صيانةُ أعراضِ الناس،واحترامُ حرماتِهم من المفاخر والمناقب التي يتحلى بها أصحاب المروءة.
أما انتهاكها بالقول،أو الفعل،أو النظر أو غيرها من صور الاعتداء، فهو عارٌ ومنقصة، ومذمَّة.
لذا يفتخرعنترةُ بكونِه رجلا يصون حرمة جارته، ويغضُّ بصره مدةَ ظُهورها:طالت أم قصرت، حتى يستُرها مسكنُها.
يفعل ذلك لأنه أصيل شريف ذو مروءة، يكبح زمام نفسِه، ويخالف هواها فيقول:
وأغضُّ طرْفِي ما بــدتْ جارتي * حتى يُوارِي جارتي مــأواها
إني امرؤٌ سمْحُ الخليقةِ ماجــدٌ * لا أُتْبِعُ النفس اللجوجَ هواهَا
ثم جاء الإسلام بتحريم الأعراض وضرورة صيانتها من كل ما يخدُش الحياء، ويجرح الكرامة، ووضع لذلك حدودا وتشريعاتٍ تحول دون التجرُّؤ على حرمات الناس، أو أن تُتْرَك ألْسنة السوء تنهش أعراض الشرفاء؛ لقساوة ذلك ومرارته على النفوس الحرة الطاهرة.
والعِرْضُ يشمل كل ما يُمْتدَحُ به الإنسانُ أو يذمُّ في نفسه، أو سلفه، أو خلَفِه،أو حاشيتِه من: جسدٍ، أو نفْسٍ، أو حسَبٍ، أو شرف.
جاء الإسلام فأكد على أن أعراض الناسِ من المُحرَّمَاتِ المُعظمة عند الله، وأن حرمتَها كحرمة يوم عرفة في البلد الحرام في الشهر الحرام .
ليس هذا فحسب، بل جعل الإسلامُ عِرْضَ أيِّ فرد بالمجتع عرضا للمجتمع كلِّه، بما يعني أن المجتمعَ كلُّه مطالبٌ بالدفاع عن عرض الفرد الواحد وحفظه وصيانته.
ويجعل الفردَ الواحدَ مطالبا بالدفاع عن أعراض المجتمع كلِّه، وحفظها وصيانتها، ويجعل الاعتداء على عرض الفرد الواحد اعتداءً على المجتمع بأسره .
وهذه المعانى دلَّتْ عليها إضافةُ الأعراض إلى ضمير المخاطبين في:" أَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ " الذي ورد في خطبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم بحَجَّةِ الوداع حيث يقول:
"أيها الناس : إن دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا.أَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ " صحيح البخاري/1739
ذلك حتى تبقى حُرْمَةُ الأعراض معظَّمة مصانةً محترمة كحرمة يوم عرفة في الشهر الحرام بالبلد الحرام.
حفظنا الله وإياكم ومن كل مكروه وسوء ، وأحسن إلى أمهاتنا وآبائنا كما أحسنوا إلينا .
وصان مصرنا، وبارك أرضها وشعبها، وحفظ جيشها، ووفق قادتها لما فيه خير البلاد والعباد .