الدعاء هو العبادة، وليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء، كما ورد عن المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدعاء: خضوع لله تعالى، واعتراف بفقر العبد واحتياجه إلى ربه، يقول الله تعالى: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (60)(غافر).
ودعاء يوم عرفة من الأدعية التي يرجى قبولها من الحجيج وغير الحجيج؛ فقد ورد عن المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ" (رواه الترمذي)؛ لذلك لا ينبغي للمسلم أن يفوِّت على نفسه هذه الفرصة التي تأتي يوما واحدا في العام؛ بل عليه أن يجتهد ويلح في الدعاء، ويتأدب بآدابه حتى يتم قبوله من رب العباد، ومن آداب الدعاء: الوضوء ، واستقبال القبلة، والثناء على الله تعالى بما هو أهله، والدعاء بأسماء الله تعالى، وعلى الأخص اسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، ومن آداب الدعاء: عزم المسألة، وسؤال الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة دون أن تستكثر على الله ـ تعالى ـ شيئا، فقد ورد عن رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أنه قَالَ: " إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ، فَلَا يَقُولُ: إِنْ شِئْتَ، وَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يعظم عليه شيء أعطاه" (رواه البخاري في الأدب المفرد).
كما يجب على المسلم أن يعترف بذنوبه، ويستغفر ربه، فقد ورد عن المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال في دعوة ذي النون: " {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء: 87] "فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له "(رواه أحمد )، وذلك لاشتمالها على التوحيد في قوله: {لا إله إلا أنت}، وعلى التنزيه في قوله: { سبحانك}، وعلى الاعتراف بالذنب، في قوله:{ إني كنت من الظالمين}.
ومن الدعاء الذي ذكره الغزالي في إحياء علوم الدين، على لسان الحجيج : "اللهم إنك جعلت لكل ضيف قرى، ونحن أضيافك فاجعل قرانا منك الجنة، اللهم إن لكل وفد جائزة، ولكل زائر كرامة، ولكل سائل عطية، ولكل راج ثواباً، ولكل ملتمس لِمَا عندك جزاء، ولكل مسترحم عندك رحمة، ولكل راغب إليك زلفى، ولكل متوسل إليك عفواً، وقد وفدنا إلى بيتك الحرام، ووقفنا بهذه المشاعر العظام، وشهدنا هذه المشاهد الكرام، رجاء لما عندك فلا تخيب رجاءنا. اللهم آمين.. آمين .. أمين.
وليكن المسلم على يقين بقبول دعائه، فقد ورد في الحديث الصحيح: عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أنه قال: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو، لَيْسَ بِإِثْمٍ وَلَا بِقَطِيعَةِ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا". (رواه البخاري في الأدب المفرد).