الخميس 07 نوفمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

في عالم تتسارع فيه وتيرة الصراعات الرامية للسيطرة علي الثروات المادية والبشرية، وتبذل فيه الدول قصاري جهدها للاستحواذ علي مقومات العيش ومقدرات الحياة لدي الشعوب، وتسعي بكل قوة للافتئات علي حقوقهم وثرواتهم ومكتسباتهم المادية والبشرية والفكرية؛ تأتي " القوة الناعمة" كأحد أهم وأبرز القوي التي ترتكز عليها الدول لبسط سيطرتها ونفوذها، وإبراز مكانتها بين الدول الكبرى والكيانات العملاقة، وحجز مكان لها علي خارطة التفوق والريادة، والحفاظ علي هويتها وحضارتها وتراثها من الذوبان في بوتقة العولمة والحداثة وما بعد الحداثة وفي خضم صراع الحضارات الذي أمسي صراعا مريرا يتسلح فيه الجميع بالعلم والمعرفة.
ومن المعلوم أن مصادر "قوة الدول" وتأثيرها في محيطها الإقليمي والدولي، وبزوغ نجمها كقوة رائدة لا يقتصر علي قوتها العسكرية ومكانتها الاقتصادية، ووفرتها المادية، وريادتها التقنية؛ وإنما تزداد هذه "القوة" حينما تمتلك دولة من الدول إرثا حضاريا وفكريا  يمتد تأثيره للنطاق العالمي، وهذا الإرث الحضاري والثراء الفكري والمنجز البشري يقوم علي أمره ثلة من العلماء والمفكرين والنابغين والموهوبين الذين يجوبون الدنيا بعلمهم وإبداعهم، ويرفعون راية بلادهم خفاقة عالية في سماء العلم والفكر، وفي دنيا العطاء والإبداع، وهؤلاء هم "رواد الفكر" و"حملة مشاعل الهدي" و"صناع الأمل" الذين يقودون قاطرة التقدم والريادة والغلبة والنفوذ. 
وقد وهب الله مصرنا الغالية "قوة ناعمة" في شتي المجالات وفي جميع الميادين سطع ضوؤها، وذاع صيتها، وكثر خيرها، ونثرت بذور العلم والإبداع في ربوع الدنيا، وأضحت علامة فارقة في سماء العلم والمعرفة والإبداع.
لذا: فمن الواجب علينا أن نضع هؤلاء العظماء في مكانتهم اللائقة، النابعة من تأثيرهم في مجتمعاتهم وتوغل هذا التأثير ليمتد للواقع الإقليمي والدولي، ولم لا ؟! وهم "القوة الناعمة" التي يتسلل تأثيرها بهدوء إلي الأفراد والمجتمعات، ويحلق في السماء عابرا حدود الأوطان والبلدان والأنهار والوديان، بعيدا عن صراع السياسة، ونفوذ الاقتصاد، واستنزاف المقدرات البشرية للأمم والشعوب لتكون هذه "القوة" من عوامل الغلبة والتمكين وامتلاك أدوات التفوق لدولة علي أخري، ومن عوامل التأثير الفاعل في مسار الدول وتاريخها، ومن أسباب نهضتها وبواعث عزتها وريادتها.
ولا يقتصر تأثير هذه القوة علي المشهد الخارجي، ولا علي العلاقات الإقليمية والدولية ودوائر صنع القرار العالمية بل يمتد تأثيرها ليشمل الأجيال الناشئة التي تحتاج إلي "نماذج مشرقة" و" قدوات صالحة" تقتفي أثرها وتحذوا حذوها، وتنير افئدتها وأبصارها.
وقد يمتد هذا التأثير ليحدث صدي واسعا لدي عموم الجماهير التي تسشعر مكامن قوتها وريادتها ومصادر فخرها وعزتها فيزيدها ذلك حماسا، ويشعل داخلها وقود العمل وأكسير البذل والعطاء فيشمر كل واحد عن ساعديه ليحافظ علي مكانة بلاده، ويضعها في مكانة لائقة بين بين صناديد العلم والفكر والإبداع.
ولكي تؤثر هذه القوة الناعمة في محيط إقليمها، وفي دائرة أوطانها؛ فحري بوسائل الإعلام أن تسلط الضوء علي هذه النماذج المضيئة بعيدا عن مدعي الموهبة وأنصاف المتعلمين وفاقدي الإبداع.
وحري بوسائل الإعلام أن تقوم بدورها الاجتماعي والمهني في الأخذ بأيدي الشباب الواعد الوثاب الحالم بتحقيق آماله وطموحاته من خلال توجيه بوصلته نحو هذه النماذج التي ملأت الدنيا علما ورفعة ، وانتشلتها من غياهب الجهل وظلمات التقوقع إلي رحاب العلم والبناء والتشييد والعمران، وتعمير الأكوان، وتفتيح الأدمغة و الأذهان.
حري بوسائل الإعلام أن تبعث الشجاعة في النفوس، وتحي بواعث الأمل في النهوض بمقدرات الأمم والشعوب، والاصطفاف خلف هؤلاء النبغاء، وإنزالهم منزلة تليق بقدرهم، ووضعهم في مكانة سامقة جراء ما قدموه للبشرية من خدمات عظيمة جليلة، أيقظت الروح، وأحيت الأجساد العليلة.
حري بوسائل الإعلام أن تجعل الأمم تحصد ثمار زرعها اليانع وأزهارها المتفتحة التي انتشرت رياحينها، وعمت الأرجاء لينمحي الليل الحالك، وتلوح في الأفق أضواء العلم والمعرفة، ويعم الضياء والنور سائر الكون، وتستمر الشعلة الوقادة التي أشعل نورها ورثة الأنبياء.
حري بنا أن نستفيق من غفلتنا، وأن نستثمر قوتنا الناعمة لننعم بالخير والرزق والنماء، ونتبوأ المكانة اللائقة التي تتطوق الأعناق، وتغرد كالطير الذي يحلق في السماء، وتجعلنا نستشعر العظمة والشموخ والكبرياء، ولنا معكم في قادم الأيام حديث ولقاء.

تم نسخ الرابط