الأربعاء 03 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

للوهلة الأولي قد يستغرب البعض هذا المفهوم ويظن أن هناك خطأ ما في صياغته؛ فكلنا يعرف أن هناك مجالات عديدة تتشابك مع مصطلح "التربية" كالتربية الدينية، والتربية الرياضية، والتربية الفنية، والتربية الموسيقية؛ لكن عددا محدودا _من الأكاديميين والمختصين في التربية الإعلامية والممارسين للعمل الإعلامي_ هو الذي يعرف جيدا ما الذي يعنيه هذا المفهوم، وما الدور الذي يؤديه في تشكيل البناء المعرفي للأفراد، وتنمية مدركاتهم تجاه ما تنشره وسائل الإعلام بشقيها التقليدي والرقمي، ومدي قدرتهم علي الفهم والنقد والتحليل، ومهارتهم في إنتاج المحتوي الإعلامي وفق قواعد ومعايير تزيد من قدرته علي التأثير في الجمهور، والتعاطي مع الثورة المعلوماتية والانفجار المعرفي الذي أتاح كما كبيرا، وإرثا ضخما من البيانات والمعلومات الضخمة، اعتري معظمها التزييف والكذب وعدم الموثوقية، بعدما انتشرت بشكل كبير عبر شبكة الإنترنت بمنصاتها الرقمية ومواقعها الإلكترونية لتجعل الجمهور في حالة من التشكك والتردد في التفاعل مع هذا المحتوي، وبعدما وقع البعض فريسة للمعلومات المضللة والأخبار الزائفة والمنقوصة التي لاقت رواجا ليس له مثيل، وأصبحت علي مرأي ومسمع من الجميع.
القراء الكرام...أعيروني اهتمامكم لنسلط الضوء علي هذا المصطلح، ونغوص في أعماقه لنتعرف علي ماهيته، وأهميته، ودوره البارز والمهم في عالم الواقع الافتراضي وإنتاج المحتوي الرقمي عبر شبكة الإنترنت ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي.
ف "التربية الإعلامية الرقمية"  عملية تدريب وتأهيل للجمهور للتعامل مع المحتوي الاتصالي الرقمي، وإكسابه مهارات التقنيات الرقمية عبر شبكة الإنترنت، وتصفح الشبكات الرقمية، وتنمية مهارات التفكير الناقد للمحتوي المطروح عبر هذه الشبكات، ويعني ذلك: القدرة علي الوصول للرسائل الإعلامية الرقمية، وتحليلها، وتقييمها، والقدرة علي إنتاج المحتوي الرقمي بأشكال متنوعة ووسائط متعددة، وتنمية المهارات الإعلامية التي تجعل الجمهور يتفاعل بكثافة مع المحتوي الذي يطرحه البعض عبر الوسائط الرقمية.
ويتضح جليا أهمية "التربية الإعلامية الرقمية" لحاجة الأفراد الملحة لامتلاك  القدرة علي فهم وتحليل المحتوي المعلوماتي الضخم المنتشر عبر شبكة الإنترنت، والتأكد من مدي صحته، ودقته، ومصداقيته، وفهم السياق الاجتماعي والثقافي للمحتوي الإعلامي الرقمي، وتفادي مخاطر الرسائل الإعلامية الرقمية السلبية التي تلقي بظلالها علي الأفراد والشعوب، والسعي نحو الفهم الصحيح للرسائل الإعلامية، وقراءتها قراءة صحيحة ودقيقة ومتأنية، وفهم معناها ومغزاها الحقيقي، وإكساب الجمهور الثقة في التعامل مع وسائل الإعلام الرقمي، ومواجهة التحديات الإعلامية التي أفرزها التقدم التكنولوجي والانفجار المعلوماتي، ومساعدة الجمهور علي التمييز بين المحتوي الحقيقي والمحتوي الزائف الذي انتشر عبر شبكة الإنترنت بشكل كبير.
وهناك مهارات اتصالية ترتبط بشكل كبير ب "التربية الإعلامية الرقمية" كمهارة الوصول للمحتوي دونما صعوبة، ومهارة تحليل المحتوي الرقمي وتقييمه، ومهارة إنتاج المحتوي الرقمي في عصر الوسائط المتعددة وتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ وهي مهارات لا يستغني عنها أي مستخدم لشبكة الإنترنت حيث صارت كالملح بالنسبة للطعام، وكالهواء الذي يتنفسه المرء ليظل علي قيد الحياة؛ في ظل وجود ما يقرب من ملياري حساب نشط يوميا علي الفيس بوك، ووجود ما يقرب من ٤٥ مليون حسابا مصريا نشطا عبر هذه المنصات، يتفاعل الجمهور من خلالها  _افتراضيا_ مع الآخرين.

ويؤدي امتلاك الجمهور لهذا المهارات دورا كبيرا في خلق ونشر الوعي الإعلامي الرقمي لدي الجمهور، وتشكيل ثقافة التفاعل الإيجابي مع الرسائل الإعلامية الرقمية، وتقييم الرسائل الإعلامية الرقمية، ونقدها نقدا تحليليا متعمقا، وإصدار أحكام صحيحة بشأنها، وتفادي المخاطر الناجمة عن المحتوي الزائف والكاذب والشائعات المغرضة التي تعج بها وسائط الإعلام الرقمي، وغرس مباديء ومهارات التربية الإعلامية الرقمية لدي جمهور المستخدمين.
لذا فنحن بحاجة ماسة لنشر هذه الثقافة بين جمهور المستخدمين ليجيد التعامل مع الوسائط الرقمية، ويتفاعل _إيجابيا _مع محتواها، وينتج محتوي رقميا هادفا، وفاعلا، ومؤثرا؛ ولن يتأتي ذلك إلا من خلال تدريس محتوي التربية الإعلامية الرقمية للطلاب والباحثين، وعقد دورات  وندوات وورش عمل ومحاضرات مكثفة لمستخدمي شبكة الإنترنت يكون هدفها الأول والأخير رفع الوعي الإعلامي الرقمي، وإكساب الجمهور هذه المهارات ليكون عضوا فاعلا ومؤثرا في بيئة الإعلام الرقمي التي تشكل خطرا داهما يلاحق الجميع، والذي يقتضي الانتباه له، والتسلح بآليات العصر وتقنياته لنحلق في سماء الأمن الفكري والمجتمعي، ونحفظ مجتمعاتنا وأوطاننا من كيد الكائدين، ومكر الماكرين.

تم نسخ الرابط