أدمت قلوبنا مجزرة التابعين التي استباح فيها أحط وأقذر جيوش الأرض على الإطلاق العدو الصهيوأمريكي حياة مائة شهيد وعشرات الجرحى والمصابين وهم يتضرعون بالدعاء بين يدي الله في صلاة الفجر، وذكرت بعض المصادر أنهم كانوا على موعد بختم القرآن الكريم في هذا الصباح حتى باغتتهم القنابل والصواريخ الأمريكية الصنع فوق رؤوسهم فصاروا بضعاً وأشلاءً رغم أنهم في مأوى للنازحين داخل مدرسة التابعين بحي الدرج وهو في الأصل ملاذ آمن للمدنيين العزل وفق أعراف وتقاليد القوانين الدولية في الحروب ولكن الغدر والخسة والبربرية أعظم سمات هؤلاء المجرمين، ولايزال العرب في سباتهم المقيت وخذلانهم المذل بينما تعلن الإدارة الأمريكية الإفراج عن 3.5 مليار دولار لمصلحة الكيان كدعم مالي لشراء السلاح والعتاد، ولعل الدعم المالي والعسكري الذي تنهض به الولايات المتحدة الأمريكية يعكس سياستها تجاه العرب والمسلمين في ميزان الصراع مع الكيان المحتل، ولن أذهب مع الذين ذهبوا إلى تفسير الأمر على أنه ازدواجية المعايير حينما تكون إسرائيل حاضرة على الطرف الآخر بل هو في جوهره عقيدة راسخة تتجاوز مرتبة التقديس وتتمحور حول الحقد الدفين للإسلام والمسلمين ولا تخرج عنه قيد أنملة، وأن ثمن أرواح وحياة الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ العزل الذين يتم استهدافهم بالقنابل والمتفجرات الأمريكية لا يساوي حياة قطة تتمتع بالجنسية الأمريكية.
من هنا قفزت في ذهني ذكرياتي مع أمريكا التي عرفتها حينما زرتها في المرة الثانية للعمل بإحدى جامعاتها أستاذاً بعد حصولي على درجة الدكتوراه في الطب في ثمانينات القرن الماضي، وكان في صحبتي آنذاك أسرتي الصغيرة وحفيدي المدلل إلى قلبي "معاذ " المولع بحب القطط الأليفة ولطالما يستغل ضعف حيلتي أمام تلبية رغباته فأعرب في يوم أجازته عن رغبته في اقتناء قطة كما هو مألوف له في مصر ، فكان أكبر الظن عندي أنني سأذهب إلى إحدى المحلات التي تبيع الحيوانات الأليفة وأصطحبها معي في سيارتي وربما لن يستغرق الأمر بضع دقائق، وكانت المفاجأة أن هناك قوانين وقواعد بالغة التعقيد والصرامة لمن يقتني حيواناً اليفاً ، أولها رضاء مالك العقار الذي تقطنه وإلا تتعرض لفسخ التعاقد والطرد من منزلك وعليك أن تثبت بأوراق رسمية أن الحيوان حصل على التطعيمات اللازمة للتأكد من خلوه من أية أمراض ، وأن توفر له المأوى من الحرارة و البرد و المطر والثلوج، ويمكنك التزود بمعلومات إضافية من قسم الشرطة أو مكاتب مراقبة الحيوانات المتخصصة، وفي إطار المساعدة حول علاج الحيوانات هنالك دليل الكلاب والقطط للتواصل، وفي النهاية لو فُقد منك الحيوان وعثرت عليه الشرطة فعليك إثبات ملكيته من خلال شهادات التسجيل والتطعيم وقد تضطر لدفع غرامة مالية كبيرة تقدر بمائة دولار للحصول عليه مرة أخرى.
قلت في نفسي أية حضارة تلك التي تولي هذا الاهتمام والصرامة في الإجراءات لمجرد اقتناء حيوان أليف فما بال الإنسان، وكانت الصدمة الأعظم في انحيازها الأعمى للكيان المحتل في عدوانه البطاش على غزة وجالت في خاطري مدى البشاعة والهمجية البربرية في قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير الحجر والشجر بسلاح وعتاد أمريكي.
هذه هي أمريكا الضاحكة مع الحيوان وهذه هي أمريكا التي تستعلي بريادتها في حقوق الإنسان تطل بوجهها القبيح تجاه الإنسان العربي والمسلم الذي تتنكر حياله متجردة من كل القيم والقوانين التي تحض على احترام وحقوق الإنسان دون النظر إلى عرق أو جنس أو دين وتصبح حبراً على ورق.