الخميس 19 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

كان يسمى لكنه لم يذق طعم العدل . الآن تعود إلى العادل فتعرف كنه العدل . تعود إليه بعظام مكسورة فتُجبر وبنفس كسيرة فتُعز . وبصوت مكتوم فيطلق وبحشرجة موت فتحيا .

كان يسمى عادلاً .. لم تتطل إقامته فوق أديم الأرض . جسده الهزيل استثقله أديم الأرض فاحتضنه ثراه .
كان يسمى عادلاً فلم يلقى من الناس عدلاً ولا رحمة وأنعتوه شقياً .
حدثته نفسه بأن يحيا طفلاً لبضع دقائق . فقط بضع دقائق .
تعبت قدماه الحافيتان من خشونة أديم الأرض .. امتدت يداه إلى زاحف طفل في سنة  وضع قدميه فيه وأخذ في السير مزهواً وكأن يضع فوق رأسه سوار الملك . لم يسرق الطفل . عاد إلى غرفته التي تكاد تهبط عن سطح الأرض فكان في انتظاره الهول والتعذيب . تنهال فوق وجه الصفعات .. تركله الركلات .. تهوى العصا الغليظ فوق رأسه وكتفه وظهره وقدمه حتى لا تكاد تترك موضعاً في جسده دون أن ترتطمه بينما الصغير يصرخ ويستغيث .. يحاول أن يحتمي بوسادة قبض عليها بين يديه ولما لم يفلح هذا الاحتماء بدا وأنه يحتمى بجسده من هول ما يصنع بجسده .
يستحل الجسد إلى شكل القرفصاء يتخذ موضع جنيناً برحم أمه .
يوهن الجسد .. تخمد الصرخات شيئاً فشيئاً .. تستحيل الصرخات إلى آنين .. ثم يستحيل الآنين إلى حشرجة صوت مبحوح ، الله وحده يعلم ماذا كان يقول .
يشخص البصر .. يناجى معذبه .. اتركني أموت في سلام .. لم أذق طعم الدنيا وكفي .. ألا تشفع عندك دمائي .. ألا يشفع عندك إغمائي ..
يُطرح الجسد المعذب فوق فراش بالياً . لا صوت .. لا حراك وعندما أزعج معذبه هذا الصمت إذا به يحرك جسده .. إنه مازال يظن أنه على قيد الحياة .. قسوة الظالم تقلب عنده موازين الحياة فيكتشف أن بركة دماء صارت وسادة تحت رأسه . 
لقد مات الصغير .. وكان يسمى عادلاً ..!

تم نسخ الرابط