في صيف ٢٠١١ وبينما كانت الساحة الإعلامية في مرحلة ما بعد مبارك تعيش طفرة توسعية وتنافسية وبينما كنا نتسابق - كمراسلين شبان حينها - إلى تطوير مهاراتنا الإعلامية لمواكبة تغطية أحداث متلاحقة نادرة التكرار ، كان أحدهم على موعد مع فرصة تدريب ثمينة ضمن زمرة معدودة من مراسلي الفضائيات المصرية الذين تم ترشيحهم لحضور منحة مقدمة من التليفزيون الألماني للتدريب على التغطية الاحترافية للانتخابات، لكنه لم يحضر وحضرت أنا بدلا منه بمبادرة سخية منه جمعت بين معاني الإيثار والكرم والأصل الطيب والنفس النقية
هكذا اتخذ صديقي العزيز محمد مبروك موقفا توقفت أمامه طويلا ومازلت أستحضره دون كلل أو ملل حتى بعد مرور ثلاثة عشر عاما على تلك القصة التي حدثت خلال فترة انضمامنا لقناة الحياة المصرية
مبروك لم يتنازل لزميله عن تلك الفرصة إلا بما لديه من مخزون هائل من الثقة بالنفس والإيمان بقدراته المهنية ومبادئ التنافس الشريف وإن كان الأصل أن يتمسك بحقه في اقتناص الفرصة التي وصلت إليه بطريق شرعي ولو كان فعل ذلك لم يكن لأحد أن يلومه أو يطالبه بالتخلي عنها
تذكرت تلك القصة مجددا بعد الواقعة المؤسفة التي حدثت بين شهد وجنة لاعبتي الدراجات ، فقد كانت واقعة كاشفة عن كثير من التغيرات في السلوكيات الجماعية للمجتمع المصري
فالثابت أن ساحات الرياضة هي المجال الطبيعي لتطبيق مبادئ التنافس الشريف وقيم الروح الرياضية لكن من الواضح أن مساحة تلك المبادئ والقيم تتراجع بحدة لدرجة أن إحداهن لا مانع لديها أن تزيح منافستها بكتف غير قانوني حتى لو أدى ذلك إلى إصابة الثانية بإصابات بالغة الخطورة قد تقضي على مستقبلها
صحيح أن شهد لم يكن مطلوبا منها أن تتنازل لمنافستها عن فرصتها في السباق كما تنازل مبروك لي عن فرصة التدريب، لكن على الأقل أن تلعب بشرف وتكسب بمجهودها لا بطريقة غير مشروعة
القصة كاشفة كذلك عما يدور في المجتمع المصري من سيناريوهات مشابهة في مختلف المجالات وهذا ما يفسر حجم الغضب الهائل الذي اجتاح منصات التواصل الاجتماعي ضد تصرف شهد الذي بدا نموذجا معبرا عما يدور في بيئات العمل المتنوعة ، فبيننا من لا يمانع أن يزيح زميله من موقعه المهني بكتف غير قانوني كما فعلت شهد ولا يكترث للنتائج المحتملة حتى لو أدت لضياع مستقبل زميله
لا تخلو قصة شهد وجنة من إسقاطات واقعية ففي كواليس التفاعلات المجتمعية قصص مماثلة وربما أكثر شراً مما رصدته عدسات الكاميرات في تلك الواقعة
أخيرا قصة شهد وجنة كاشفة عن مدى حاجتنا لنموذج الصحافة الواعية المحركة للرأي العام كموقع "يلا كورة" الذي فجر القضية لتنتهي باستبعاد شهد من تمثيل مصر في الأولمبياد في خطوة تصحيحية من اللجنة الأولمبية لقرار اتحاد الدراجات الذي بلغ "ليفيل الوحش" في استفزازه للمنطق ولمبادئ الرياضة ولمنظومة القيم العامة بضم لاعبة شرعت في قتل زميلتها