خلق الصف الثاني والثالث ضرورة حتمية لاستمرار المجتمعاتوتحقيق الاستدامة إذ لم تكن الأبدية. الانسان بطبيعة الحال فانٍ، فهذا يعني ضرورة استبدال بشر بآخرين. ولكي يقوم هؤلاء بالمهمة كما ينبغي، يجب عليهم أن يكونوا مؤهلين. والتأهيل في هذا السياق يعني اكتساب الخبرات السابقة وتطعيم ذلك بشيء من الحداثة ومواكبة العصر الحالي Le Modernisme بحيث يكون قادر على القيام بالمهمة المسندة إليه أيا ما كان مستواها وما تتطلبه من تأهيل. وهي الفكرة المعروفة في لغة الإدارة والسياسة بخلق الكوادر.
هذه الفكرة الأخيرة تعتبر شبه التزام لأنها أمانة أمام الله أولاً ثم أمام العبد ثانياً. وبمعنى آخر، هي ضرورة لاستدامة الحياة البشرية وحياة المؤسسات، وفي ذلك أمانة متناهية لنقل العلم والمعرفة، وطرق العمل والخ... مثل بعض العقود التي تتميز بنقل ما يعرف بالإنجليزية بال Know-how أو بالفرنسية Le savoir-faire وهي خبرة أو حنكة القيام بأمر معين. وفي ذات الوقت التزام دنيوي لاستمرار مؤسسة ما أو دولة ما، وأحياناً قد تكون لبناء النظم والجمهوريات الجديدة.
يكون خلق الكوادر على كافة المستويات بداية من مستوى الأسرة،،، ووصولاً إلى مستوى القطاعات، المجتمعات والدول. فالأب الناجح مثل المدير الناجح، وهو الذي يترك ابنه وكذلك موظفيه يتدربون ويتصرفون ويعملون أمام عينه ووعيه وإدراكه قبل فوات الأوان. لأن ابن اليوم هو مدير الغد وذلك وفقاً لقواعد حتمية الحياة. ويحضرنا في هذا المقام حديث سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم،،،،،، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.
وقال العلماء في ذلك: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته.
فالاستثمار في تأهيل الكوادر هو المستقبل الحقيقي الذي لا يضاهيه استثمار آخر، لأنه استثمار مباشر في رأس المال البشري. وانطلاقاً من روح فريق العمل المتعاون والمتكامل، تأتي فكرة ضرورة تدريب الكادر البشري الذي يستطيع استكمال المشوار..
وقد قامت الدولة المصرية فيما يخص "التدريب من أجل التمكين" أو قبل التمكين بتجربة حقيقية بدأت منذ سنوات عديدة، وتجلت خصوصاً منذ أواخر عام ٢٠١٥ وبدايات عام ٢٠١٦. نعلم أن التأهيل من أجل التمكين يكون على كافة المستويات ويتسم بالاستمرارية لكننا نتحدث خصوصاً في هذا المقال عن التأهيل الذي تم للشباب في السنوات الأخيرة. فوفقاً لما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في تقرير بمناسبة اليوم العالمي للشباب، أن نسبة الشباب في مصر تبلغ 21% من إجمالي السكان، منهم 3.5 مليون طالب مقيدون بالتعليم العالي، و543.8 ألف خريج، موضحًا أن نسـبة مساهمة تلك الفئة في قوة العمل تبلغ 39.2%.
لذلك عملت الدولة المصرية على مدار ال٨ سنوات الماضية على تمكين وتأهيل الشباب، كونهم الركيزة الأساسية نحو بناء الجمهورية الجديدة، وذلك بحرص من القيادة السياسية الحالية على خلق كوادر شبابية قادرة على تحمل المسؤولية بمرور السنوات القادمة. بالإضافة إلى أن التدريب من أجل التمكين يخلق نوع من جسور للحوار مع الشباب، وإنشاء قاعدة قوية ومتنوعة من الكفاءات الشبابية بمختلف المجالات، وذلك إدراكاً لدورهم الفاعل والحيوي في جهود تحقيق التنمية المستدامة وخلق لهم المساحات للتعبير عن آرائهم وقدراتهم وكذلك العمل على استثمار طاقاتهم وإبداعاتهم وصقلهم بالتدريب والمهارات اللازمة.
وكان إعلان ٢٠١٦عاما للشباب خطوة فاصلة في تاريخ تمكين الشباب وتواجدهم على الساحة. خصوصاً في ٩ يناير ٢٠١٦ في احتفالية الدولة المصرية بيوم الشباب المصري في دار الأوبرا، عندما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن بدء البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة فكانت البداية لحلم يتحقق بأيديالشباب. فالبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، يهدف إلى تخريج قيادات شابة قادرة على الإدارة وتولي المسئولية والمناصب القيادية وفقًا لأساليب الإدارة.
وهذه التجربة أثبتت فاعليتها في العديد من دول العالم، نذكر منها على سبيل المثال فرنسا، التي تميزت بوجود الÉNA L’école nationale de l’administration مدرسة الإدارة العليا والتي تغير اسمها عام ٢٠٢٢ إلى المعهد الوطني للخدمة العامة (INSP)، والتي خرجت العديد من الشخصيات العامة، القيادية والسياسية، من رؤساء الدول، مثل فاليري جيسكارديستان، جاك شيراك، فرنسوا هولاند، رؤساء فرنسا السابقين، نيسيفور سوجلو رئيس بنين السابق، المستشار عدلي منصور، الرئيس المؤقت لجمهورية مصر العربية أثناء الفترة الانتقالية، بولا بييا رئيس الكاميرون.
وعلى رأس هذه الأسماء رئيس دولة فرنسا الحالي إيمانويل ماكرون.
والبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة عبارة عن كيان مستقل تابع لرئاسة الجمهورية ويدار من خلال إدارة متخصصة محترفة ويتعاون في تنفيذه عدداً من هيئات ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني. يحصل الشاب أو الشابة المتخرج من البرنامج على شهادة أكاديمية إحترافية بعد إجتيازه المراحل المختلفة للبرنامج والتي تتضمن ثلاثة محاور رئيسية (علوم سياسية وإستراتيجية / علوم إدارية وفن قيادة / علوم إجتماعية وإنسانية ) ويتخلل ذلك أنشطة رياضية وثقافية وفنية. يطبق البرنامج نموذجاً تعليمياً مبني على مفهوم إكتساب الخبرات، حيث يتلقى الدارسون المادة العلمية في صورة محاضرات نظرية يليها تطبيق عملي مباشر على أرض الواقع من خلال تطبيق المحاكاة للنماذج المختلفة.
كما يلتقي الدارسون خلال فترة البرنامج بعدد من رموز الفكر والثقافة لإثراء القاعدة المعرفية لديهم.
علماً بأن من أهم شروط هذا البرنامج أن المتقدم يكون حاصل على مؤهل جامعي، أن يكون سن المتقدم من 20 إلى 30 عاماً عند التقديم، أن يكون المتقدم مصري الجنسية، أن يكون المتقدم حسن السير و السلوك (لم يسبق اتهامه في جرائم مخلة بالشرف).
ومن أهم نجاحات هذا البرنامج وجود العديد من معاوني المحافظين أو نوابهم من شباب هذا البرنامج.
لا ينتهي الكلام عن الشباب لأن هناك المزيد من الأنشطة والمبادرات وغير ذلك..وللحديث بقية.