الأربعاء 03 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

كلُّ النعم يمكن أن تزداد وتتضاعف بإحسان جوارها، ومضاعفة شكرها إلا الوقت، قُدِّرَ له أن ينقص ولا يزيد .

لذا كان الحرص على الاستفادة من كل دقيقة دأبَ النابهين حتى تعظمَ ثمرة أوقاتهم وإن تناقصت أعمارهم.

 والإنسان الطموح الجاد هو من يُحلَّق به طموحه وجِدُّه ليتجاوز ما ينشغل به اللاهون المتقاعسون من اهتمامات فارغة، وسفاسف تافهة تستهلك العمر، وتقتل الطموح. 

  نعم الجاد قد يلهو، قد يضحك، وقد يمزح، إلا أنه لا يقوى على التمادي في ذلك، لأنه اعتاد حياة الجد، فهي تجذبه أبدا نحوها بشدة.

  ومن هنا تأتي البركة في الوقت، والبركة في العمر، حيث ينجز الجاد من الأعمال في وقت قليل ما لا يسع المتكاسلون أن ينجزوه في سنوات.

   لذا يقول الفقيه المالكي الصوفي المصري ابن عطاء السكندري :"رُبَّ عمْرٍ اتسعت آمادُه، وقلَّت أمداده ، ورُبَّ عمْرٍ قليلةٌ آماده كثيرةٌ أمداده" والأمداد: التوفيق، والفتح وتيسير الصعاب، وتوَفُّرِ أسبابِ النشاط .

 ومصدر ذلك كلِّه : لُطْف الله وتوفيقُه، لا غنى عنهما للسالكين المجدين الطموحين.

" فمن بُورك له في عمره، أدرك في يسيرٍ من الزمن من مِنَنِ الله تعالى ما لا يدخل تحت دوائر العبارة، ولا تلحقه الإشارة ".

  وإنه لمن الغفلة أن تطلع الشمس على أناس يغطُّون في نوم عميق؛لأنهم ألفوا واعتادوا أن يناموا حتى الضحى، فحرموا الخير الكثير.

  تقول السيدة فاطمة ـ رضي الله عنها ـ :" مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ مُتَصَبِّحَةٌ، فَحَرَّكَنِي بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّةَ، قُومِي، اشْهَدِي رِزْقَ رَبِّكَ وَلَا تَكُونِي مِنَ الْغَافِلِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُقَسِّمُ أَرْزَاقَ النَّاسِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ" شعب الإيمان للبيهقي /4735، جامع الأحاديث للسيوطي/ 25865

   وما أجمل البيان النبوي عندما يقول:" نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ"صحيح البخاري/ 6412

والغبْنُ : الوكْسُ والوكْسَة، يقال: وُكِسَ الرجل في تجارته أي: خسر، والغبْنُ: نسيانُ الشيء، والغفلةُ عنه.

فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضرب لوقت الإنسان وصحته مثلا بتاجر له رأس مال، يبتغي الربح مع سلامة رأس المال .

  وسبيله في ذلك: الجد والاجتهاد، وإلا فإنه لا يربح ولا يحفظ رأس ماله، فيستحيل المال من نعمة إلى نقمة، عندما لا يجد المرء ما يجنيه من خسارته وضياعه إلا الحسرة والندامة .

  كذلك: صحتك ، شبابُك، ووقتك هي رأس مالك، وهي لا تكون نعما إلا إذا أحسنت استغلالها.

 لأنه "ما مِن يوم ينشقُّ فجره إلا وينادي يا ابن آدم: أنا خلقٌ جديد وعلى عملك شهيد، فتزوَّدْ مني فإني إذا مضيتُ لا أعود "جامع الأحاديث للسيوطي/ 19515.

  بارك الله لكم في أوقاتكم ، وبارك لكم في صحتكم ، ووفق أبناءنا وبناتنا.

 وحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء. 

تم نسخ الرابط