يذكر الدكتور حسام شاكر في كتابه "أصل الكلام" المشهور قوله المجهول أصله أنه استمعت لصديق يحكى عن خطيبته عندما قال لها سوف أمر من أسفل منزلكم، وحينما تسمعين صوت الصفارة فعليك بالنزول، فسعدت المخطوبة، -المتابعة للمسلسلات التي تعج بالفلل الراقية والسيارات الفارهة- وقالت له: "انت اشتريت عربية"، فرد الشاب المسكين الذي ارتفعت حرارته لتفوق الأربعين: لا أنا اشتريت صفارة!! فتعجبت من المتناقضات التي نراها فى مسلسلاتنا الدرامية وإعلاناتنا التليفزيونية فكم الفلل والقصور التي نراها في المسلسلات تؤكد لك أن بلادنا لا تعرف الفقراء وسرعان ما تخرج لفاصل إعلاني لترى مؤسسات الخير تطالبك بالتبرعات وحسنة قليلة تمنع بلاوى كثيرة يا مشاهد أفندي.
ستدهش عندما ترى إعلان الجوع ينتهى ليحتل مكانه إعلان السكن في شاليه العين السخنة، أما إذا تحدثت عن مضمون الدراما فحدث وأنت محرج فلا ضير أن يتقبل المجتمع قيما كانت مرفوضة قبل أن تحملها الرسالة الإعلامية، أو يرفض أخرى كانت سائدة ومقبولة مستبدلا بها قيما جديدة، فالعرى والخلاعة لم تعد من مقتضيات العيب في مجتمعاتنا المحافظة، لقد تصادف أن رأيت مشهداً في مسلسل رمضاني أثناء السحور، فإذا بالممثلة ترتدى - بصراحة لا أعلم إن كانت ترتدى أو شبه ترتدى - ما يستر عورتها يعنى لابسه ملبساش من الآخر" فسألت ابن خالتي هو المسلسل "دا بييجي" في النهار فضحك مقهقها وكأنه يقول " أنت هتعمل فيها هندى".
وقرأت عن أحد الأصدقاء حاكيا مشاهدته لأحد المسلسلات قائلاً: "صوت من الجيران اثنان من السيدات يتحدثان، واحدة تقول للأخرى جوزى تعبان اليومين دول، وحالته النفسية سيئة، فضحكت الثانية، وقالت لها " ياوليه انتى عاملة زي اللى بياكل وينكر، ما أنا لسه شايفاكي خارجة من الحمام كنتى بتستحمى بعد، ما كنتوا في الأوضة، وممثلة أخرى تكشف عن أرجلها، وتزيل الشعر الزائد في قدمها أمام الشاشات.. وكأن شيئا لم يكن.
لن أجهدك -عزيزي القارىء وأثير شهوتك حتى لا أحمل وزرك، فالفضائيات بكل ما تحمله لنشر الخير والشر في أن واحد، يمكن تطويعها حسب التوجهات.
ولكل وجهة هو موليها ولقد أنجب عصر المعلوماتية العمل على مداعبة خيال المشاهد، وشد الانتباه لمشاهد معينة يصوع فيها فكر العامة والخاصة وتوجيهها لمصلحة المستثمر والمنتج، وتخفى في ثناياها -إعلان أو مسلسل- دسا غير منضبط يحاكي الشهوات، ويوقظ النزوات، ويدمر الأسرة المسلمة بخبث إعلامي ليس من السهل اكتشافه، فهي تستهدف نظرة مزدوجة، ظاهرها الترفيه وترويج السلعة، وباطنها الاستحواذ على الجيوب، والتفسخ الأخلاقي والميل بالأسرة إلى هاوية الملذات، والشهوات والبعد القيمي، وتصدير النماذج الغربية، واكتساب مساوئها فأقوى وسيلة لضرب المجتمعات هي تدمير أقوى أسلحتها "الشباب"، وإفساد بذورها "الأطفال"، ثم عزل الأجيال عن بعضها.
وخلق التناقض فيما بينها، لتظل فى حالة تصادم مستمر وتنافر دائم.
بعد هذه الكلمات تذكرت قصة سيدات الحمام عندما كن يتحممن في حمام النسوة، وفجأة شبت النار في أرجائه، فاندفعت بعضهن لخارج الحمام بشكل عفوى دون ستر أجسادهن طلباً للنجاة، أما الباقيات فلم يخرجن -لأنهن لم يجدن ملابسهن- خشية الفضيحة، وبالتالي متن داخل الحمام فقيل "اللي اختشوا ماتوا" فتأكدت من صحة المقولة في هذه الأيام ففعلا "اللي اختشوا ماتوا".