لا يدري أحد إلى الآن أتطلق كلمة: "نملة" على الذكر أم الأنثى. فمنهم من قال: تطلق على الذكر و الأنثى لأن التاء فيها ليست للتأنيث بل للوَحدة المقابلة للاثنين، فيقال لذكر النمل: نملة ، ويقال لأنثى النمل أيضا: نملة.
ومنهم من قال إنها أنثى بدليل تأنيث الفعل معها بالقرآن في" قَالَتۡ نَمۡلَةٞ "، واعتُرِضَ على هذا الرأي بأن تأنيث الفعل ليس دليلا على أنها أنثى، إذ لو كان جائزا أن يُؤتى بتاء التأنيث في الفعل لمجرد صورة التأنيث في الفاعل المذكر لصح أن نقول: كانت معاوية خليفة المسلمين، وهو مالم يقل به أحد ، وعليه تكون النملة ذكر.
ليست تلك القضية بل ما ينبغي أن ننشغل به هو: كيف أن النملة صارت جديرة بهذا اللقب!!
ذلك لأن القرآن الكريم لما قص علينا قصة النملة مع النبي سليمان ـ عليه السلام ـ لم يهدُف إلى انشغالنا بالبحث عن جنس النملة، بل أراد أن نتعلم من النملة وأن نفيد من موقفها البطولي .
وهذا ما استوقفني في قول الحق سبحانه:" وَحُشِرَ لِسُلَيۡمَٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّيۡرِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ.حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوۡاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ "النمل/17 : 18
فالنملة لم تهرب، ولم تجبن، ولم تقل أمام هذا الخطر الداهم: نفسي نفسي، بل عُنِيَتْ بإنجاء سائر النمل الذي يمثل شعبها، وعنيت بإنجاء وادي النمل الذي يمثل دولتها .
إن تصرف النملة كان يمكن أن يعرضها للخطر، لكنها أبت إلا أن تكون سببا في تحقيق مصلحة عامة بهذا التحذير، فاتخذ النمل التدابير لمواجهة هذا الخطر .
وشبيه بموقف النملة ما قام به الهدهد من تلقاء نفسه، ودون تكليف من أحد عندما طار مسافات طويلة بدافع حبه الخير، وغيرتِه على الحق؛ ليرجع فيقول بكل فخرٍ لسليمان عليه السلام :" أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ "النمل/22
فكانت حركته سببا في اهتداء أمة، كما كانت النملة سببا في إنقاذ دولة .
كان يمكن للهدهد أن يقول ليس لي شأن، وكان يمكن للنملة أن تتجاهل الخطر وتنجو بحياتها.
لكن لا النملة كانت سلبية، ولا الهدهد تجاهل وغض الطرف.
إن السلبيين والمتجاهلين لا يخدمون المجتمع ولا ما ينتمون إليه من مؤسسات، إنهم لا يرفعون راية، ولا يقوِّمُون معوجا، ولا يصلحون فاسدا.
بل بالإيجابيين المصلحين أصحابُ المبادرات يرتقي المجتمع وتنهض المؤسسات .
اقرؤا قول الحق :" وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ"هود/117
المجتمعات تنهض بعرق الفلاح في أرضه، وجهد الصانع في مصنعه، وقيادة السائق لقطاره أو شاحنته، ووقوف الخباز أمام النار في مخبزه ويقظة الجندي أو الشرطي في موقعه، وإخلاص كل مخلص في مكانه.
ألا تتفقون معي في أن النملة التي أنقذت شعبها ودولتها جديرة بأن ينوه القرآن بشجاعتها وإيجابيتها.
جعلنا الله وإياكم من المخلصين المصلحين ، وبارك جهود المجتهتدين
وحفظ بلادنا من كيد الكائدين ، ووفق قادتها لما فيه الخير والنماء