ads
الأحد 22 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

( إلي من  يتحدث عن السنة بغير بصر و بصيرة ، إلي منكري السنة ، تعالوا إلي كلمة سواء يا أولي الألباب  لعلكم تتقون)
 إلي من لهم آلة التفكير التي ميزهم الله بها عن العجموات ، وتفضل عليهم بنعمتي : الوجود والإمداد ، فأوجدهم من عدم ، واستبقاهم بأسباب الوجود فسخر لهم كل شيء.
وأيضاً إلي أهل العقول المستقيمة، والفطر السليمة، الذين ينتفعون بالوحي, ويتدبرون معاني ما أنزل الله ويفهمونها على مراد الله ،ومراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ،ويعملون بكلام الله ،رجاء ثوابه ،وخوفا من عقابه.
إلي هؤلاء أذكِّر  ، وأولئك أبصِّر فأقول:
إن الله- سبحانه وتعالى - يدعو عباده في القرآن إلى معرفته عن طريقين: أحدهما: النظر في مفعولاته، والثاني: التفكر في آياته وتدبرها، فتلك آياته المشهودة، وهذه آياته المسموعة المعقولة ،كما يقول ابن القيم رحمه الله. 
أما آياته المشهودة فكل البشر فيها علي السواء في مشاهدتها ورؤيتها ،فمنهم من انتفع بعقله فهداه إلي الله  الخالق والبارئ والموجد ،ومنهم من لم ينتفع فعاش عيشة البهائم.
وأما آيات الله المسموعة فكانت عن طريق الوحي إلي رسوله محمد -صلي الله عليه وسلم - وأمره بتبليغها  فقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم)[النحل:٤٤]. وقد قيل إن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان :
الأول: بيان اللفظ ونظمه، وهو تبليغ القرآن، وعدم كتمانه، وأداؤه إلى الأمة، كما أنزله الله تبارك وتعالى على قلبه - صلى الله عليه وسلم-، وهو المراد بقوله تعالى: (يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك)[المائدة:٦٧]، وقد قالت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ في حديث لها: "ومن حدثكن أن محمداً كتم شيئاً أُمر بتبليغه، فقد أعظم على الله الفرية. ثم تلت الآية المذكورة"[أخرجه الشيخان] . وفي رواية لمسلم: "لو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كاتماً شيئاً أُمر بتبليغه لكتم قوله تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)(الأحزاب: ٣٧)".
والثاني: بيان معنى اللفظ أو الجملة أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه، وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المجملة، أو العامة، أو المطلقة، فتأتي السنة، فتوضح المجمل، وتُخصِّص العام، وتقيد المطلق. وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم، كما يكون بفعله وإقراره .

السُّنة من الوحي المُنَزَّل:
الدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [النساء: ١١٣]، قال الحسن وقتادة: الحكمة هي السُّنة؛ وكذا قال الشافعي -رحمه الله-.
وقال ابن القيم: الكتاب هو القرآن، والحكمة هي السُّنة باتفاق السلَف، في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [الجمعة: ٢].
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يأمُر باتِّباع السُّنة فيقول في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي - وقال: حسنٌ صحيحٌ،  - عن أبي رافع رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا أُلْفِينَّ أحدَكم متكئًا على أريكته، يأتيه أمرٌ مما أمرتُ به، أو نهيتُ عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتَّبَعناه))
وروى أبو داود عن العِرْباض بن سارية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه مَن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنُتَّي وسُنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدثاتِ الأمور، فإنَّ كل محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة))
وظيفة السنة:
اتفق جمهورُ أهل العلم على أن السُّنة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وأن المسلم مُطالَبٌ بتنفيذ ما بلغه مما صَحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال تعالى: ﴿ وَما آتاكُمُ الرَّسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ العِقابِ ﴾ [الحشر: ٧].
وقد أحسن ابن عاشور رحمه الله حين قال: (وهَذِهِ الآيَةُ جامِعَةٌ لِلْأمْرِ بِاتِّباعِ ما يَصْدُرُ مِنَ النَّبِيءِ - صلى الله عليه وسلم -مِن قَوْلٍ وفِعْلٍ فَيَنْدَرِجُ فِيها جَمِيعُ أدِلَّةِ السُّنَّةِ، وعُطِفَ عَلى هَذا الأمْرِ تَحْذِيرٌ مِنَ المُخالَفَةِ فَأمَرَهم بِتَقْوى اللَّهِ فِيما أمَرَ بِهِ عَلى لِسانِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -وعَطَفَ الأمْرَ بِالتَّقْوى عَلى الأمْرِ بِالأخْذِ بِالأوامِرِ وتَرْكِ المَنهِيّاتِ يَدُلُّ عَلى أنَّ التَّقْوى هي امْتِثالُ الأمْرِ واجْتِنابُ النَّهْيِ، والمَعْنى: واتَّقُوا عِقابَ اللَّهِ لِأنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ، أيْ لِمَن خالَفَ أمْرَهُ واقْتَحَمَ نَهْيَهُ).

ومما قاله العلماء عن أنواع السنة ووظيفتها إنها:

١ - مُبيِّنةٌ لِما أُشكِل في القرآن:
قال تعالى: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: ٤٤]؛ فقد يكون اللفظُ له أكثر مِن معنًى، فيُشكِل المعنى المراد في الآية على الصحابة، فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم فيُبيِّن لهم المراد، ومِن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: ٨٢]، قلنا: يا رسول الله، أيُّنا لا يظلمُ نفسه، قال: ((ليس كما تقولون، ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ بشرك، أَوَلَمْ تسمعوا إلى قول لقمانَ لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾؟))[٨] [لقمان: ١٣].

وقصةُ عَديِّ بن حاتم:
ففي الصحيحين عن عَدِيٍّ، قال: لَمَّا نزَلَتْ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: ١٨٧]، عمدت إلى عِقالٍ أسود، وإلى عقالٍ أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلتُ أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ له ذلك، فقال: ((إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار)).

٢ - مُبيِّنةٌ لِما أُبهم في القرآن:

ففي صحيح البخاري أنه تمارى ابنُ عباس والحرُّ بن قيس في العبد الصالح المذكور في قوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ [الكهف: ٦٥] فسألا أُبَي بن كعب، فقال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((فارتدَّا على آثارهما قصصًا فوجدا خَضِرًا...)) .

٣ - مبينةٌ لما أُجْمِل في القرآن:
قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: ٤٣]؛ فبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوقاتها، وعدد ركعتها وصفتها، ثم قال: ((صلوا كما رأيتموني أُصلِّي)).
وقال تعالى: ﴿وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: ٤٣].
فبيَّنت السنة أنصبتها ومقاديرها وشروط وجوبها، ونحو ذلك.

٤ - مُخصِّصةٌ لما عُمم:
قال تعالى مبينًا المحرَّمات مِن النساء: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ﴾ [النساء: ٢٣]، ثم قال: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ [النساء: ٢٤]، فعمَّ ذلك جميع النساء مِن غير المذكورات، فخصَّصت السُّنة الجمعَ بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها؛ كما ثبت في صحيح البخاري.
وقال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: ١١]؛ فالآية عمَّتْ جميع الأبناء على اختلاف مِلَلِهم، فجاءت السُّنة فخصَّت الميراث بالولد المسلم دون الكافر؛ ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يرثُ المسلم الكافر، ولا يرثُ الكافر المسلم)).
٥ - مُقيِّدةٌ للمطلق:
قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: ٣٨]؛ فهذا حكمٌ في مُطلَق السرقة وإن قلَّتْ، فجاءت السُّنة فقيَّدته بحدٍّ مُعيَّن لا يقلُّ عنه؛ ففي الصحيحين عن عائشة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُقطع يدُ السارق إلا في ربُع دينار فصاعدًا)).

٦ - إضافة حكم جديد:
قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [الأنعام: ١٤٥]؛ فقد حَصرت الآيةُ المُحرَّمات مِن الأطعمة في هذه الأصناف الأربعة حين نُزول الآية، ثم أضافت السُّنة أنواعًا أخرى من الأطعمة المحرَّمة؛ مثل لحوم الحُمُر الأهلية؛ ففي الصحيحين عن أبي ثعلبة الخُشني رضي الله عنه، قال: حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لُحُوم الحُمُر الأهلية .
وذوات الأنياب مِن السباع: ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((كُلُّ ذي نابٍ مِن السباع فأكلُه حرامٌ)).

وختاماً أقول لمن يريد أن يؤمن بالقرآن وحده:
إن كنت مؤمنا بالقرآن حقا، صادقا في إدعائك ، لا يسعك إلا أن تؤمن بالسنة كذلك ؛ لأن القرآن هو الآمر بذلك -كما قلنا- ،فضلا عن أنك كيف تفهم القرآن بمعزل عن السنة ،وكيف تؤدي الفرائض وتعرف الحدود وغير ذلك من تفاصيل بعيدا عن السنة ؟!.
يا ليت الناس يعقلون !!!

تم نسخ الرابط