الأربعاء 03 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

فى حياتنا العديد من الأشياء تولد وتنمو.. تزدهر وتنتشر.. ثم تهاجمها الرياح والعواصف.. تقتلع الجذور ثم ىموت.. لكن فى نفس الوقت يكون الإبداع قد أدى رسالته.. يطمئن عليها فى خزينة الذات تحتفظ بها لحين ميلاد جديد.. عن هذه المرة نتحدث المونولوج الذى أطلقه سيد درويش شيخ التجويد.. فى لوحات غنائية تسجل الأحداث وسمات البسطاء والمطحونين.. وحتى الأثرياء والمقتدرين.. مولود متمرد ناقد بطبعه.. من ضحكة ودمعة.. وشكل مصرى 100٪ رغم الاسم مأخوذاً من الملفات الأجنبية »مونولوج« أى معدى المشاعر.. تنطلق عبر شخص المغنى إلى جمهور المشاهدين.. رسالة تدعو إلى اليقظة والحذر من مطرب مجتمعى.. نموذج توعوى غير مسبوق.. يؤثر فى الجميع ويؤدى الرسالة بنجاح مهما كانت الحالة النفسية للمتلقى وما يحمله من آمال ويتمنى الخلاص مما يعانى من آلام.

هناك بالطبع هواة لهذا الفن لم يحصلوا على فرصة الانتشار.. ولكن لدينا أيضاً إعلام وشهادات مضيئة من النساء والرجال منذ أن تقدم الصفوف عميد المسرح يوسف بك وهبى.. متأثراً بالدراما الفرنسية والوقوف طوىلا أمام فن الفودفيل مختارا المونولوج لجذب المشاهدين إلى عروض فرقة رمسيس وقلده بسرعة العديد من أصحاب الفرق المسرحية والكازينوهات والملاهى التى ازدهرت مع اشتعال الحرب العالمية الثانية وامتلأ هذه الأماكن من جنود الحلفاء وأثرياء المصريين.

القائمة شبه الرسمية تبدأ بالموهوبة ثريا حلمى التى تفرغت للمونولوج وكان لها برنامجا يوميا بالإذاعة المصرية.. ودعمها بسرعة أبو ضحكة جنان »اسماعيل ياسين« القادم من السويس بحثا عن الشهرة والانتشار.. وثالثهما محمود شكوكو النجار المعجون بالفن وكان ملحن موهوبا بالفطرة.. شريكا موثوق به للجميع.. يحمل كذلك راية التجديد وبالفعل استثمر علاقة الحب التى ربطته بمختلف الجماهير الوحيد الذى أنتج له فنان مجهول تمثالا من الجبس حقق اقبالا غير مسبوق للبيع بزجاجة ووصل كل البيوت.. ويلاحظ انه من معطف الثلاثة انضم العديد من الأطفال الموهوبين فيروز.. ولبلبة.. وآخرين.. وتوطدت سياسة تقديم المونولوج فى الخمسينيات وخرجت إلى الشام وشمال أفريقيا على وجه الخصوص.

ثم ظهر أجيال مقدمى المونولوج المجددين فى زيادة جرعات السخرية واختراع المواقف.. وتشكيل الفرق الموسيقية.. ودعمهم الزجالون واستعانوا بالمخرجين.. واشتد التنافس بين فكرى الجيزاوى وحلمى المليجى وأحمد غانم ونبيل فهمى وفيصل خورشيد وعادل الفار.. وتقدمها سيد الملاح ابن بورسعيد التى اشعل الموقف بتقليد كاريكاتيرى للمشهورين ومنهم على سبيل المثال المطرب الشعبى الراحل عبدالمطلب الذى تصادف ان شاهد المونولوج فصعد إلى المسرح وطارد الملاح محاولا الاعتداء عليه ونافسته الفنانة لبلبة بحثا عن مكانة أفضل فى السينما والدراما.. وظهرت فرقة من هواة الجامعة.. لكن المونولوج تراجع لنبحث عنه فى أفلام الأبيض والأسود القديمة.. وتسجيلات الزمن الطويل.

إضافة أخيرة.. هل خوف بعض الفنانين تجربة المونولوج بعبارات خارج النص.. أولهم محمود عبدالعزيز (الكيف) وأحمد زكى (البيه البواب) ومحمد هنيدي (إسماعيلية رايح جاي) ولكن علينا الاعتراف بأن المونولوج كاد أن يختفى هذه الأيام.. وأصبحنا نفتقد حتى محاولات الهواة.. لكن ثبت الحقيقة.. المونولوج معجزة درامية مصرية نتيجة لعلاقة خاصة بين الضحكة والدمعة.. ومن هنا يظل الأمل لعودته من جديد.

تم نسخ الرابط