الجمعة 08 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

أحوالُ العباد دائرةٌ بين: ضعفٍ وقوة ، ضيقٍ وسعة ، شدة وفرج ، حزنٍ وسرور ...ذلك من سنن الله تعالى في خلقه ، فلا قوةَ دائمةٌ ولا ضعف ، ولا سرورَ دائمٌ ولا حزن .

وكثير منا يتقلب في النعم، ولا يشعر بفضل الله عليه فيها إلا بعد فقدها، فالإنسان بطبعه عدّادٌ للشدائد، نسَّاءٌ للنعم . 

ومن رحمته ـ سبحانه ـ بعباده أنه يُخرج المنحةَ من رحم المحنة، وله في ذلك ألطاف وحكمٌ تخفى على عباده.

 يقول الحق:" وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ" سورة البقرة/216

لأن شأن جُلِّ الناس الغفلةُ عن عواقب الأمور وغاياتِها، أو جهلهِما، فيظنون الملائم للطباع نافعاً، والنافع لها ضاراً.

ومقدراته ـ سبحانه ـ لا تعتمد ملاءمة الطبع ومنافرتَه، بل المصالحَ، ودرْءَ المفاسد؛ إذ قد يكره الطبعُ شيئاً وفيه نفعه، وقد يحب شيئاً وفيه هلاكه.

فإن الشيءَ قد يكون لذيذاً ملائماً ويفضي ارتكابه إلى الهلاك، وقد يكون كريهاً منافراً وفي ارتكابه صلاح، ، والعبرة في ذلك بالعواقب والغايات .

تقلب الأحوال هذا فيه تربية للنفوس، وتهذيب للأخلاق، بل ورحمة من الله بعباده، فكم من أقوام أصابهم الغنى فبطِروا وتكبروا، وأنكروا فضل الله عليهم فيه؛ فاستحقوا بذلك هلاكهم، يقول الحق :" وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۭ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَاۖ فَتِلۡكَ مَسَٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ وَكُنَّا نَحۡنُ ٱلۡوَٰرِثِينَ"سورة القصص/58

والبَطر: عدم الاعتراف بما أسدي إليهم من الخير تكبرا. 

فشمل العقاب السكان، والمساكن.

عوقب السكان بالانقراض عن بكرة أبيهم فلم يتركوا لهم في مساكنهم خلفا يرثهم، وورثها الوارث. 

وعوقبت المساكن بحرمانها من الساكنين، لأن بهجة البيوت والمساكن: السكان، وإقْفارُها: خُلُوُّها من السكان" فَتِلۡكَ بُيُوتُهُمۡ خَاوِيَةَۢ بِمَا ظَلَمُوٓاْۚ" سورة النمل/52 ، فالبيوت باق بعضها لكن لا ساكن بها، فحرمت بهجتَها بخلوها من السكان.

  فإذا حسُنَت أخلاق العباد، وصفتْ قلوبُهم، واستقامت أحوالهم، وأظهروا لله الذل والافتقار، جاءهم اليسر بعد العسر، والفرحُ بعد الحزن، لئلا يستبد بهم اليأس والقنوط.

تلك من سنن الله المشاهدة.

وكم لله مـن لـــــطفٍ خـفيٍّ.. يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْـمِ الذَّكِيِّ 

وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ.. فَفَرَّجَ كُرْبَةَ القَلْبِ الشَّجِيِّ

وكم أمـــرٍ تساءُ به صباحـاً.. وَتَأْتِيْكَ المَسَـــرَّةُ بالعَشِيِّ

  ديوان الإمام علي،ص:160، ط: دار المعرفة، بيروت

  هذا من فيض جوده، وكمالِ لطفه، فهو ـ سبحانه ـ يجعل بعد عسرِ قومٍ: يسراً لهم " سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا " سورة الطلاق/7 ، ففيها بعثٌ للترجّي، وطرح لليأس، أي:عسى أن يجعل اللهُ بعد عُسركم  يُسراً لكم، فإن الله يجعل بعد عسر يسراً .

 وفي سورة الشرح:" فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا.إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا"، بالصبر الجميل، والتسلح بالعزيمة القوية، والإِيمان العميق بقضاء الله ـ تعالى ـ وقدره، وكثرة الدعاء والتضرع إليه ـ سبحانه ـ والمداومة على الشكر الاستغفار.

  أدام الله علينا نعمه، وبارك الله لنا فيها، وجعلنا من الشاكرين، وحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء. 

تم نسخ الرابط