الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

كان للدكتور مصطفى محمود رأي في الحب بين  الرجل والمرأة وهو؛ أن الحب بين الرجل والمرأة لم يذكر في القرآن الا مرة واحدة في قصة سيدنا يوسف وامرأة العزيز  (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (يوسف 30)
وأن الحب مسؤلياته اعمق واكبر من هذا الامر ، وسنذكر بعضا من فلسفته عن الحب لاحقا.

ولكن ومن وجهة نظر ي المتواضعة انه (الحب) لا يمكن ان يقتصر فهمه على كونه سببا غريزيا للمشاركة في تكاثر بني البشر اذ أن الحيوانات تتكاثر، ولكن الحب قيمة حقيقية من قيم الخير والجمال وقامة يفخر بها سائر البشر دون باقي المخلوقات، وجزء من تكريم الخالق للانسان! فناتج الحب بين ذكر وأنثى، هو  واحدة من لبنات وقوام كل المجتمعات ذات الفطرة السليمة، وهي الاسرة، والتي يصفها منظرو  علم الاجتماع "باللبنة" لأن المجتمع بناء كبير  كالقصر المشيد تتنوع حجارته في الوانها وصلابتها وقوامه المتكرر،  في علاقة سوية بين ذكر وأنثى تُنتج نماذج هندسية متباينة وهي "الأسر"، وكل اسرة تمثل حجرا فيه! فاما ان يكون حجرا صلبا او هشا او يميل لاحد الوصفين، فيكون المجتمع قويا او متفككا أو قابل للتفكك أوالصلابة في آن واحد !
ولم تكن رسالة الاسلام بعبقريتها، الا ان تؤكد هذه القيمة وكل  القيم السليمة التي تعرفها النفس الانسانية بفطرتها النقية ، وقد كان في خلق الله للانسان اعجازا عجيبا ليس فقط في التكوين الفسيولوجي والتشريحي والهرموني، مع وجود فروق مذهلة فيهم بين الذكر والانثى، " وليس الذكر كالأنثى" لأن تبعات تلك الفروق أيضا مذهلة في فهم السلوك المختلف بين النوعين وردود فعلهما تجاه مختلف مواقف الحياة!! وكلاهما مكمل لبعضهما البعض.
ولهذا كانت القواعد الأخلاقية والقانونية والدينية التي ترتضيها مجموعات البشر، كي  تضبط التناغم بينهما (الذكر والأنثى) وهذا أمر يطول الكلام فيه وليس مقامه هنا.
ولكن الاعجاز أيضا في خلق الانسان يتجلى في مفهوم ما وراء المادة التي تُكون أعضاء البشر وأجهزتهم، من أسرر الروح والعقل والقلب الذي يبصر ويعمى!!!! والوجدان …. الخ ، وكلها مصطلحات نعرفها ونكررها ولكننا ما لمسنا يوما بأناملنا روحا، او عقلا، ولم نجد في التشريح قلبا له عينين يبصر او يعمى بهما!  وما رأينا وجدانا أو مشاعرا … بل كلها حقائق غيبية يلهث العلم المادي ليتحسس الطريق اليها، ومازال عاجزا!
لأنها جزما فيما وراء الادراك الحسي وتعجز أدواتنا عن رصدها. 
و هذه الماورئيات والتي لديها طاقة خفية تؤثر في سلوك الانسان ومن يتعامل معه فيكون الانجذاب والقبول أو التنافر والرفض بين الناس. 
ومن هذا الماورائيات مشاعر الحب والانجذاب بين النوعين الذكر والأنثى بصفة عامة،  وبين رجل ما  وامرأة ما بصفة شديدة الخصوصية، يكون دافعا، للتقارب ثم الارتباط برباط الأسرة.
وهنا تأتي المعجزة الإلهية التي لم تعبر عن الحب بين النوعين بطريقة سطحية *تعالى الله عن ذلك علو كبيرا*، وانما عبرت عن توابع هذا الحب ونتائجه المجتمعية، ان كُتب له التوفيق وكُلل برباط الزواج. يقول الله تعالى في سورة الروم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21).
والتوابع للحب ومن ثم الزواج في مجتمع طبيعي مجموعة من الأمور المركبة  التي تستدعي نضجا وصبرا وفهما حقيقيا لكون هذا الامر *آية من ايات الله وموضع للمتفكرين من عباد الله*!!!!
لان هذه الرحلة إضافة الى ما بها من كفاح مشترك تحتاج في مراحلها الى الصبر الشديد .
والصبر ليس على عيوب الزوج أو الزوجة من وجهة نظر كل طرف وفقط، وانما الصبر على نتاج هذا الحب الأولي الذي تحول الى رباط شرعي مقبول في نظر المجتمع وامام القانون وقبل الجميع امام الله!
ومن النتاج الطبيعي لهذا الرباط هم  (الابناء) ، ثم توابع أخرى حتمية ومتعددة لهذا النتاج ولذلك الرباط القدري على رأسها البيئة، الاقارب ، العمل لكلا الطرفين، والابتلاء والمرض…. الخ وأمور أخرى… كثيرة، حتما يكون فيها تباين واختلاف طبقا لبيئة وخلفية اللبنة السابقة في المجتمع التي ربت هذا الرجل و هذه المرأة!
ومن هنا كانت مصطلحات الكفاءة في الزواج، والنسب والصهر ، واجراءات التماس يد المخطوبة، والعقد، وقدسية العلاقة وتفاصيل التعاطي فيها بين الطرفين، والتي ابدع فيها التراث الاسلامي منذ عهد النبوة! 
بل وحين تستحيل العشرة كانت مفاهيم الفراق والطلاق والخلع لتترك الباب مفتوحا حين لا يكون ثمة أمل في تلك العلاقة …..ولنا أحاديث في هذه الامور ان قدر الله لنا الحديث.
نعود للدكتور مصطفى محمود في كتابه  "الحب والحياة" والذي هدف فيه الى ان يوضح الفرق بين الحب الساذج والناضج وكيف هي العلاقة بين الذكر والانثى وتاثيرها على المجتمع! والتي اتفق معه في الكثير منها؛ واختلف في قليلها؛
يقول الدكتور مصطفى محمود ؛ إن لفظة الحب أصبحت تمتهن وتستخدم كستار يفعل الكثير من ورائه أفعالًا لا تمت للحب بصلة لا من قريب أو بعيد، أفعالًا شهوانية وغريزية ثم يقولون إن ذلك بدافع الحب! والحب في رأيهم ما هو إلا اتصال بين جسدين لإشباع الرغبة الجنسية، فيوضح د/ مصطفى محمود أن هذا الكلام كلام خاطئ وليس علميًّا، لأن الحب أسمى وأعمق من هذا الوصف فالحب يسهل الحصول على لذة الجنس، لكن لا يمكن اختزاله ليكون هو هذه اللذة وفقط.

فإن كلمة “أحبك” هي كلمة أكثر حرية وتعبر عن اختيار تام وبكامل الإرادة ورغبة في تحمل المسئولية من الطرفين، كلمة بمثابة إعلان من قائلها عن تحرره من كل القيود التي تقيده، وأنه أصبح قادرًا على تحمل مسئولية شخص آخر وإدخاله حياته.
وله رأي عن اول تجربة للحب فيقول؛ ان أول تجربة يكون فيها الشخص شديد الحرص على مصلحته الشخصية وشديد البخل بالحب تجاه الآخرين وشديد الندم على كل شيء يفوته وقليل الصبر على الخذلان، فيؤدي به ذلك إلى أنه إذا حدث أي شيء عكس ما يرغب من الآخر ينقلب من الحب إلى الكراهية، والذي ينقلب من الحب إلى الكراهية بهذه السهولة لا يحب حقًّا، إنما يحب غروره وكرامته وعندما يتوقف الشخص الآخر عن إشباع رغبته فينقلب ويكرهه.

ومن وجهة نظري التي تختلف في النقطة الاخيرة اختلافا سببيا وليس مبدئيا، مع العالم والأديب والفيلسوف الكبير د/ مصطفى محمود رحمه الله ، انه اذا فهم الطرفان وأقصد بذلك طرفي علاقة الحب فهما حقيقيا للحب كما يجب ان يكون،  فلا فرق أن كان هذا هو أول أو ثاني أو آخر حب، المهم أن نفهمه بعقولنا، ونرى خيره بقلوب تبصر وروح تسمو به ومعه، لا  أن تنجر الى غياهب القلق والتوتر والانكفاء والحيرة ثم الفشل.

مصائب التكنولوجيا

 
وهنا يطرح السؤال نفسه -في ظل انسحاق الأجيال الناشئة خلف مصائب التكنولوجيا واهتزاز وربما انعدام هذا الفهم للحب من الطرفين، وفي ظل غياب دور مؤسسات متعددة كان يجب أن تقوم بدور اكبر وأعظم نحو مجتمعاتها- ماذا لو تم الزواج وبدت الانجرار نحو القلق والانكفاء والندم وربما قُرب الفشل؟
الاجابة بسيطة وهي على الطرفين أن يعيدا فهم الحب كما يجب ان يكون، وساعة الفهم ستتفكك المشكلة ايا كان حجمها.. وربما للحديث بقية.

تم نسخ الرابط