لقد مات الضمير العالمى، وتبلدت مشاعره، ولم يعد فى قواميس اللغة العربية، بل تعجز كل لغات العالم عن وصف ما يحدث فى قطاع غزة من قتل وحرق وهدم البيوت على ساكنيها، وقصف المستشفيات ودور العبادة من مساجد وكنائس، وتدمير سيارات الإسعاف، وباتت المأساة الإنسانية، ليست فى فلسطين وحدها، وإنما المأساة الحقيقية فهى هذا العجز الدولى الرافض لما يحدث من جرائم، ويقابله ذلك التبجح من الدول المفترض أنها كبيرة، وتملك قوى عظمى، بإعلان المساندة الكاملة لكيان غاصب محتل يقترف كل أشكال العدوان والظلم على ضعفاء من المدنيين العزل، ويتكبر ويتجبر ويستعلى على كل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، ولا يستجيب لأى قرارات تصدر من هنا أو هناك، ومضى الآن شهر كامل وهو مازال سادرا فى غيه، ولا يرى إلا ما يريد فعله، ولا يسمع غير ما يمليه عليه شيطان الحرب، ولا يتكلم إلا بلغة المتجبرين فى الأرض،و لم يشف غليل ما فعلته فيه عملية طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر الماضى تلك البحور من دماء الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير كل ما يستطيع تدميره، وحتى الآن يعجز عن تنفيذ هدف واحد من أهداف هذه الغارة البربرية الوحشية بل المحرقة النازية الجديدة التى يستخدم فيها الفسفور الأبيض، الذى لا يطال إلا الأبرياء، ولم يحرق أيا من أفراد المقاومة الفلسطينية، التى ورطت نفسها وشعبها وأمتها، بتجاهل موازين القوى، وعدم مراعاة قواعد وضوابط الجهاد الإسلامى، ولم تقدر عاقبة أمر فعلتهم، ولم تستشر أحدا حتى من فصائل المقاومة الأخرى التى يمكن أن تدعمها أو تخذلها حسب ميزان المصلحة التى تراها الدول الممولة لهذه الفصائل.
ونحن المسلمون يبشرنا الله بالنصر إذا ما اتبعنا القواعد والأسس التي حددها الله ورسوله لخوض الحروب، وليس من بينها أبدا أن تنفصل جماعة عن السلطة الشرعية فى بلد ما، وتقيم دولة داخل الدولة وتستقل بقرار الحرب دون الرجوع إلى قادتها، أو حتى سؤال أهل الحل والعقد ومعرفة مدى الجاهزية لمجابهة رد فعل العدو.
أما وقد حدث ما حدث وتورطت غزة فى حرب لا قبل لها بها، وحدثت المجازر وحل الخراب، وصار أهل غزة فى عالم آخر غير الذى نعيشه، فكان لابد من التحرك الفورى والسريع لوقف العدوان الإسرائيلى الطاغي المبالغ فى استخدام القوة المفرطة ضد مدنيين أبرياء لم يكن لهم رأى فيما فعلته الفصائل الفلسطينية، اللهم إلا رضاهم بأن تحكمهم هذه الفئة وموافقتهم أن ينفصلوا عن السلطة الشرعية المعترف بها المتمثلة فى الرئيس محمود عباس أبو مازن.
لا يتسع المقام الآن لمناقشة هذه الإشكالية التى يطول شرحها، ولا يعنينى رد الفعل العاطفي الانفعالى، ولكن يستوقفنى رد الفعل من القوى التى هرولت لمساندة العدو الغاصب المحتل، وأيدته وما زالت تمده بكل ما يطلبه وأكثر، ولم يتحرك ضميرها الإنسانى لنجدة هؤلاء المدنيين، وما زال العجز العربى هو الأوضح، إلا من محاولات فى حدود الإمكانيات المتاحة فى ظل تشرذم وفرقة مخزية، فى وجه طغيان ووحدة واتحاد غربى أمريكى لا يخفى وجهه القبيح ولا كراهيته الدفينة ضد كل ما هو عربى أو إسلامى.
وختاما لا نملك إلا أن نفوض الأمر لله، ونقول: لك الله يا غزة، إنه هو العليم الخبير القادر العظيم الذى لا يعجزه شيئ، ولا نستبعد أن تولد المنحة من رحم المحنة، ويستعيد العرب والمسلمون وحدتهم حتى يكونوا قوة لا يستهان بها، فى عالم ليس فيه مكان لضعيف.