الأربعاء 18 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي
د. حسن الشافعي

من أشد الأمور وأقساها على الرجل( أي رجل) موت زوجه وهو في مرحلة سنية متقدمة، لأنه بموتها يفقد الونيس الذي يصعب عليه أن يعوضه، والجليس الذي يعز عليه أن يستبدله. فهي قد عاشت معه عمرا مديدا خبرها فيه وخبرته، وأصبحت لغة التفاهم بينهما متعددة، إما بنظرة معينه في موقف معين، وقد تتغير تلك النظرة مع كل موقف ، أو بإماءة، أو بإشارة، أو بكلمة، أو حتى بالصمت حينا، والزوجة في كل ذلك تعي وتستوعب وتنفذ.
كما أنها الوحيدة التي تعرف مواقف ضعفه وقوته، وتفهم كل احتياجاته من طعام وشراب، وملبس ... الخ، فهي التي تعرف الثياب التي يحب أن يلبسها اليوم، والطعام الذي يشتاق إليه، والوقت الذي يفضله للنوم والراحة، والجو الذي يجب أن يتوفر له حتى يهدأ ويستريح..
كما أنها تتابع كل تغير قد يطرأ على جسمه من القوة إلى الضعف والوهن، فتحاول في كل مرحلة أن تجمع عليه أشتاته، وترد إليه ما تبعثر من نفسه، وتعطيه الثقة والاطمئنان أنهما لا يزالان معا يصنعان الحياة كما بدآها سويا.
هي الوحيدة التي يتقبل منها أن تستره إذا انكشف منه شيء، وهي عصاه التي يتوكأ عليها إن أقعده المرض، واحتاج إلى قضاء حاجته، وهي التي تنظفه إذا احتاج إلى نظافة ولا يسمح لأحد سواها أن يفعل له ذلك، حتى لو كانت ابنته أو أخته شقيقته، لأنه في هذه المرحلة يكون حساسا إلى درجة مفرطة، ينظر في العيون ليرى ردة الفعل من أقرب الناس إليه إذا أرغمته الظروف واستعان بأحد منهم في شيء من خصوصياته، كل هذا تتقبله الزوجة برضا ويقين واعتزاز بقيمة رفيق رحلة العمر.
   والحقيقة أن كل هذه المعاني استدعتها الذاكرة حينما علمت بأن شيخنا وشيخ الأجيال الأستاذ الدكتور العلامة حسن الشافعي قد نعت نفسُه إليه نفسه، ونفسه هي زوجته الكريمة العزيزة عليه وعلينا، فلا شك أن موتها كان فاجعة كبرى له، قد تركت في نفس شيخنا جرحا غائرا يصعب أن يندمل، في وقت كان - أطال الله عمره- في أشد الاحتياج إليها في تلك المرحلة، فهو في حاجة إلى قلب كبير يحتويه، ويد حانية تهدهد عليه وتحتضنه، وإلى أنفاس تتبادل معه الحياة إذا جن ليله، وطال بقاؤه.
يحتاج إلى من تعطيه قبل أن يطلب، وتوفر له احتياجاته قبل أن يسأل، يحتاج إلى من يتوكأ عليها حينما يحاول أن يستعيد نشاط جسمه الذي أثقلته السنون بأحمالها وأوجاعها وأسقامها.
سيدنا وشيخنا.
نعلم أن:
أن الدار ليست بالبناء جميلة**
إن الدار جميلة بذويها.

قد يعشق الإنسان أسوأ بقعة**
ويزورها من أجل شخص فيها.

خالص العزاء والمواساة لك في رفيقة دربك، وصاحبة نفسك.
وأسأل الله العلي العظيم أن يلهمك الصبر والسلوان، وأن يعينك على وجع الفراق ، وأن يبرد قلبك على فقيدة روحك،  زوجك الصالحة الطيبة التي بفضل إخلاصها لك مكنتك من أداء كل منجزاتك العلمية التي أفادت منها الإنسانية.
اللهم آمين.

تم نسخ الرابط