الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

مما أبدعت العامية المصرية أنه إذا استحسن أحدهم شيئًا عند آخر قال له: "هنيالُه"! أي: هنيئًا له! ومما احتملته الدولة المصرية وجود "هنيات" كثيرة تُحسد عليها، لكن أهم تلك الهنيات وأبرزها من حيث الموقع والجغرافيا والسكان أصبحت -بمر الوقت- أثقالاً تنوء بحملها أعتى الأمم؛ وبنظرة عابرة على الإقليم يمكن التدليل على ذلك. 

ومن "الهنيات" التي كان من أقدار مصر التعامل معها "إسماعيل هنية"، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، المغدور في عين المراقبين، الشهيد في عين المحبين، المستخدَم في عين الموكّلين، الورقة في عين المعادين، وهلم جرا. 

اغتيال الرجل فجر الأربعاء الموافق ٣١ من يوليو ٢٠٢٤ له دلالات واستشرافات شتى، منها: 

أولاً: ثبوت هوان القدرات الأمنية الإيرانية (للمرة الألف)، وشيوع الاختراقات فيها على أعلى المستويات.

ثانيًا: السعي إلى قطع الطريق على المصالحة الفلسطينية برعاية صينية.

ثالثًا: سياسة "قطف الرؤوس" لم تغب عن الإستراتيجية الإسرائيلية يومًا، سواء أكانت تلك الرؤوس رمزية (أحمد ياسين)، أم إدارية (إسماعيل هنية)، أم مقاتلة عنيدة (أبو نضال / أبو علي مصطفى).

رابعًا: هنية -يرحمه الله- قال بنفسه إنه لم يعلم شيئًا عن عملية "طوفان الأقصى" وأنه تابعها من خدمات التلفزة كغيره من عامة الناس، مؤكدًا الانفصال بين الجناحين العسكري والسياسي لحركة حماس. 

ومن الواضح أن سياسة الفصل تلك (إن صدقت) لم تجد نفعًا على المدى البعيد للحركة. 

خامسًا: إخفاق سياسة الضامن السياسي لدى حركة حماس، فاتخاذ أية عاصمة عربية أو غير عربية ملاذًا أو منطلقًا لاجتماعات الغرف المغلقة نظير سلامة الأشخاص إنما هو وهم. 

سادسًا: ليس هنية بأغلى ولا بأهم من قاسم سليماني ولا من كبير علماء البرنامج النووي الإيراني، بل هو -وكل وكيل في المنطقة- سبيل إلى المناوشة وطقطقة الأصابع بدلاً من الدخول في حروب تكسير العظام.

سابعًا: إسرائيل صرحت من قبل إنها لن تترك أحدًا من القيادات السياسية الحمساوية، بل لوحت باغتيالها "حيث تقيم"! وفي عدم "اصطياد" الأهداف في عاصمة الضيافة العربية الدائمة أو عاصمة الضيافة الإقليمية المؤقتة دلالة مهمة. 

ثامنًا: حالة التخبط السياسي الشديد في الولايات المتحدة الأمريكية توحي بأن فريق الرئاسة الجاري تشكيله في أمريكا هو القيادة الفعلية للدولة الأهم والنصير الأشد لإسرائيل؛ وهذا معلوم وخاضع للتحليل والقياس والاستشراف في إسرائيل – فلا توجد لحظة أنسب "للتوريط" الإقليمي من هذه اللحظة. 

تاسعًا: إسرائيل بصدد حال جديدة للتغير في التفكير إلى الأسوأ، فمن "حصار المحاصِرين (أي: دول الطوق قديمًا)" إلى استهداف الحواضن، ومن ترسيخ الانقسام إلى قطف الرؤوس، ومن عدم إشعال جبهات متعددة متزامنة إلى اختبار صلابة الرعاة في الالتزام بالتسليح والأمن والدعم الاقتصادي. 

عاشرًا: إسرائيل ضامنة للدعم الغربي مهما تمادت. 

حادي عشر: ساحة الاشتباك ستمتد إلى خارج الإقليم. 

ثاني عشر: الاغتيالات والاغتيالات المضادة ستكون مسرحًا جديدًا؛ وها أنا ذا أتساءل عن مدى واقعية "تكرار" نماذج عملية أولمبياد ميونخ ١٩٧٢، ووزراء حزب شاس في بداية الألفية، وتفجيرات بوينس أيريس، والمبحوح (دبي ٢٠١٠). 

ثالث عشر: إيران ترتب منذ أعوام لزرع عناصر في دول لنا فيها جاليات ومصالح، وأخشى أن تُفاجَأ تلك الدول بتفعيل تلك العناصر بما يفوق التوقعات.

رابع عشر: الأهداف المرتقبة في المساجلات الإقليمية أصبحت شبه مفتوحة؛ سواء أكانت أشخاصًا أم بنية تحتية حرجة... ولهذا مخاطر شديدة. 

خامس عشر: كل تحرك يرسخ الفكرة الغربية عن "فتح لاند" و"حماس ستان" لن يفيد أحدًا، والقضية وشعبها الخاسر الأكبر.

سادس عشر: الصين سعت إلى التقارب مع إسرائيل، والأخيرة لأسباب معلومة تستنكف. 

والصين تسعى إلى دور في غزة ليكون مدخلها إلى إسرائيل... فأين تأخذهم تفاعلات هذه الأحداث؟ 

سابع عشر: قيادة إسرائيل الحالية مصرة على استنقاذ نفسها وتبييض صورتها التاريخية بأي ثمن.

ثامن عشر: الحوثي (وهو فاعل من غير الدول تحول إلى دولة!) هدد صراحةً باستهداف مصالح ودول يراها موالية "للشيطان الأكبر" أو "للشيطان الأصغر"، أو صامتة عن جرائمهما. 

تاسع عشر: التصدعات في بينان النظام الدولي آخذة في التزايد؛ فالوضع الإقليمي الراهن كاشف لأقصى درجة عن أكاذيب كل القيم والمزاعم الحقوقية التي صدعونا بها، ويكفي عزيزي القارئ أن تعلم أنه لا توجد سابقة لاقتحام (لا أقول قصف) مستشفيات بخطط عسكرية مسبقة إلا ما فعلته إسرائيل في غزة.

عشرون: تأبى الرماح إلى اجتمعن تكسُّرًا ... وإذا افترقن تكسّرت آحادا. 

من كان له وطن فليحفظه بأي ثمن، فدونه لن تجد حياة – بل لن تجد قبرًا. 

تم نسخ الرابط