ads
الخميس 21 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

 المصريون من الأمم التي عُرفت بالأنَفة، وإباء الضيْم، وسلامةِ الفطرة، وسرعةِ الفهم؛ فالشدة والغلظة لا تليق في معاملتهم، ولكنّهم يفتقرون إلى استنزال طائرهم في توجيههم إلى أداء المطلوب منهم، لتجنُّب المكابرةَ الَّتي هي الحائل الوحيد بينهم وبين الإذعان إلى الحقّ والصواب.

  نعم قد يكون من أحوال الناس وتهاونهم أو حتى مخالفاتهم ما يستوجب الغِلْظة عليهم ، لكن لِحكْمة في سياسة هذا الشعب كان اللِّينُ الذي لا تفريط معه لشيء من مصالحهم، والحِلْم الذي لا مجاراة معه في التساهل بالحقوق، أو التفريط بالواجبات هو الأجدر بهم .

التلويح بعصا القانون

 وهذا لا يتعارض من قريب أو بعيد مع القانون وما يتطلبه من إنفاذ لا مصانعة فيه ولا مواربة ، بقدر ما يتناسب مع الوسائل التي ينبغي أن يتوصل بها إلى حمل الناس على أداء مهامهم، ليس طبقا لما يقتضيه القانون فحسب، بل لما تفرضه أنفتُهم من الإباء والنفور في كثير من الأحوال عند التلويح بعصا القانون، وما تُغْرِي به سلامةُ فطرتهم من التفاني في أداء نفس المهام، والحرص على إجادتها عند إغماد عصا القانون في سعة خلق، وبسطة وجه، وامتداد حلم، وطيب كلمة.

 وتلك معادلة وإن بدت في ظاهرها متناقضة لما فيها من الجمع بين اللين بلا تساهل، أو مستحيلةَ التنفيذ لما تفتقر إليه من سمات يندر وجودها، لكن هذا قدر من قبلوا ويقبلون تحمُّلَ الأمانة في كل مكان . 

  أقول هذا في ظل سرعة انتشار بعض الفيديوهات المغرضة على وسائل التواصل الاجتماعي سرعة انتشار النار في الهشيم لبعض المحافظين أثناء أداء واجباتهم وما بدا خلالها مما ظاهره قسوةٌ وغلظةٌ وجفوة في التعامل.

 الأمر الذي استغله بعض ضعاف النفوس فروجوه على غير وجهه الصحيح، وجوهره النقي .

إن ما حدث من محافظ سوهاج وتحديدا في مستشفى المراغة إنما هو فرط في الإيجابية وزيادة  في الحرص على  تقديم أفضل خدمة للمواطنين، كما أنه ليس جفوة ولا غلظة منه كما أشيع، بل هي رقة في قلب سيادته وفرط رحمة لرؤيته طفلا يعاني،لا سيما وأنها صورة قد لا تتكرر أمامه.

ألا ترون إنفعال الآباء لأجل أبنائهم على الأطباء يوميا لأجل آلام قد تكون أقل من آلام ذلك الطفل ؟

  كما أنها ليست قسوة من الطبيبة أو انعدام رحمة كما روج بل هو ما ينبغي أن يتحلى به الطبيب في ميدان عمله  من هدوء وثبات، وإلا لما استطاع تشخيص مرض ولا وصف دواء ، ولا تقطيب جرح ، بلْهَ الجراحات الكبرى، لذ لا تبكي الطبيبة وهي تفحص طفلا  أبكى بكاؤُه أمَّه وأبيه ، ولا يرافق الأب الشديد القوي ولده في غرفة العمليات.

  إن الوجه الآخر لما حدث يعكس سلامة الفطرة وصدق النوايا واتحاد الهدف عند الجميع ، في ظل غياب شيء من التقدير ومراعاة للظروف والملابسات، الأمر الذي حدا بدولة رئيس الوزراء إلى التنويه عنه بما يعكس رقيا في الأخلاق، وثباتا في المبادئ واذدهارا في القيم بدولتنا المباركة، وإصرارا من قياداتها على أن يكون عنوان صفحتها الجديدة : خدمة المواطن وكرامته. 

  فهلا كان هذا كله محلَّ تقدير واحترام من الجميع ؟ فذلك من إجلال الله عز وجل .  

  روى أَبو مُوسَى الأَشْعَرِىِّ عن رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-  أنه قال:" إن من إجلال الله: إكرام ذي الشيبة، و حامل القرآن غير الغالي فيه و لا الجافي عنه، و إكرامَ ذي السلطان المقسط " شعب الإيمان للبيهقي/ 10986

   تحية إكرام وتقدير واحترام لكل مخلص في عمله، وتحية احترام وتقدير لكل مواطن قدم كلمة شكر وعرفان لعامل ينظف الشارع، أو بستاني يهذب شجرة ، أو موظف يؤدي عمله، أو معلم يشرح درسه، أو طبيب يداوي مريضه، أو مسئول ينفذ مهامه، أو قيادي يضرب لنا المثل في الرقيِّ، وحسن الخلق، وتطييب الخواطر، والاعتذار عن الهفوات .

 حفظ الله بلادنا من كل مكروه وسوء ، ووفق قادتها لما فيه الخير،والرقي، والنماء .

تم نسخ الرابط