ads
الجمعة 22 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

من الظواهر الممجوجة التي انتشرت في سماء الرياضة المصرية، وتوغلت بين جنبات قطاعاتها وألعابها وأنشطتها المختلفة، وأصبحت وجبة يومية دسمة لوسائل الإعلام بشقيها التقليدي والرقمي "ظاهرة التعصب الرياضي"، وأضحي المحتوي الرياضي الذي يطل من بين جنباته مظاهر متعددة للتعصب من أبرز المحتويات التي تنتشر بين الجماهير، والتي تؤثر تأثيرا بالغا في العلاقة بين جماهير الأندية المختلفة، وبين اللاعبين والمسئولين، وتحدث آثارها التي لا تخطئها عين علي النسيج المجتمعي، وعلي العلاقات الأسرية، ووشيجة المحبة والترابط بين الجماهير، وقد يتحول هذا التعصب ليطل برأسه علي المناحي الاجتماعية والدينية لتسري هذه الظاهره في شرايين المجتمع، وتسمم كيانه الذي استوطن فيه التسامح والمحبة والعيش المشترك.
فعندما نمعن النظر وندقق جيدا نجد خطرا داهما يحيق بهذا القطاع الحيوي الذي يؤثر في الملايين من القطاعات الجماهيرية المختلفة، ويضع  بصمته في توجيه الرأي العام الرياضي لجماهير  تذوب عشقا في الرياضة، وتهيم غراما بكرة القدم علي وجه الخصوص، وتري في الرياضة مظهرا من مظاهر البهجة والسعادة والسرور. فهذا مسئول رياضي يدلي بتصريحات غير مسئولة تشعل نار الخلاف بين الجماهير، وذاك إعلامي يسلط الضوء علي الأحداث الشائكة وردة الفعل الجماهيرية الغاضبة، وهذا لاعب سابق أو محلل رياضي يكيل الاتهامات، ويبدي الاعتراضات، وأمام ناظريك داخل المستطيل الأخضر لاعب أو مسئول رياضي يستثير حفيظة الجماهير ببعض الأفعال الصبيانية غير المسئولة التي تؤجج نار الفتنة بين الجماهير في المدرجات، وتشعل نيران التعصب بين الشباب المولع بالرياضة المحب لناديه، وتحول المباريات إلي ساحات حرب يشتعل أوارها، وينتشر بين الجماهير الصياح والسباب والشتائم واللعنات، وذاك جمهور لا يأبه لحال فريقه، ويصب جل اهتمامه نحو النيل من الأندية المنافسة، والحط من قدرها، والسخرية من جماهيرها، وتشويه تاريخها، وكل ذلك في مشهد عبثي يفرغ الرياضة من مضمونها، ويجردها  من هدفها الأسمي الذي يكمن في تعزيز الانتماء، وتفريغ الطاقات فيما يعود بالنفع علي صاحبها، وهذا المشهد المؤلم لا يعبر بحال من الأحوال عن طبيعة الشعب المصري، ويجرف الشخصية المصرية من معدنها الأصيل وتسامحها اللامحدود، ويقوض الأمن والسلام المجتمعي، ويضع الاستثمار الرياضي علي صفيح ساخن وفوهة بركان قد تصيب نيرانه الجميع، ويصدر صورة سلبية عن الرياضة المصرية الرائدة في المنطقة العربية، التي سبقتنا دولها بعد أن كنا في مقدمة الركب ، يقتفي أثرنا القاصي والداني، ويسير خلفنا الجميع.
ومن العوامل التي أدت إلي تفاقم هذه الظاهرة فتح الباب علي مصراعيه أمام بعض الإعلاميين وأمام الجماهير لإنتاج المحتوي الرياضي ونشره عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، دون تقدير بمسئولية اجتماعية أو ضوابط ومعايير مهنية أو مواثيق شرف إعلامية ليتحول المشهد الإعلامي الرقمي إلي سوق كبير يموج بالتعصب والتحزب ونبذ الآخر والانتماء الزائف والكراهية الرياضية التي استعر أوارها وطفح الكيل من مغباتها.
ولكي نتغلب علي هذه الظاهرة علينا أن نعيد للرياضة المصرية رونقها، ونضع القوانين التي تحد من هذه الظاهرة، وأن تقوم المؤسسات ذات الصلة بإعمال القوانين، والرقابة الصارمة علي المحتوي، وأن يتم الاعتماد علي الخبراء والمختصين في الظهور البرامج الرياضية وتقديمها .
وقد حان الأوان لوضع المنظومة الرياضية في طريقها الصحيح، والتغلب علي هذه الظاهرة التي يمتد أثرها للمناحي الاجتماعية والاقتصادية ، وعمل مبادرات ترمي إلي نبذ التعصب الرياضي، وتحث الجمهور علي التشجيع الرياضي المثالي الذي يكتسي بالأخلاق الحسنة، وحفز الانتماء الرياضي الحقيقي، وإبراز القدوات والنماذج الرياضية المضيئة التي يتعلم منها الشباب كيف يكون الانتماء الحقيقي للأندية والكيانات الرياضية، والذي يصب في مصلحة الانتماء الوطني الذي تتفرع جذوره من تاريخ تليد يمتد عبقه لآلاف السنين، متشربا من معين المحبة والتسامح والإخاء، وهي القيم الحقيقية التي ينبغي أن تسود المشهد الرياضي بعيدا عن سموم التعصب التي لحقت بثوب الرياضة المصرية القشيب.

تم نسخ الرابط