السبت 21 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

 أن يعيش الإنسان دون أن يحاسب نفسه على ما كان منه وما يكون، لهو دليلُ فجورٍ، وانطماسُ بصيرة.
وهذا أمر يمكن التسامح فيه لو لم يكن لله علينا حفَظَةٌ يكتبون حتى مثقال الذرة من الخطأ والصواب، والطاعة والمعصية ، يُعِدُّون لنا قوائمَ بحساب طويل .
لذا كان من أبلغ الجهَل والسفه، ألا يُراجع الإنسان أقواله وأفعاله؛ ليأخذ منها ما يدفعه للاستقامة، ويحضُّه على عدم تكرار أخطائه.
والحق سبحانه يحذرنا وينبهنا على أنه لا يسوغ لنا أن نهمل محاسبة أنفسنا، ومراجعة أفعالنا، وأقوالِنا ، وتصرفاتنا؛ لأننا مُحاسبون أمامه يوم الدين، ومن يظن غير ذلك فهو واهم . 
والكثير من الناس يحب ألا يكون هناك حساب ولا جزاء، ولا جنة ولا نار؛ ليعيشوا حياتَهم ظلما وعدوانا وفجورا، يقضون شهواتِهم دون رقيب ولا حسيب.
هؤلاء فضح الله ظنونهم، وأبطل أوهامهم قائلا:" لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ. وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ . أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ . بَلَىٰ قَٰدِرِينَ عَلَىٰٓ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُۥ . بَلۡ يُرِيدُ ٱلۡإِنسَٰنُ لِيَفۡجُرَ أَمَامَهُۥ" سورة القيامة/1 : 5 
أي: لا أقسم  بأعز من يوم القيامة؛ لما يكون فيه من فصل وحساب وجزاء، ولا أقسم بأعز من النفس التي تكثر لوم صاحبها على على الخطأ والتقصير.
لنجمعن عظام الإنسان، أيحسب أن لن نجمع عظامه ؟؟ ينكر عليه ذلك الحسبان.
إن من يحسب ذلك يحب أن يمضيَ في حياته دون رقيب،ولا محاسب، ونفسه الكاذبة تورد عليه الأماني، وتُوَسِّع له في الأمل، وتُطْمِعُه في النجاة والإفلات مع سوء العمل. 
ثم يؤكد الحق على ذلك مرة ثانية، منكرا على الإنسان حُسْبانَه أن الله مهمِلُه دون حساب.فيقول:
"أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًىز أَلَمۡ يَكُ نُطۡفَةٗ مِّن مَّنِيّٖ يُمۡنَىٰ . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ . فَجَعَلَ مِنۡهُ ٱلزَّوۡجَيۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰٓ . أَلَيۡسَ ذَٰلِكَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰ"سورة القيامة /36: 40 
أي: لن نُهمِلَه دون حساب؛ لما يترتب على ذلك من جعل الصالحين كالمفسدين، والطائعين له كالمجرمين . 
ولأنه ـ سبحانه ـ لو أهمل الحساب لفاز أهل الإفساد والفساد، ولكابد المصلحون والصالحون الآلام والأوجاع ، ولأصبح الناس مضربا للمثل القائل :" الريحُ للعادِي" أي العون والمدد للظالم المعتدي المُفْسد . 
وحكمة الحكيم لا يناسبها ذلك ، لما يؤدي إليه من انهيار للقيم ، وإفساد للعالم.
وهناك من يتمادى في جهَلِه وغيِّه، فيظنُّ أنه قد بلغَ من القوة والمنعة بحيث لا يقدر عليه أحد، فينكر الحق ذلك الحسبان أيضا فيقول:" أَيَحۡسَبُ أَن لَّن يَقۡدِرَ عَلَيۡهِ أَحَدٞ" سورة البلد/5 
أي: إن كان يتوهم ذلك، فهو فى ضلال مبين، لأن الله ـ تعالى - قادر على إهلاكه، قادر على أن يسلط عليه من يُذِلُّه ، ويقضي عليه.
وهناك من يخطئ ويرتكب الحماقات، ظنا منه أنه  في الخفاء، بعيد عن الأعين، لا يطلع عليه أحد، مثل هذا الإنسان فى نهاية الجهالة، وانطماس البصيرة ؛لأن الله الذي لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء مطلعٌ عليه.
يقول الحق منكرا عليه ذلك الحسبان أيضا :"أَيَحۡسَبُ أَن لَّمۡ يَرَهُۥٓ أَحَدٌ" سورة البلد/7
فحاسب نفسك ، وراجع أعمالك، وقدم إرضاء الله على إرضاء نفسك، قدم إرضاء الخالق على إرضاء الخلق . 
واعلم " أن الله يمنعُك من يزِيد ، وأن يزِيد لا يمنعك من الله "
هدانا الله وإياكم إلى طيب القول وصالح العمل، وحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء.

تم نسخ الرابط