ظهرت منذ مدة بين أهلنا في الريف ما يعرف بجمعيات رجال الأعمال مهمتها الأساسية إقراض كل من يحتاج إلى قرض، والفكرة إلى هنا لمن يقرأ عنها أو يسمع بها يراها جيدة، لأنه سيتصور أن مجموعة من أبناء الوطن ممن وسع الله عليهم وأعطاهم من فضله يريدون أن يفرجوا كرب المكروبين، ويذهبوا هم المهمومين من أهلنا الفلاحين المتعثرين، وبخاصة أنهم وضعوا لهذا المشروع الإقراضي عنوانا ملفتا للنظر، يعبر عن هدف سام، ودور إنساني ينسب لهم، حيث سموه (( تساهيل))، فمن يقرأ هذا العنوان يظن أن هذه الجمعيات ستقرض المحتاج من أهلنا قرضا حسنا بدون فوائد حتى يتعافى من المشكلة التي يمر بها ثم يتم جدولة ديونه بما يتناسب مع ظروفه الاقتصادية، ولكن للأسف الشديد أن هذا العنوان يتناقض تماما مع هذا المعنى الإنساني الجميل الذي يدل عليه، والأفضل له أن يسمى ( تساهيل إلى السجن) ، فهذا المشروع يقوم على القروض ذات الفائدة العالية التي تصل إلى ما يقرب من نصف المبلغ المقترض، وحتى يحصل أحد على هذا القرض، لابد وأن يعطي ضمانات جائرة أقلها أن يوقع على بياض على عدد من وصولات الأمانة، ثم تمضي معه زوجته أو ابنه أو أي قريب له على وصولات أمانة بعدد ما مضى عليه صاحب القرض، بالإضافة إلى ضمانات أخرى تجعل المقترض إن تعثر في السداد يبيع أرضه وبيته ويخرج من بلده، والقرض يوزع على شهور السنة كل شهر يدفع قسطا وإن تأخر عدة أيام يتم رفع ضده قضية خيانة أمانة، ومع ذلك يضطر أهلنا من الفلاحين إلى الذهاب إلى هذا الشر تحت وطأة الحاجة فأرضه تحتاج إلى سماد وتقاوي والجمعيات والبنوك الزراعية توقفت عن تلبية احتياجاته تحت مبررات كثيرة ، مع ارتفاع ضخم في أسعار السماد والتقاوي في السوق السوداء مما يضطره للاقتراض من ( تساهيل)، كما إنه قد يكون عنده أبناء أو بنات ويحتاج أن يزوجهن والعين بصيرة واليد قصيرة فيجبر جبرا إلى الاقتراض من أصحاب هذا المشروع، الذي توسع وتضخم وأصبحت له مقرات في القرى والعزب والنجوع، حتى وصل بهم الأمر أن يؤجروا الشقة في القرية بمبلغ يصل إلى سبعة آلاف جنيه، ويعمل بالمقر الواحد عدد من المحصلين (الجباة) يحصل الواحد منهم على راتب شهري لا يقل عن خمسة آلاف جنيه، وهذا يعطي تصورا عن الأرباح التي تحصل عليها هذه الجمعيات من عرق ودم الفلاح المصري البائس، وقد ترتب على هذه القروض ذات الفائدة العالية، والمطلوب دفعها في كل شهر أن عجز كثير من أهلنا الفلاحين من السداد، فقامت جمعيات رجال الأعمال بالزج بهم في السجون، وبعضهم قد يبيع أرضه وبيته ويرحل من البلد خوفا من أن يكون مصيره السجن، وحكى لي أحد الفلاحين أن قريبا له اقترض من هذا المشروع مبلغا قدره ثمانين ألف جنيه لزواج ابنه وكلما عجز عن السداد زادوا عليه من قيمة الفائدة وظل المبلغ يزيد بزيادة الفائدة حتى وصل إلى ستمائة ألف جنيه ثم رفعت قضايا عليه وعلى زوجته الضامنة، مما اضطره إلى أن يبيع بيته ويسدد المبلغ ويأخذ أسرته ويذهب إلى منطقة نائية ليعيش في خيمة، ومعه ثلاثة من أبنائه المتزوجين وأولادهم، هذا واحد من مئات دخلوا السجون بسبب مشروع (تساهيل)، ونحن نناشد الجهات المختصة أن تتدخل لإنقاذ هؤلاء الناس من جشع جمعيات رجال الأعمال في محافظة كفر الشيخ، وأن تعيد إلى الجمعيات التعاونية والبنوك الزراعية دورها الذي أنشئت من أجله في دعم الفلاح ومساندته بصفته صمام الأمان للشعب المصري وبخاصة في الأزمة الاقتصادية التي نعيشها.