ads
الأحد 22 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

يعد " الجمهور" أحد مكونات العملية الاتصالية التي تؤدي دورا بالغا في تحقيق الأهداف الاتصالية المرجوة، وهو أحد العناصر الفاعلة في ذيوع وانتشار المحتوي الاتصالي الرقمي ورواجه بين المستخدمين بشكل كبير.
وفي ظل التطورات التقنية المتلاحقة لم يعد الجمهور متلقيا سلبيا؛ بل تحول ل "صانع محتوي" ينتج ويوزع الأخبار ويسوق للخدمات والأنشطة والأفكار، في ظل تقلص الفوارق بين مكونات العملية الاتصالية، وظهور المجتمع الافتراضي الذي يتفاعل أفراده مع بعضهم البعض دون اعتبار للحدود الجغرافية والمكانية، وفي ظل الانتشار السريع المحتوي ، والذيوع فائق النظير لمنصات التواصل الاجتماعي، والتوجه نحو التحول الرقمي، والبيئة التفاعلية التي أثرت في حركة المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده، وأظهرت أدواراً إعلامية للجمهور ترفع مكانتهم الاجتماعية، وتؤثر في بناء دورهم الاجتماعي، وتحقق لهم الثراء المادي عبر إنتاج المحتوي الرقمي وتسويقه. كما تؤثر هذه التطورات في العلاقة بين وسائل الإعلام والنظم الاجتماعية التي تشكل العلاقة بين الجمهور ووسائل الإعلام، وتبرز تأثير وسائل الإعلام علي التواصل الإنساني، والتفاعل البشري.
وقد أدت عوامل عديدة إلي زيادة الارتباط بين الجمهور والمحتوي الاتصالي بعدما أصبح "الجمهور" أكثر تأثيرا وتفاعلا عبر منصات التواصل الاجتماعي، وفي ظل اختلاف الممارسات التي اعتمدت عليها المنصات الرقمية والمواقع الإلكترونية في إنتاج المحتوي وتوزيعه، وانتشاره عبر محركات البحث، وتعايش الجمهور معه عبر الواقع الافتراضي، وزيادة قدرته علي مناقشته وإبداء الرأي فيه، والتأثير في مسارات الأحداث والقضايا المختلفة.
وفي ظل هذا الدور الحيوي  والمحوري للجمهور ظهر ما يسميه علماء الاتصال "الجمهور النشط" أو ما يطلق عليه بعض الباحثين "مؤثرو مواقع التواصل الاجتماعي"، ليصبح المستخدم مشاركا فاعلا في إنتاج المحتوي وتوزيعه، وليكون أكثر تمكنا من مراقبة المحتوي الاتصالي، وأكثر قدرة علي التعبير عن رأيه فيه.
ونظرا لقيام الجمهور بأدوار إعلامية عبر المنصات الرقمية ، وتمكنه من تسجيل تجاربه الشخصية عبر الواقع الافتراضي ، ونقله الأحداث التي تقع حوله ، ظهر ما يسمي ب "المؤثرين علي مواقع التواصل الاجتماعي"، وهو الجمهور الذي يمتلك القدرة علي التعامل مع التقنيات الاتصالية الحديثة، ليظهر_أيضا_  ما يسمي عند علماء الاتصال ب"المحتوي الذي ينتجه جمهور المؤثرين " وهو المحتوي الرقمي الذي يشمل جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والدينية، والذي يتم إنتاجه بطرق غير تقليدية، اعتمادا علي تخطيط المحتوي و إنشائه وإدراته ونشره ليحقق للجمهور فوائد متعددة، تشمل الجوانب الإخبارية والتسويقية والترفيهية، وتتلقفه الأيدي ليصبح الأكثر رواجا عبر الواقع الافتراضي ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي، وإن افتقد للضوابط الأخلاقية والمعايير المهنية كالدقة، والمصداقية، والموثوقية، والاكتمال، والمسئولية الاجتماعية وتحقيق الفائدة للجمهور.

وقد أدت هذه التحولات إلي أن  مواقع التواصل الاجتماعي تعج بمئات الآلاف من المحتويات التي ينتجها الأفراد، نتيجة للتطورات التقنية التي أتاحت للجمهور المشاركة في إنتاج المحتوي وطرحه علي عموم الجماهير عبر المنصات الرقمية المختلفة في ظاهرة جديدة أفرزها الواقع الافتراضي الذي تغول في شئون حياتنا، وأصبح كالماء والهواء والطعام لا يستغني عنه أحد، وأصبح واقعا لا يمكن الفكاك منه أو التخلص من آثاره.
وعلي الرغم من إفادة بعض "المؤثرين" من هذه التطورات التقنية في إنتاج محتوي يلبي اهتمامات الجماهير وحاجتهم للمعرفة والتثقيف والترفيه، ويؤثر تأثيرا إيجابيا علي تشكيل الرأي العام، ورسم الصورة الذهنية للأفراد والمؤسسات والبني المجتمعية والأخلاقية، وإحداث نقلة اجتماعية ومالية لهذا الجمهور النشط إلا إن الكثير من المحتوي الذي يقوم بإنتاجه الجمهور يتسم بالضحالة، والسطحية، والغرابة، والتغول في الحياة الشخصية، وعدم التقيد بالمسئولية ، والتركيز علي الحياة الشخصية للأفراد، وقد يتحول في بعض الأحيان إلي "المحتوي الهابط" الذي يخاطب غرائز الجمهور ويدغدغ مشاعرهم، ويلحق الضرر الكبير بالمستخدمين، ويقوض الجوانب القيمية والأخلاقية الراسخة في عقول وأذهان الجماهير منذ آلاف السنين؛ محدثا تحولات مهولة وتغيرات جسام يشهدها عالم اليوم في الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والقيمية.
وقبل أن يستفحل خطر هذه الظاهرة، ويتنامي التأثير السلبي ل"محتوي بعض المؤثرين علي مواقع التواصل الاجتماعي"، لابد من وضع بعض المعايير والأسس الضابطة لهذا المشهد الإعلامي الرقمي، وسن بعض التشريعات التي تحد من انتشار هذا المحتوي عبر الواقع الافتراضي،  وتأهيل هؤلاء"المؤثرون" لإنتاج محتوي هادف وصادق ومؤثر، وتوعية الجماهير بمخاطره ومغبة التعرض له، ومساعدته علي فهم المحتوي وتقييمه، وطرح أشكال متعددة من المحتوي الرقمي تشبع حاجات الجماهير للإخبار والتثقيف والترفيه، وتحقق المسئولية الاجتماعية لوسائل الإعلام الرقمية، وتحافظ علي القيم الإنسانية والأعراف والتقاليد المجتمعية التي غابت عن الواقع الافتراضي وواقعنا المعاصر بشكل كبير.

تم نسخ الرابط