادة قوله: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم في سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظم في أمره ما يشاء وقال القرطبي رحمه الله: لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب لأن الله سبحانه وتعالى إذا عظم شيئاً من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال وقد أشار الله إلى هذا بقوله: « يا نساء النبي من يأت مَنكُن بَفَاحِشَةٍ مبينة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضَعْفَيْنَ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الله يسيراً . لذا يستحب في هذه الأيام أن يفتح المسلم لنفسه طرق الخير، وطرق الخير كثيرة منها : الصوم والقيام والصدقات وصلة الأرحام وكثرة الدعاء وما أجدر بنا أن نحيي هذه الأيام الكريمة في نفوسنا حتى نتذكر حرمتها ، ولا نظلم أنفسنا. ونفض عن أعيننا وقلوبنا غشاوة الغفلة التي جعلت كثيرا من أبناء الأمة: غارقا في المال الحرام ، فسدا في الأرض مستحلا أعراض خلق الله مخدوعا بفكر عاقا لوالديه قاطعا لرحمه هدام خوارجي . تاركا لصلاته أو متكاسلا متكبرا. طاغيا ، مختالا ، فخورا مسرفا، وكل ذلك النجاة منه أبسط شيء ، وهو في اتباع والعمل بهذه الآية الكريمة ومضمونها . وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَقَابَ إن هذه الشهور التي فضلها الله تعالى تدعونا أولا : لعدم ظلم أنفسنا بمعصية الله ، تدعونا لتبرأ من كل ما حرمه الله .. تدعونا لصلة ما أمرنا الله به أن يوصل تدعونا إلى الفرار إلى الله .. فنعظم شعائره كاملة ، ذلك ومن يعظم شعائر اللَّهَ فَإِنَّهَا مَن تَقْوَى الْقُلُوبَ » ، وشعائر الله أوامره ونواهيه ، وتعظيم ذلك هو تعظيم لله وإجلاله ، والتعظيم هنا يكون بإجلال هذه الأيام بالقلب والروح والجسد ، ومحبتها، وإقرار العبودية لله تعالى فيها، فلا تهاون، ولا تكاسل، في فرارك إلى الله في مثل هذه الأيام علنا نفوز بعفوه ورضاه