الجمعة 05 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

.   كانت السيدة زينب ـ رضي الله عنها ـ أولى بنات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من زوجه أم المؤمنين السيدة خديجة ـرضي الله عنها. 
وكانت ذات ملامح تقترب كثيرا من ملامح أمها، فكان والدها يؤثرها بمزيد من الحب والعطف، كما أنها كانت ذات حُنُوٍّ على أخواتها، حتى بعد زواجها من ابن خالتها أبي العاص بن الربيع، إذ كانت تكثر زيارة البيت الأول بيت أبيها؛ لرعاية شئون أخواتها.
وقد أسلمت ـ رضي الله عنها ـ لما كانت تعلم وترى من صدق أبيها، وقد احترم زوجُها رغبتَها في اعتناق الإسلام، كما احترمت هي الأخرى رغبته في التلكؤ حتى يطمئن قلبه. 
هاجر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم تقو هي على فراق بيتها وولديها فظلت بمكة.
ثم نفر المكيون لقتال أبيها والقضاء على المسلمين في موقعة بدر، وكان معهم زوجُها أبو العاص بن الربيع.
لا تسل عن لوعتها عندما علمتأن زوجها خرج لقتال أبيها، وعندما جلست تفكر في نتائج تلك المعركة وتتساءل: هل ينتصر أبوها ويُقتل زوجُها ؟ أم يُقتل أبوها وينتصر زوجها ؟ 
لقد جلست مع ولديها باكية خاشعة تتضرع إلى الله أن ينصر أباها والمسلمين، وأن يرد إليها زوجَها سالما. 
ويا له من تضرع يعكس حبَّها لأبيها، ووفاءَها لزوجها.
دارت المعركة وانتصر المسلمون وقتل من المشركين من قتل ، وأسر من أسر، وكان من الأسرى زوجُها أبو العاص . 
لقد استجاب الله رجاءها، فأسرعت كما أسرع ذوو الأسرى بإرسال فداء أسراهم، فنزعت قلادتها التى أهدتها لها أمُّها السيدةُ خديجة ـ رضي الله ـ عنها ليلة زفافها على ابن خالتها ، وأرسلت بها إلى أبيها فداء لزوجها.
وُضِعت القلادة بين يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعرفها، وأخدته رقة شديدة، وقال في تأثر عميق لمسه الحاضرون:" إن رأيتم أن تردوا لها قلادتها وتعفوا عن أسيرها " ففعلوا. 
ثم أخذ رسول لله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على زوجها عهدا أن يرسل له ابنته السيدة زينب فور عودته لمكة، وكان أبو العاص وفيا، فسمح لزوجه بالهجرة، وكلف أخاه" كنانة ابن الربيع " بحمايتها.
كان كنانةُ راميا شجاعا، وفي الطريق خرج عليهم" هبار بن الأسود" ومعه نفر من المشركين، فنخس الناقة التى كانت تحمل السيدة زينب ـ رضي الله عنها ـ بسيفه نخسة شديدة، فسقطت على الأرض وكانت ذات حمل، فسقط حملها، وسال دمها . 
 دافع كنانة عن السيدة زينب دفاع الأبطال الشجعان وصوب سهامه تجاه هبار وجماعته ففروا هاربين .
وصلت السيدة زينب إلى المدينة وهي تعاني من تلك السقطة ، واشتد عليها المرض فماتت ـ رضي الله عنها ـ بالمدينة .
لا تسل عما كان يعتصر رسول لله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ألم بسبب ما حدث لابنته، وكان الاعتداء على النساء ولا زال أمرا تستهجنه العرب .
لقد شعر بما يشعر به كل أب شفيق رحيم فُجِع في فلذة كبده دون ذنب ولا جريرة.
فأهدر ـ صلى الله عليه وسلم ـ دم هبار وجماعته، وهو إعلان وعقوبةٌ معروفة عند العرب لقاء ما يرتكبه جهول من جرائم يأنف منها ذوو المروءة .
تمر السنوات ويدخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة فاتحا منتصرا، ويدرك هبار وقد اعتراه خزيُ وعارُ فعلته أن لا مهرب له من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن ليس له إلا الاستسلام، فيمْثُلُ بين يديه قائلا : لقد أردت اللحاق بالأعاجم، والهروب منك في البلاد، إلا أني تذكرت عفوك وصفحك، فاعف عني فإني مُقرٌّ بذنبي، معترفٌ بجَهَلِي. 
فيعفو عنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسط دهشة الحضور إذ كانوا يتوقعون أن يعاجله صلى الله عليه وسلم بالعقاب.
لكنه رسول الله ، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
المصادر:
ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الجزري.
ـ الأيام النضرة والسيرة العطرة للشيخ المغامسي .
ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبدالبر .
ـ مع المصطفى لبنت الشاطئ .
جعلنا الله وإياكم من العافين عن الناس. وحفظنا وأولادنا وبلادنا من كل مكروه وسوء، ووفق قادتنا لما فيه خير البلاد والعباد.
وجعل العام الهجري الجديد على مصرنا عام خير ونماء وبركة ،وعام سلام ووئام على العالم أجمع.

تم نسخ الرابط